الجمعة 2017/11/03

آخر تحديث: 19:00 (بيروت)

طرف مجهول يُدخل مراسلي قنوات إسرائيلية للضفة.. ويحميهم

الجمعة 2017/11/03
طرف مجهول يُدخل مراسلي قنوات إسرائيلية للضفة.. ويحميهم
increase حجم الخط decrease
"طبيعة الفنادق ووكالات السيارات، والهاي-تك (التكنولوجيا الفائقة)، والبورصة، والقهوة الأميركية التي تحل محلّ القهوة العربية السادة".. شواهد ومشاهد تدلل على أن "الحياة بألف خير هُنا"..


هذا هو مضمون سلسلة حلقات لتقارير تعكف "القناة العاشرة" الإسرائيلية على بثها لمراسلها حيزي سيمنتوف، والذي أنتجها بعد دخوله مدن الضفة الغربية بكل جُرأة، فتجول في شوارعها وأماكنها العامة، والتقى مواطنين ومسؤولين واقتصاديين فلسطينيين، إسوة بمنافستها "القناة الثانية" التي سبقتها قبل فترة بتقرير مماثل لمراسلها، اوهاد حمّو، عن واقع الحياة الاقتصادية "المُجمّل" لمدن الضفة وأسواقها.

المثير للإستغراب والغموض في آن، هو دخول الصحافيين والمراسلين الإسرائيليين المتكرر للضفة بأريحية غير مفهومة، رغم أن الاحتلال يمنع ذلك خشيةً على حياة كل إسرائيلي، ويضع لهذه الغاية لافتة باللغتين العبرية والعربية على مدخل كل بلدة ومدينة فلسطينية، تحذر الإسرائيليين من الدخول إليها، الأمر الذي يعني أن عملية دخول هؤلاء تتم برعاية ومتابعة أمنية وسياسية من قبل تل ابيب، وقد يتم تأمينهم وحمايتهم من قبل جهات محلية غير معروفة وليست مرئية للفلسطيني العادي المتواجد في المكان.

وسألت "المدن" جهات أمنية في السلطة الفلسطينية حول ما إذا كان يتم تنسيق دخول هؤلاء الصحافيين الإسرائيليين معها، فأجابت بالنفي، قائلة: "لا.. إنهم يدخلون من تلقاء أنفسهم"، لكنها قالت إن طرفاً فلسطينياً غير رسمي، دون أن تسميه، هو الذي يساهم في تسهيل مهمتهم وحمايتهم بعيداً عن تدخل السلطة.

بَيْدَ أن هذه الإجابة الغامضة لا تجيب على استفسارات وتساؤلات حيال ماهية هذا الطرف، ومدى كفايته كي يشعرَ الصحافيون الإسرائيليون بهذه الدرجة من الأمان في قلب الضفة الغربية، حتى أنهم يصولون ويجولون فيها بلا خوف أو تردد، ودون أن يتعرض لهم أحد، بل ويتعاطى فلسطينيون عاديون ومن شرائح مختلفة مع أسئلتهم ويظهرون على شاشة التلفزيون الإسرائيلي.

اللافت أن الجيش الإسرائيلي نفسه يتعامل بإزدواجية فيما يتعلق بدخول الصحافيين والإعلاميين الإسرائيليين للمدن الفلسطينية، فبينما يغض الطرف عن دخول أوهاد حمّو، وحيزي سيمنتوف، نراه يعتقل الصحافي في "هآرتس" اليسارية، جدعون ليفي، عندما دخل جنين ذات مرة، ويحقق معه؛ نظراً لمناهضته الشديدة للسياسات والممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ويستخدم مصطلح "الإحتلال" في كتاباته، ولا يتناغم مع البروباغندا الرسمية.

ويؤكد المختص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد، لـ"المدن" أنه لا يمكن لهذه القنوات الإسرائيلية ومراسليها أن يتجولوا بهذا المستوى من الحرية في مدن بيت لحم ورام الله ونابلس وجنين ولقاء عدد من رجال الأعمال والقائمين على مشاريع اقتصادية، لولا توجيه من مستويات سياسية وأمنية في إسرائيل؛ فلا يمكن لطاقم التلفزيون الإسرائيلي أن يقوم وحده بذلك دون مساعدة وإيعاز وتشجيع من هذه المستويات، خصوصاً وأن هذه التقارير تم طرحها وبثها قبل وبعد القصف الإسرائيلي لنفق غزة الذي أدى إلى وقوع شهداء وإصابات، علّها توصل رسالة تنسجم مع نظرية وزير الجيش الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، القائمة على سياسة (العصا والجزرة)، والقائلة "إن الذي يقبل وجودنا سنعطيه نصف ما نملك وإن الذي يرفضنا سنحطم رأسه بالفأس"، في اشارة الى انه طالما تحوي غزة "فصائل عسكرية وإعداد للصواريخ والأنفاق، فستبقى تدفع ثمناً كبيراً وستستمر المعاناة والحياة الصعبة".

وبالنظر إلى مضمون سلسلة تقارير "العاشرة الإسرائيلية" الأخيرة، فإنها حملت عنوان "روك في القصبة"، وتتحدث عن حياة الطبقة الوسطى في الضفة، إذ تدعي أن نسبتها تصل إلى خمسة وثلاثين في المئة من مجموع السكان، وان رواتب الذين يعملون في القطاع الخاص، ضعفان وثلاثة اضعاف رواتب السلطة الفلسطينية، كما وتسلط تقارير، حيزي سيمنتوف، الضوء على التطور الذي طرأ على دور ومكانة المرأة الفلسطينية في سوق العمل وخاصة في شركات التكنولجيا الفائقة (هاي-تيك) والإنترنت، فباتت قوة عاملة بارزة في الاعوام الـ17 الأخيرة، مقارنة بما قبل الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام ٢٠٠٠، وفقاً لإدعاء هذا المراسل.

ونرى في تقارير العاشرة أنها تنطوي على تزوير ومبالغة عند حديثها عن أن نسبة الطبقة الوسطة تشكل "ثُلث" سكان الضفة، في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء اقتصاد أنها قد انهارت فعلياً خلال الانتفاضة الثانية، وحل محلها "اقتصاد النّخبة". ويدرك المواطن الفلسطيني أن هذه الأرقام على هامش التقارير سالفة الذكر غير مستوعبة وليست واقعية.

وبدا مسؤول في البورصة الفلسطينية متناقضاً في حديثه للمراسل سيمنتوف، فبينما قال إنهم غير معنيين بمد جسور التعاون مع إسرائيل بصفتها تضيّق على الإقتصاد الفلسطيني وتتحكم به، وإنهم يطمحون كطرف فلسطيني لعلاقات مستقبلية على صعيد البورصة مع الأردن ولبنان، في سياق سياسة اقتصادية ليبرالية مفتوحة، يبدو أن هذا المسؤول يبدي ترحيبه بتعامل مستثمرين يهود في البورصة الفلسطينية، حتى لو كانوا (حريديم) أي متدينين، ويقول: "أهلاً وسهلاً بهم".

مما لاشك فيه، فإن هذه التقارير الإسرائيلية التي تركز على طبيعة الحالة الإقتصادية في الضفة، وتستثني القدس التي يعاني سكانها من تمييز وعنصرية الإحتلال، تسعى لتوجيه رسالة لسكان المدينة المقدسة وداخل الخط الأخضر من الفلسطينيين، لإغرائهم بأن الحياة جيدة هنا، تمهيداً للتعاطي بشكل مرن للإنتقال إلى الضفة وخاصة في ظل الحديث عن فكرة "تبادل السكان"، ونقل مئات الآلاف من سكان القدس والخط الأخضر لحدود الكيان الفلسطيني، في إطار الحل السياسي القادم.

وتطرح هذه المواد والتقارير الإسرائيلية الحالة الفلسطينية بشكلها المنفتح، وكأن الضفة دخلت بهذا المشروع وتخلت عن فكر المقاومة والسياسة، وتريد العيش بسلام وفقط، بينما تتحاشى هذه التقارير التلفزيونية التركيز على حواجز الاحتلال وبواباته العسكرية على مداخل المدن التي تضاعف معاناة الفلسطينيين، كما تتغاضى عن سيطرة إسرائيل على معظم المصادر الطبيعية والثروات في المناطق المحتلة عام ١٩٦٧، مروراً بتحكمها بكل مفاصل حياة الفلسطينيين، فتقتل أحلام ألف مرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها