الجمعة 2015/02/06

آخر تحديث: 17:09 (بيروت)

عن السيسي.. الطفل المحروم

الجمعة 2015/02/06
عن السيسي.. الطفل المحروم
علي حصان جار السيسي وصديق طفولته
increase حجم الخط decrease

علي حصان، هو أحد أصدقاء الطفولة للسيسي، عندما كان يقطن في حيّ الجمالية بالقاهرة، وقد إستعانت به حملة السيسي الإنتخابية لمساندته، من طريق قصّ بعض حكايات الطفولة، لتعبّر عن مصرية السيسي النقية، كمواطن من الشعب، ينتمي إليه وينتمون إليه.. لكن ما قاله "حصان"، حصر المرشح الرئاسي حينها في خانة أخرى، حيث دلل الصديق على إحترام السيسي صغيراً بأنه لم يكن يشارك أصدقاءه اللعب في الشارع وعزوفه عن الذهاب معهم الى السينما ولعب الكرة وعن مخالطة الفتيات!

كانت الحملة تريد أن تعرض الوجه المهذب للسيسي، فعرضت الوجه الذي مرّ بطفولة ناقصة، على عكس أغلب أطفال الجمالية والمناطق الشعبية، والذين تعتتر طفولتهم من أهم مراحل حياتهم وتشكيل شخصيتهم من خلال تجاربهم، مروراً بالمراهقة التي لم تكن طبيعية بالتبعية في حالة السيسي بعد تطوعه صغيراً بالشهادة الإعدادية.. وهو ما يوضح بأن السيسي لم يمرّ بطفولة هانئة ولا مراهقة مليئة بالتجارب.

لم يرد إلينا ماذا كان يفعل السيسي كل تلك السنوات كطفل وشاب صغير، بعد عزوفه عما صرح به صديقه. فالعمل والدراسة وحدهما لا يصنعان التجارب، ولا يجعلان الإنسان يكتشف شخصيته، ولا يمكنانه من إيجاد الأساليب المثلى للتعامل مع الناس.. وهو ما قد يتضح مما رواه السيسي بنفسه ذات مرة، بأنه كان يرد على من يعتدي عليه صغيراً، بأنه يوماً ما سيكبر ويرد الصاع صاعين..

كان طفلاً طيباً مهذباً، ظنّ بأنه قد أفحم المعتدي عليه، الذي ربما ضحك لأن ما فعله لا يتناسب مع تصرفات أطفال المناطق الشعبية الذين يدافعون عن أنفسهم أكثر من ذلك.. لا لشيء سوى لإثبات الذات قبل أي شيء آخر، حتى لو لم تكن المسألة تستحق. هكذا، ربما إشتهر السيسي بين أقرانه بأنه لا يستطيع الرد على المعتدين عليه صغيراً!

ربما عزف السيسي صغيراً عن الشارع لهذا السبب؟ ربما كان طفلاً خجولاً لا يستطيع مجاراة شباب المناطق الشعبية وطفولتهم وحيوتهم وجرأتهم المُفرطة؟ ربما كان لا يستطيع التفاهم معهم كونهم مرّوا بتجارب حياتية - لم يمرّ بها هو مثلهم - رغم صغر سنهم؟ ربما كان يخشى عليه والده من النزول الى الشارع خشية "العيال الصيّع"، كحال بعض الأسَر المصرية، التي تخشى أن تدع أبناءها للشارع ليتعلموا ويستفيدوا، ويوجهون أبناءهم للدراسة والعمل فقط..

ربما إعترضه أحدهم ذات مرة، ولم يفهم السيسي "بطيبته"، ماذا يريد منه المعترض؟ ربما شعر السيسي بحيرة الأطفال المهذبين أمام توحش تجربة أقرانه الذين يذهبون الى السينما ويخالطون الفتيات ويلعبون الكرة في الشوارع، حاملين أحذيتهم في أيديهم، يتخللها سباب وندّية وصياح ورغبة في المتعة. ربما شاهدهم بعد المباراة، حاملين أحذيتهم في أيديهم. ربما كان السيسي يخشى أن يتسخ حذاءه صغيراً، ربما حذّره أبوه من أن يفسده..

ربما شاهد السيسي أقرانه ذات مرة يستقلون "سبنسة" المترو وهم سعداء بالهواء الطلق وهم يقتحمونه بصدورهم؟ ربما خشي السيسي على صدره، لهذا لا يدخن؟ ربما حذره أبوه في الإعدادية من مخالطة الشباب المدخنين، لأن تلك الأمور في الصغر قد تذهب بالشاب في منطقة أخرى، ربما حذره الأب من "الحشيش" الذي كانت تعج به الجمالية بتلك الفترة.. ربما كان ينظر بريبة لمن أطلقوا العنان لزهرة الخشخاش لتفعل بهم ما تشاء بحرية في الشوارع كأبناء لها.. ربما كان يحضر العشاء لأهله ذات مرة، وشاهد بعض السكارى السعداء وهم يستمعون للست في قهاوي الجمالية في ستينيات القرن الماضي.. بالتأكيد لم يشاركهم تجربتهم سوى بالنظر إليهم بغرابة.. متوعداً إياهم بالقبض عليهم بالمثل عندما يكبر.

من الممكن أن تدفع الزوجة غرامة نقص تجارب زوجها. ربما يختار الأصدقاء من يناسبهم. ربما كان علي حصان، واحداً ممن يلعبون الكرة، لكنه كان يشعر بأزمة السيسي صغيراً فكان يسانده.

تلك علاقات انسانية لكل منا إستعداده الكامل لدفع ثمنها. لكن شباباً مرّوا بـ"جمعة الغضب" ليعلنوا حكمهم في البلاد من دون توافر سبب منطقي واحد للأمان، لا يمكن لهم أن يدفعوا ضريبة تجربته الناقصة. فهم من نزل الى الشوارع من دون النظر إلى ما يردده مَن قرروا وأد الفتنة، من أسباب مقنعة للبقاء في البيت في هذا اليوم، ساقهم التهور الذي لم يتوافق مع تربية أهاليهم، ولا في تعاملاتهم الانسانية، كان السبب الأهم لإختيارهم الكامل، هو وصولهم جميعاً لقناعة ما بأن المنطق لا يسمن ولا يغني من جوع.

في مثل تلك الظروف النفسية، اختاروا النزول، محققين في نفوسهم جوهر الثورة على المجتمع، بأحقية كل فرد في فعل كل ما يريده من دون أن يشغل نفسه بحسابات أي أطراف أخرى، لا تشاركهم الظرف النفسي، ولهذا قرروا النزول للشوارع، من دون تحصين أنفسهم بأي شيء غير رغبة النزول، ولم يستمعوا لأصوات العقل الذي حذرهم من ضبابية المشهد حال نزولهم، والتي لم تكن أسوأ بأى حال - في نظرهم - من ضبابية عدم النزول.

ربما خشي هذا الجيل أن يتمادى النظام في تطاوله عليهم، خشية الذلّ وإهانة حريتهم وكرامتهم التي لا يملك الكثير منهم أي شيء آخر غيرها لتعاونهم على الحياة. لم ينتظر الشباب أن يكبر حتى يرد الصاع، فرد الصاع صاعين ربما لحتمية إثبات القدرة على ذلك.

والآن، وبعدما خط الشيب في رأس علي حصان، علينا أن نبحث عنه لنخبره بحتمية وصوله الى السيسي في أقرب وقت، ليوضح له بأن الجيل الذي قتل منه الآلاف، ومارست دولته القمع بكل أريحية في تعذيب 50 ألف شاب في السجون، وهاجر أبناؤه من أراضيهم، وحاصر أحياءه الشعبية، يمتلك الروح نفسها التي كانت لأبناء المناطق الشعبية قديماً الذي كان يخشاهم السيسي صغيراً.. وأنه هناك الملايين الغاضبة التي فقدت الأمل في نجاح الثورة، لكنها لم تفقد رغبة الإنتقام وهدم معبد الظلم على كهنته، وأنه خسر للأبد معاونتهم له في صد أي إعتداء خارجي كما يندد دائماً.

وليخبره "حصان" بأن الظلم المستشري في ربوع البلاد قد يجعل الإعتداء تلك المرة من الداخل، حتى ولو لمجرد إعادة إثبات الذات.. حيث أن أكبر أزمات هذا الجيل هو عدم قدرته على مشاهدة حريته تسلب منه وإنتهاك أبسط حقوقه وهو عاجز في الشرفات.. كطفل لم يمر بطفولة هانئة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها