الخميس 2014/11/06

آخر تحديث: 17:33 (بيروت)

عزيزتي فاتيما.. الأيام برزقها (*)

الخميس 2014/11/06
عزيزتي فاتيما.. الأيام برزقها (*)
(مواجهات بين "أولتراس وايت نايتس" وعناصر الداخلية في شبرا.. وأحد معتقلي "الأولتراس" في حضن أمه بعد الإفراج عنه)
increase حجم الخط decrease


(*) تعليقاً على جولة من جولات الصراع بين "أولتراس وايت نايتس" والسلطات المصرية بسبب منع الجماهير من مدرجات ملاعب كرة القدم...


صادقتُ الكثيرين من قارئي الفنجان، تتفاوت إمكاناتهم وفراداتهم. وأشهد بحظي السعيد بأنني قابلت منهم من يستطيع أن يصف لك أشياء من الماضي، لم يعشها كما هي تماماً، بتفاصيلها نفسها. يتميز البعض منهم بإحساسه بما تشعرين به من تغيرات طوال قراءته لفنجانك، كقبضة قلبك وقشعريرة ما في مكان معين. وبغض النظر عن كل النظريات التي تشرح ذلك وتفسره، فإنني أدرك تماماً وصولهم لنقط عمياء بالنسبة إلينا - نحن من لا نملك تلك الميزة.

في معركتنا الأخيرة مع الدولة ممثلة في مرتضى منصور، لم يكن من المواجهة بُد. ففي هذا الظرف الصعب الذي نعيشه، عزيزتي فاتيما، ومع إعلان الفشل بنهايات غير سعيدة لكل ما حولنا، كنا نحيا حياتنا التي فشلنا في أن يحياها الآخرون. إختلفت الآراء كثيراً في البداية، حول ماهية المنتصر.. وأي إنتصار قد يتحقق في وقت لا منتصر فيه، في وقت لن يعاتبك أحد على التخاذل، على الإصطفاف ضمن قافلة البؤساء كما هي.. فتلك النهاية لحلمنا، وهي ذاتها التي شاهدناها في الأفلام التي تتناول الأحلام واللحظات التي يقرر فيها البشر الخروج من صفوف الإنتظار. تلك نهاية طبيعية، يا فاتيما، لكننا خضنا المعركة لا لشيء سوى لأننا لا نقبل بـ"مرازّية" (تثاقل/ثقل دم) أحدهم بسبب وجودنا في صمت.

أحياناً، لا يكون الإنتصار بدافع الأمل، أو لطائلته في التأثير في النفس والآخرين، إنما للتعدي على أبسط مساحات الأمان وأضيقها، والتي افترضها كل منا لنفسه، في من يقابلهم ويرتاد جلساتهم هرباً من الشوارع. نحن قوم لا نؤمن بالحق فقط، لكننا نؤمن بالمرازّية المطلوبة منا كي نستطيع أن نحيا في سلام. ففي الوقت الذي عاد فيه كل منا إلى نفسه في السنة المحتضرة، وخاض كل منا تجاربه الفردية، ووجّه إهتمامه إلى داخله أكثر من أي مرة أخرى، حضر المعتدي ليشكك في وجودنا من الأساس. وكم من إنتصارات ونهايات كُتبت بالدفاع عن النفس يا فاتيما.

هناك وجوه لم تأسف منذ بداية الأزمة، لأنها كانت تعلم أنه، رغم كل هذا الفشل البائس، فإن محاولتهم لإنكارنا، ستستنفر فينا كل طاقات الحماس واللعب لرد هذا. فنحن لا نملك إلا وجودنا الذي خرجنا به ذات يوم للجميع. فإن ذهب ما حدث، فنحن لا نملك إلا مساحة الأمان الخاصة بنا. بعدما إعتزلنا مخالطة غيرنا لتجاربهم، لا نملك سوى أنفسنا، نحن أخوة الروح والمرازّية وحب الحياة. وإن كنا نرغب النهاية لكنا ذهبنا بلا عودة، وطالما لم نذهب وإرتضينا الحياة، فبالتأكيد لن نرتضي استباحتنا، ولذلك إرتضينا النزال، الذي لن يكون الإ وفق رغباتنا وإرادتنا الحرة، التي لن تنال هزيمة أكثر مما نالت، مع المحافظة على عناصر لا بد منها في المعركة. أولها، الإستمتاع، والتشبث بكل مبادئ المواجهة التي حضرنا بها يوما ما. فما من أحد يواجه هنا بكل تلك الرغبة في السعادة. فعندما كنا نواجههم مع العامة، كنا نذهب للأمام ونضحك على ردود افعالهم من المفاجآت التي نعدها لهم، ونعود مبتسمين لنفكر في مكيدة أخرى. والآن، ورغم إنتهاء كل شيء، لم تختفِ إبتسامتنا التي نواجه بها صيادي الأمان الشخصي. نحن نحتقرهم يا فاتيما، ونحتقر غباءهم، ولذلك فنحن نواجههم من نقطة مختلفة غير تلك التي يستعدون دائما للتقدم إليها. قد نكون كفرنا بالعامة وبأنفسنا، لا أستطيع الجزم، لكن المؤكد أنهم لم يفقدوا يوماً إحتقارنا لهم.

وبعد مرور ثلاثة أشهر، وبعدما حطمنا أيقونتهم التي يتلاعبون بها وقتما أرادوا، وبعدما نزلنا للشوارع التي طوقوها بخوفهم، وبعدما أثبت كل منا لنفسه أنه يستحق مساحة الأمان الشخصية لصراعه عليها، أدركنا أن هذا الإنتصار لم يكن سوى لأننا لا نقبل التشكيك في وجودنا. وجودنا جميعاً. لو كانت المعركة شخصية لفرد معين، لتكفل بها وحده. ولو كانت لقطاع أكبر منا، لكنا آثرنا الصمت. لكن هذه المرة، التشكيك كان في مجموعة من البشر لهم الحلم نفسه، والألم نفسه، والمرازّية للحياة، نحن فقط. عندها فقط إختفت كل وجهات النظر المبررة للأمان والإختلاف. حينها فقط علمنا أنها حرب على مرازّيتنا التي نحيا بها. فأصحاب الكرامة منذ الصغر، لا يرتضون أن يستبيحهم أحد. أتعلمين يا فاتيما؟ إننا نشبههم تماماً في تثاقلهم على الجميع، لكننا على البرّ المقابل لهم. فنحن نمارس ثقلنا من أجل الحياة والسعادة، حتى على أنفسنا. وهم يفعلون ذلك للبطش، لتعويض فارق الغباء. تماماً كالرجل الذي يضرب زوجته لا لشيء، إلا لأنه لا يفهمها، فيضطر لإلغاء ما هو فاشل فيه، أي "التفكير"، ويتجه إلى ما يتفوق عليها فيه، أي "الغباء والفحولة". لا أمل لزوج غبي في السعادة، وإن ماتت زوجته يا فاتيما.

لا ناقة لنا في تلك البلدة، سوى نادينا، نادي الزمالك. لا أحد يستحق كل هذا العشق على تلك الأرض في نفوسنا غيره. لكل منا إهتمامات أخرى، التي يحبها ويقاتل من أجل متعته فيها، لكن وحده "الزمالك" يربطنا في نقطة غير مرئية، وسط كل تلك الأشياء التي فشلت في إصطياد أرواحنا. أرواحنا التي ما زلنا نبحث فيها عن مساحات نائية لم نصل إليها بعد.

نقرأ الفنجان لأرواحنا، نتقافز في كل مرحلة، من دائرة إلى دائرة، غير عابئين بما شُوّه فيها. أعلى مستنزفي الطاقات مثل "ماريو" - بطل لعبة الطفولة. لا وحش ينتظرنا في النهاية. فلقد مررنا بالنار والجليد، ولم يتبقّ لنا سوى أرواحنا التي نعمل على إسعادها، لتبقى. في الوقت ذاته، نتخلص من نفاياتها، كل فترة، كرجل خمسيني لم يشترك مع شركة النظافة، فيضطر أن يحمل الكيس المملوء بمخلفات البشر، كل صباح، ليلقيه على الرصيف بكل ثقة، رامياً أذنيه خلفه في انتظار توبيخ أحدهم له.. لكنه لا يسمع أحد.

نواجه أرواحنا وأنفسنا فقط يا فاتيما... والأيام برزقها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها