الثلاثاء 2016/04/12

آخر تحديث: 15:54 (بيروت)

حكاية علم

الثلاثاء 2016/04/12
حكاية علم
لا أبالغ إذا قلت إنني لم استطع النوم وأنا اتخيل المشهد كيف سأرفع العلم
increase حجم الخط decrease
"للبعث يا طلائع للنصر يا طلائع... أقدامنا حقول طريقنا مصانع" 
تجعلني أبيات هذا النشيدج في رهبة وطنية، وتقفز روحي أمامي مسترجعاً مجد الأمة وتاريخ الوحدة العربية مع مصر. 

أتذكر مواقف مشرّفة في عمري، ومنذ كنت تلميذاً:

أنظر إلى السماء، تقفز روحي بالأغاني الوطنية وحماسة المدير، نرد على حادثة مقتل الشيخ أحمد ياسين، نحارب بحناجرنا القتلة الغدّارين وبنجمتي علم بلادي الذي يرفرف فوق بناء المدرسة (أحمر اللون)، هو دربنا في حال ضعنا، هو قبلتنا في حال تخبطنا في الطريق نحو الوحدة والنيل من القتلة. وتجرّأت وطلبت من الأستاذ أن أقدم تحية العلم في نهاية الأسبوع. ضحك لقصر قامتي التي لا تساعدني في رفع العلم مصحوبة بنشيد "حماة الديار".
ولكني أصررت ووعدت الأستاذ بكتابة الوظائف. ابتسم موافقاً سائلاً: "أهلك حزبيين؟ الله محييك". 
لا أبالغ إذا قلت إنني لم استطع النوم، وأنا اتخيل المشهد، كيف سأرفع العلم، أحد الأسلحة التي سأحارب بها قتلة رجل مسن مُقعد. أشبه نفسي، وأنا اتقلب في الفراش، بالجندي السوري الذي نشاهده على شاشة التلفزيون يرفع العلم الوطني على تلة ما. وراودني طيف أنني حافظ الأسد أرفع العلم في مدينة القنيطرة. اتقلب في الفراش لطرد هذا التخيل، خوفاً على نفسي من "التركس" الذي دمر منزل جارنا فوق رأسه لأنه معارض لمن يدافع عن العرب والعروبة، ولأنني أسمر الوجه وعسلي العينين لا أشبه حافظ الأسد بشيء ولا حتى جبينه العالي. 
صباحاً، تأكدت من ثيابي التي كويتها ثلاث مرات ووضعت شعار "طلائع البعث". لم أفطر. قصدت المدرسة باكراً، طرقت الباب، وفوجئ الحارس بنشاطي. اصطحبته معي وهو يضحك ويقول: "لو بعرف هيك ما راح تتأخر، راح خليك ترفع العلم كل أسبوع". 
اجتمع الطلاب وحضر المدير وبدأنا النشيد العربي السوري حماة الديار... المعلمات يرددن النشيد بنعس، كل واحدة منهن تتقدم أمام طابور طلابها. 
نسيت أن أشد الحبل للأسفل كي يرتفع العلم إلى الأعلى. ثم تذكرت وبدأت الشد، والعلم يرتفع وقلبي يرتجف، ومن الرهبة سقطت السيدارة من على رأسي لأنني أقف على رؤوس أصابعي كي أصل إلى الحبل... العلم يرتفع ويرفرف وقلبي يخفق رهبة وفرحاً... يرتفع العلم وترتفع نسبة الأدرينالين معه.

فجأة، الآن، بعد عشر سنين من تلك الحادثة، ارتفع الإدرينالين. ارتفع عندما شاهدت العلم خوفاً على نفسي. لقد تحول ذاك العلم، من علم وطن نشعر بالانتماء إليه، إلى علم عدو نخاف الموت حين نراه.
(سورية)
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

مقالات أخرى للكاتب