الأحد 2014/07/27

آخر تحديث: 16:44 (بيروت)

عزيزتي كاميليا.. يرحم اللي خلونا نحبوها

الأحد 2014/07/27
عزيزتي كاميليا.. يرحم اللي خلونا نحبوها
فرحة عبد الله الصاوي، عامل غرف الملابس بالزمالك، بعد هدف الفوز بكأس مصر
increase حجم الخط decrease

كانت المرة الأولى في بيت جدي بحى العباسية بالقاهرة، عندما قفز بي أبي للأعلى، لفرحته، مرات عدة، بعدما كان قد توقف عن اللهو معى بمثل تلك الصورة. سعادة بهدف أحمد الكأس، نجم نادي الزمالك حينذاك. كانت بداية معرفتي بشخصية ما في أبي لا أراها بقية الأيام. عندما عُدت للمنزل، أخبرت أمي بأني شاهدت أبي يسبّ كثيراً ويقفز للأعلى ولا يستطيع السيطرة على نفسه، فأجابتني أمي، بأن أبي يشجع الزمالك!

كان المرور طفلاً إلى إستاد القاهرة برفقة أبي، تجربة مثيرة، من أهم تجارب الطفولة يا كاميليا. كانت المرة الأولى التي أِشاهد فيها أبي يقف في طابور. مباراة الأهلي والزمالك. كان المشهد بديعاً. الآلاف من البشر يرتدون الأبيض، في مواجهة الآلاف مثلهم يرتدون الأحمر. الشباب غالبية الحضور، إلى جانب عدد كبير من الآباء الجدد وكبار السن. أول ما إستحوذ على إنتباهي حينها، كثرة السباب. كان الجميع يشتم وهو سعيد. لم يستغرب أحد الشتائم كما كان يحدث في الشارع حينها. الآلاف يشتمون في صوت واحد، الآلاف يقفزون. كان مشهداً بديعاً لأني لم أره من قبل. الحماسة تدب في نفوس الجميع، مع كل هجمة للفريق الأبيض، والأنفاس تنحبس مع كل هجمة للفريق الأحمر. لحظات قليلة تتوقف فيها الأنفاس، إما بإنطلاق الصياح من جديد مع إستبسال حارس المرمى ودفاع الفريق، أو بالصمت في حال فشل الإنقاذ. راق لي أن أبي تركني أسبّ مثله ومثل البقية. نظرت له بعدها، فإبتسم لي إبتسامة تشير لإدراكه بأني لن أسمح بمرور التجربة من دون المشاركة فيها، فإبتسمت له بسعادة، ثم بدأ كل شيء.

كانت الأنباء تشير إلى عدم جهوزية مدحت عبد الهادي، قلب دفاع الزمالك، لمواجهة "الترجي" التونسي، المرتقبة في مطلع الألفية الأخيرة. شارك عبد الهادي، رغم خلع كتفه، وهو ما نال إستحسان وسعادة جماهير "الزمالك" حينها. كنت أِشعر بخطورة ما يحدث على مدحت، وعرفت حينها معنى الإستبسال في عشق اللاعب لناديه. إنتهت المباراة يومها بهدف وحيد، لقلب الدفاع المصاب، عندما مرر حازم إمام، نجم الزمالك، الخطأ المحسوب على دفاع "الترجي" لينقض مدحت عليه بقوة وبلا خوف من إصابته ليحرز الهدف التاريخي، ثم يتوجه مدحت إلينا في المدرجات خالعاً فانلة الزمالك ليظهر أمام الجميع عدم جهوزيته للقاء بوضع الملصقات الطبية على ظهره وكتفه. كان مشهداً عظيماً، ودب الحماس في نفوس الجميع. كانت مواجهة صعبة، تحتاج إلى أبناء النادي كما أخبرني أبي قبل المباراة. علمت حينها بأن لأبناء النادي قدرات خاصة لا تتعلق بالموهبة ولا بالجهوزية، لكن بإيمانهم بفريقهم وبأنفسهم والقدرة على صناعة الفارق.

تكرر المشهد مرة أخرى مع اللاعب نفسه، في المباراة التالية لمباراة الهزيمة الكبيرة من "الأهلي" منافس "الزمالك" حينها، بستة أهداف. كانت الهزيمة نكراء، ومفاجئة، عاشت جماهير الزمالك موقفاً صعباً أوضح بعد ذلك مدى تمسكها بناديها. كانت المباراة التالية مهمة وصعبة. الهزيمة ما زالت في الأذهان، وجماهير "الأهلي" تبشر بهزيمة أخرى، وجماهير "الزمالك" تأمل بالفوز لإستعاد الثقة بالفريق، ومن ثم إستكمال سنوات البطولات والإنجازات. الأجواء مشحونة للغاية، جماهير الزمالك تخشى تكرار ما حدث وأن تكون الهزيمة قد تسربت إلى نفوس اللعيبة. الجميع يتحدث عن أهمية الهدف الأول للزمالك، ليستطيع الوقوف طوال المباراة غير متأثر بأي شيء خارجها. وفي هجمة عنترية بعد إستخلاصه الكرة، يقود مدحت عبد الهادي الكرة، ليعبر بها من الدفاع إلى منتصف الملعب، ليمر بقوته من أكثر من لاعب، ويوجه نفسه نحو المرمي ويسددها من مسافة بعيدة لتمر الكرة إلى شباك عصام الحضري حارس الأهلي، فينقلب الملعب والمباراة، ويجري مدحت خالعاً فانلة الزمالك مرة أخرى، متجهاً نحونا في المدرجات، لتخرج كل طاقات الشحن النفسي التي بداخله في إحتفاله الصارم بالهدف. كان الأمر كبيراً، هزيمة نكراء وحاجة الفريق إلى هدف. كان الأمر يحتاج لاعباً إستثنائياً يشعر بالمرار والرغبة في الرد، بعقلية مشجع متعصب للزمالك. أصبح مدحت عبد الهادي منذ ذلك الحين، رمزاً من رموز الزمالك بالنسبة إلي، مثله مثل حازم إمام ومحمد صبري.

لرموز الزمالك ميزة مختلفة يا كاميليا. هم مثل مشجعيهم. ليسوا لعيبة يخشون الرأى العام أو تعليقات المنافسين. كانوا يعيشون حياتهم من دون الإهتمام بما يجب فعله نظراً إلى أنهم نجوم النادي الأبيض.

الزمالك يفرط في درع الدوري ويتلقى هزيمة من الأهلى وسموحة في الدورة الرباعية لختام مسابقات الدوري المصري 2014. في الوقت ذاته، يمر إلى نهائي كأس مصر، ليلاقي سموحة الذي حقق الفوز على حساب الأهلي بعدما إقتنص الأخير الدوري منه بفارق هدف. الجميع يتحدث عن هزيمة كبيرة قد يتعرض لها الزمالك من سموحة، إنتهاء تجربة ميدو والإعتماد على أبناء النادي كانت في الأذهان قبل المباراة، بعد إستبعاد المتخاذلين، الذين أشبعوا جماهير الزمالك هزيمة، ليقدم ميدو مباراة رائعة يستطيع فيها الزمالك تقديم مباراة تكتيكية لم يقدمها منذ زمن طويل، ليسيطر على مفاتيح لعب فريق سموحة، ليتمكن كابتن نادي الزمالك الشاب حازم إمام من إحراز هدف الفوز. شيء كبير لجماهير الزمالك أن ينتهي الموسم المصري بتلك المباراة وأن تنتهي في تلك الظروف، لينقلب الملعب مرة أخرى، ليحتفل الجميع، ليخرج مشجع الدرجة الثالثة المسكون في مدرب الزمالك مدحت عبد الهادي، بعد 12 عاماً من الصمت، منذ آخر مرة إنطلق فيها للعنان، ليجري من دكة البدلاء للملعب بجوار عبد الحليم على هداف الزمالك التاريخي، ليقفز مدحت للأعلى وللأمام ولليمين ولليسار بفرحة كبيرة لمشجع شاب. أتذكرها جيداً، عندما قام بها أبي في العباسية. مدحت لم يذهب للجماهير لإختفائها، ومرت الأيام، وصار اللعّيب مشجعاً، كانت الفرحة الأجمل في الملعب لعبدالله الصاوي، عامل غرف الملابس في نادي الزمالك، الذي ظهر في إحدى الصور متشنجاً مشجعاً نفسه بعد هدف الفوز. ظهرت الصورة وكأن الهدف إنتصار شخصي له بجانب فرحته بالهدف وفوز الزمالك.

تلك هى المسألة يا كاميليا، فإنتصارات الزمالك هى مسألة شخصية من المقام الأول، لذلك كانت والدة شهاب، شهيد جماهير الزمالك في معركة محمد محمود 2011، هى التي تحمل الكأس في أوتوبيس اللعيبة الذي توقف أمام بوابة النادي، المعلق أمامها صورة شهيد الزمالك، عمرو حسين، لتسعد وجوه ذاقت المرار طويلاً في كل الإتجاهات.. يرحم اللي خلونا نحبوها يا كاميليا.

increase حجم الخط decrease