الإثنين 2014/07/07

آخر تحديث: 16:21 (بيروت)

عزيزتي كاميليا.. أنا غاوي

الإثنين 2014/07/07
عزيزتي كاميليا.. أنا غاوي
أحمد رامي.. العاشق في حضرة أم كلثوم
increase حجم الخط decrease

أستيقظ يومياً فجأة يا كاميليا، فأحضر "اللابتوب" لأنظر في ما توقفت عن فعله قبيل استغراقي في النوم. منذ فترة، أصبحت الإفاقة لإستطراد الفعل. لا أستطيع أن أفصل تماماً بين قلة ساعات نومي وطريقة إفاقتي، وبين الحالة التي أمر بها. للفشل مرارة وأوجاع كثيرة، أدين للفشل بالتسامح مع الضعف الإنساني.

نوعية الأغاني التي ألجأ اليها مؤخراً تغيرت كثيراً يا كاميليا. صرت أؤمن بضعف عبد المطلب في محبّة حبيبه. هذا الرجل الشرقي الذي يقف في أغانيه كأستاذ في بدلته الأنيقة، أو "مِعلّم" بجلبابه الفضفاض، ليستحوذ على إنتباه كل المتابعين لشيء ما ينبئ بالقوة والجاذبية. أكتشف أن جاذبية عبد المطلب في ولعه بحبيبه. أغان مثل "مبيسألش عليا ابدا" و"ساكن في حى السيدة"، ليست كافية لكى يصلك ولع عبد المطلب يا كاميليا. يجب أن تستمعي إلى "متغلوش" و"إعطف يا جميل": "في غيابك كنت بتوحشنا، ونجيلك ولا تسأل عنا، هو انت يا جميل مخاصمنا، والا العزّال حجبوك عنا"، ثم يرتدي الجلباب الفضفاض ويقول: "تعالى لنا في يوم واسال عنا، دي العيشة في قربك تحلالنا.. وحياتك ياللي مشاغلنا ان مفيش غيرك على بالنا". الذكورية والفخر بالسيطرة لا يعترضان عبد المطلب في حبه أبداً يا كاميليا. هذا الرجل القوي، لا يخجل من التعبير عن خضوعه وضعفه أمام الحبيب، بل يقرر أن يأخذ على عاتقه الترويج لسلطة العشق الذي لا يترك نفسه لمواجهته، بقدر ما يدفعها للإستغراق في التسليم له، للتأكيد على عشقه غير المحسوب، للإنفراد بخيط "الملاغية والغواية" لأنها أدق وأصدق السبل للأمان في علاقته.

كنت أستغربه وأستغرب ولعه يا كاميليا، كما استغربت قديماً ولع أحمد رامي بأم كلثوم، الولع المعلن أمام الجميع، الخضوع غير المشروط للحبيب. كانت لرامي قيمة كبيرة في نفوس عشاق أم كلثوم، فقد قدّما معاً أعمالاً عظيمة أثّرت في الملايين. وعندما رحلت أم كلثوم، صعد السادات ليرثيها، لكنه أعطى الكلمة لرامي. إستمع المصريون وعشاق الست جميعاً لرثاء رامي العظيم. ما هي تلك القوة يا كاميليا؟ أن يخرج المحب الذي يتحاكى أصدقاؤه عن ولعه بحبيبة لم تستجب له يوماً، ليرثيها أمام الجميع بالحب ذاته والضعف ذاته؟ كان رامي مسكوناً بالست. ما زال لتلك القصة جمهورها، المؤيد والمعارض والمنبهر. قبل فترة طويلة، إستقبلت صورة لرامي وهو يستمع للست في إحدى الحفلات. إذعان بوحي الحب وعظَمَته. بدا مسحوراً، يستمع إلى كل كلمة وكل زفرة عشق. مؤخراً، أعدت النظر في الصورة العظيمة، وشعرت بأنها لا يمكن أن تخرج عن كلمات رامي في أغنية "قلبك غدر بي"، والتي غنتها الست بكل قوة على المسرح أمام رامي: "صابر ومين حَب يصبُر ومين رعا الود صانه.. يا ربي قلب اللي يغدر ما يشوفش راحة بزمانه". الصورة خير من أي كلمة. لكن كلمات المسحور تتفتح معها النقاط العمياء في الصورة، وفي الروح يا كاميليا.

كان مشهد مناجاة "فاطمة" في فيلم "الكيت كات"، لسيدها المغربي، وهي تطالبه بأن يجعل "يوسف" ينظر إليها فقط، هو أبرع مشاهد الفيلم. ربما كانت فاطمة الشخصية الأهم في الفيلم، كما حدثتني صديقتي سحر يا كاميليا. فاطمة ناجت المغربي ليتعلق بها يوسف، من دون أن يتكبر على ضعفها في حبه. للحبيب كرامة لا تستباح بالضعف الإنساني، إن توافرت الغواية. لذلك فهي طلبت منه أن يجعله ينظر إليها فقط، وهى كفيلة ببقية تعاليم الغواية لتعلمه العشق والولع بامرأة. ما أجمل الرجل الذي يعشق إمرأة ويغويها يا كاميليا.

الجميل في الأمر أني إستطعت، منذ فترة، التفرقة بين عبد المطلب وعبد الحليم، بين "فاطمة" وبين "روايح". تغير مفهومي لمساحات الروح والغواية والولع، وللتجارب العابرة. لا أستطيع تبرئة نفسي من حب التجارب العابرة. لكني لا أستطيع أن أفصل خيالي عن المساحات المذكورة. للخيال المريض، الذي يخالف معطيات الواقع، مكانة في قلبي، كمكانة الشهوات، والإكتشاف شهوة. لماذا لا يمتلك الكثيرون شجاعة التعبير عن حبهم للشهوات يا كاميليا؟ لا أستطيع النظر للأشياء كقوالب ثابتة مجردة، فالأشياء مترابط بعضها ببعض. تلك الدوائر التي تبدأ من إفاقتي لإستطراد ما لم أنهِه أمس، لأصنع شيئاً جديداً، أستطرده في الغد. تلك المساحة التي زُجّ بي فيها، لا أود الخروج منها، لا وقت للهروب من التجارب يا كاميليا، لا وقت للحسابات المعقدة التي تفقدنا حماس التجربة.

أشعر، منذ فترة، بأني ألاحق ضياع الوقت، بلا سبب. لا أحاول، على وجه الدقة، الربط بين كل ما ذكرته وحالة الفشل، بقدر ما أستطيع الربط بين كل ما فات، بما يمثله منتخب هولندا لعشاق الكرة يا كاميليا. دائماً هناك علاقة خفية بين المنتخب البرتقالي وبين أمثالنا، من المتعثرين في إبداعهم، من محققي المجد، دون النصر. قد لا أشجع هولندا، لكني من الصعب أن أشجع أي كرة تُقدّم أمامها. للجمال وطأة وجلال يا كاميليا، ربما طاولني الفشل واعترفت به واجتزتُه منذ زمن. لكني لا أنكر على نفسي مساحات الجمال التي طاولتني بعده، ومقاومتي الدائمة بالتجربة، ولو كنت قيد تجارب أخرى. لا وقت للفرار من تجربة، ولا قدسية في تحدي غوايتها، ولا فائدة لنجاح يحرمنا من إكتشاف مساحات جديدة في أرواحنا، نتسامح فيها مع أخطائنا، ونستعين بها على ثقلنا. فإن طاولنا الفشل مجدداً، فنحن أكثر حرية من ذي قبل.. وإن طاولنا الجمال، فنحن أحياء وفق أبجديتنا.

increase حجم الخط decrease