الثلاثاء 2017/10/17

آخر تحديث: 18:54 (بيروت)

"أنا أيضاً تعرّضتُ للتحرّش الجنسي"

الثلاثاء 2017/10/17
"أنا أيضاً تعرّضتُ للتحرّش الجنسي"
#أنا_ أيضاً: لتحدّي ثقافة السكوت وتبيان الحجم الحقيقي لمعاناة الضحايا
increase حجم الخط decrease
كثيرة هي الحملات التي أطلقت محلياً وعالمياً لإدانة التحرّش الجنسي والتضامن مع ضحاياه وتشجيعهن على عدم السكوت أوالرضوخ. ذلك أنّ وسائل الإعلام والمنظمات المعنية بشؤون المرأة والكثير من الحملات المدنية حول العالم تبذل قصارى جهدها في سبيل التوعية وكسر حاجز الخوف لدى الضحايا وتشجيعهن على الكلام والإصرار على المواجهة قانونياً ومجتمعياً، مهما اختلفت حيثيات الواقعة وظروفها وتفاصيلها.


تحقيق هذا الهدف بغية الوصول إلى تطبيع مسارات الطرق والوسائل التي على الضحية السير فيها لناحية اعتبار التعاطي مع قضية التحرّش أمراً يدين فاعله أولاً وأخيراً، وإزالة أيّ تفسيرات وتساؤلات نمطية طالما تعرض إليها الضحايا، إن كان من منطلقات نفسية ذاتية أو من روادع اجتماعية ذات مفاهيم فضائحية تضفي عليها صفات مشينة أو مسببة لاستجلاب النقد واللوم والقلق والتوجّس والخوف للضحية، ليس بالأمر اليسير، خصوصاً لجهة التعاطي بذهن منفتح وإيجابي، كفكرة يجب إحلالها وتكريسها في الذهنية المجتمعية عموماً، مع ما يستلزمها من نزع صفات العار والشجب بكافة أنواعه، والذي عادة ما يشكّل عائقاً يمنع المضي بقضايا التحرّش والاغتصاب إلى نهاياتها المفترضة، التي من الواجب أن تكون واضحة المعالم بكشف سلوكيات الضحية وإنصافها وإدانة المعتدي، ما يستوجب تفكيك المنظومة الفكرية الذكورية الطاغية في العالمين الشرقي والغربي على حد سواء، رغم اختلاف النسب، والتي يجب العمل عليها بداية، بإنهاء السطوة والابتزاز والنفعية أو الترهيب، أو أيّة عوامل أخرى تتشكّل منها الظروف المشجعة أو المؤاتية للمتحرشين، ما يشكّل رادعاً ذهنياً لهم، يدفعم للتهيّب من كون أنه لن يكون هناك تستّر أو لفلفة أو طمر لمحاولاتهم أو أفعالهم، واستبدال النبذ بدل التواطؤ مع الجناة أياً كانت حالاتهم أو وضعياتهم أو مراكزهم.

من هذه المنطلقات بالذات أتت صرخة النجمة الأميركية أليسا ميلانو، التي قادت حملة #MeToo (أنا أيضاً)، ودعوتها النساء اللواتي تعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي إلى نشر تجاربهن ورواية قصصهن، عقب فضائح التحرش والاعتداء التي مارسها المنتج الهوليوودي البارز، هارفي واينستين، بحق عشرات من نجمات هوليوود على مدى 3 عقود، والتي أدّى الكشف عنها إلى ضجّة كبيرة في الولايات المتحدة والعالم. وفي حين ما زال واينستين يصرّ على أن هذه العلاقات كانت بمحض إرادة النجمات، على الرغم من كل الاثباتات التي قدمهن ضدّه في التحقيقات، دعت ميلانو الضحايا من النساء إلى إظهار وتبيان الحجم الحقيقي للمشكلة وإطلاع الناس على مدى معاناة النساء منها عموماً وفي عالم السينما بصفة خاصة، الأمر الذي أدّى إلى عاصفة نسائية وتجاوب منقطع النظير، تفاعلت من خلاله آلاف النساء مع دعوة ميلانو في "تويتر" و"فايسبوك" من شتّى أنحاء العالم، وصولاً إلى العالم العربي، حيث تحوّلت الصرخة إلى حملة عالمية توحّدت فيها نجمات هوليوود مع بنات جنسهن حول العالم، وتحلقّن حول شعار "لن نسكت" كائناً من كان المتحرش، ومهما كان موقعه أو حجم نفوذه.

وكانت الحملة قد أتت بعد أيام من نشر صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً يرصد اتهامات  التحرش الجنسي التي يواجهها المنتج واينستين، استناداً لشهادات ممثلات وعاملات في مجال صناعة الترفيه، وتزايدت الأسماء عقب تفجير فضيحته، حيث برزت مجموعة من نجمات هوليوود تشجعّن على الإفصاح وكشف ممارسات واينستين معهن، مشعلين بذلك فتيل قضية تداعت لها النساء بتصريحات مماثلة حول ما تعرضن له وحصل معهن من تحرّش.

هذا التفاعل الملحوظ مع الحملة، من خلال مواقع التواصل، عكس تراكماً للوعي وإدراكاً لمخاطر السكوت وتأثيراته على الضحايا الحاليين والمحتملين، ما اعتبر استكمالاً وتجاوباً مع الحملات السابقة التي لعبت فيها مواقع التواصل دوراً كبيراً في هذا الإطار، لناحية توفير المساحة، وإفساح المكان الذي تلاقت فيه المطالب، وجعلت النساء يجتمعن على معاناتهن من خلال دعمهن لبعضهن البعض، وتأكيدهن بأنهن لسن وحدهن، بل هناك من يعاني مثلهن ويتفاعل معهن.

ما يميّز هذه القضية، والذي جعلها تأخذ هذا المسلك، يرجع الفضل فيه إلى كيفية تعاطي وسائل الإعلام الأميركية معها بالدرجة الأولى، لناحية عدم التعاطي معها وكأنها قضية جانبية أو مجرّد سبق صحافي يهدف إلى إظهارها بأسلوب فضائحي رخيص، بل أرست نقاشاً جدّياً، انطلق وتمحور حول ظاهرة التحرّش في العموم، وفي عالم المملكة الهوليوودية على وجه الخصوص. كما أنها استتبعت أسئلة نقدية واستطرادية تطال المجتمع الأميركي، كونه ملوماً بإيصاله إلى الرئاسة رجل اشتهر عنه سلوكه المنحرف والعدائي تجاه النساء، ورغم وجود العديد من القضايا المرفوعة ضدّه في هذا الإطار، والتي تتهمه بالتحرش العلني والمستتر، ما دعا القضاء إلى التحرّك وإصدار أمر إلى فريق حملة ترامب الانتخابية، بتسليم كل الوثائق التي بحوزته حول مختلف الاتهامات بالتحرش الجنسي التي استهدف المرشح في حينه، وذلك بحسب ما كشفت وثيقة قضائية نشرها موقع "باز فييد" الأحد الماضي.

القضاء الأميركي كان قد أصدر الأمر نفسه في آذار/مارس الماضي إلى فريق حملة ترامب الانتخابية في إطار شكوى بالتشهير تقدمت بها سامر زيرفوس المشتركة السابقة في برنامج "ذي إبرينتس" التلفزيوني الذي قدمه ترامب على مدى سنوات. ويلزم الأمر القضائي فريق حملة ترامب الانتخابي بتسليم مجمل الوثائق التي بحوزته والمرتبطة بأي "اتهام" ضد المرشح الجمهوري خلال حملته في العام 2016 بأنه "أرغم" امراة على "اتصال جنسي بدون موافقتها و/أو سلوك جنسي غير لائق". وتابع الأمر القضائي إن الأمر يشمل الوثائق المتعلقة بزيرفوس وبـ"أي امرأة" وجهت اتهامات إلى ترامب.

تحرّك القضاء باتجاه ترامب أتى بموازاة قيام أكاديمية الأوسكار بطرد المنتج هارفي واينستين من لجنة التحكيم الخاصة بها، وسبقها قيام شركة "واينستين" بطره منها، ما يدّل على أن مطالبات الحملة النسائية بدأت تأتي أكلها وبأنها تسير بالاتجاه الصحيح، وأن الكيفية لتعاطي القضاء والإعلام مع هذه القضية يجب أن يتحوّل إلى نموذج يحتذى به في وسائل إعلام البلدان العربية وأجهزتها القضائية، مع التركيز على استمرار هذه الحملة وعدم السماح بخفوتها وتضائلها في حال طغيان أي حدث جديد قد يشغل العالم، تستحيل معه هذه الحملة إلى مجرّد فورة إعلامية، ينقضي أوانها إلى حين ظهور فضيحة كبرى مماثلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها