الأربعاء 2013/03/13

آخر تحديث: 00:40 (بيروت)

ليبيا بلا صُحُفها

الأربعاء 2013/03/13
ليبيا بلا صُحُفها
حراسة أمنية على مدخل قناة "العاصمة" الليبية في طرابلس بعدما اقتحمها مخرّبون (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
أحداث ليبيا اليوم، السياسية والإجتماعية والأمنية، لن تجد لنفسها مكاناً في صفحات غالبية الصحف الليبية. ما حصل الثلاثاء لن يوثق، ولن يحفظ في ظل التزام مجموعة صحف محلية في ليبيا الاحتجاب عن الصدور ، احتجاجاً على اعتداءات تعرض لها صحافيون وإعلاميون في ليبيا، إضافة إلى عمليات خطف وهجمات متكررة على المؤسسات الإعلامية. وأعلن صحافيون هذا الاحتجاج إثر اقتحام مسلحين مجهولين مساء الخميس 7 آذار مقر قناة "العاصمة" في منطقة قرجي في طرابلس العاصمة، وخطف رئيس مجلس الإدارة والمدير العام نبيل الشيباني وعدد من الصحافيين العاملين فيها، ثم إطلاق سراحهم في اليوم التالي. 

وكانت وكالة الأنباء الليبية "لنا" ذكرت إن "مطابع هيئة دعم وتشجيع الصحافة توقفت عن العمل، التزاماً بقرار الإحتجاب، الذي يعدّ الأول الذي ينفذه الصحافيون والعاملون بالمطابع، تعبيراً عن رفضهم القاطع لكل أشكال الإرهاب الفكري الممنهج ضد حرية الصحافة والتعبير وتكميم الأفواه باستعمال القوة".
 
وحالة الاعتداء على الصحافيين هذه لم تكن الأولى من نوعها في ليبيا بعد الثورة التي أسقطت نظام العقيد معمر القذافي. فقد تكررت مع العديد من الصحافيين الذين، بحسب صحف ليبية، اختفى بعضهم ولا يزال مصيرهم مجهولاً، في حين يعلّل البعض الخطف بأن هؤلاء الإعلاميين كانوا محسوبين على النظام السابق.
 
وسط هذه المعمعة الأمنية، تشوب المشهد الإعلامي الليبي فوضى عارمة، سببها "انفجار" ظاهرة الصحف الجديدة والوسائل الإعلامية متعددة المشارب السياسية بعد الثورة، حتى صار يصعب على الناس تمييز الخبر الصحيح من الخاطئ. هي فوضى يسعى أول وزير ليبي للإعلام بعدَ الثورة، يوسف الشريف، إلى تنظيمها، وهو الذي أكّد فور تسلّمه لمنصبه أنّ وزارته لن تكون سيفاً مسلّطاً على حرية التعبير، بل "محاولة لتنظيم العشوائية والارتباك الذي يعيشه قطاع الإعلام حالياً".
 
منذ اندلاع انتفاضة 17 شباط 2011، سرعان ما توالدت وسائل الإعلام "الثورية". ففي بنغازي، غداة تحرير المدينة من لجان القذافي الثورية وكتائبه، بدأت وسائل الإعلام التحريض على إسقاط القذافي وأنقلبت الصحف والاذاعات فوراً على النظام، وانحازت غالبية الصحافيين والاعلاميين لإرادة الشعب في التغيير. كذلك في مصراتة، وعقب أيام من بدء الثورة، أسست مجموعة من الشباب "راديو مصراتة الحرة" وأصدرت جريدة "ليبيا الحرة" التي واكبت أوضاع الجبهة في حرب التحرير ضد كتائب القذافي. في تلكَ الفترة، ظهر العديد من الصحف في بنغازي، وكانَ معظمها "بروباغاندا" لنصرة الثوّار، كما ظهر كتّاب تحمسوا لمواكبة الثورة بكتاباتهم الصحافية وللتعبير عن غضبهم الذي كبته النظام طوال عقود أربعة وكبّل حرياتهم. كما عاد إلى ليبيا آنذاك العديد من الإعلاميين المعارضين المنفيين، لينضموا إلى الصحف والدوريات الجديدة، وليؤسس بعضهم صحفاً. وفي آذار 2011، تأسست قناة "ليبيا الأحرار"، وهي القناة الليبية الأولى المناصرة للثورة، وتبثّ من الدوحة، فلاقت (ولا تزال) متابعة كبيرة في ليبيا، كونها كانت المصدر التلفزيوني الوحيد لأحداث الثورة، في حين انبرى التلفزيون الليبي الرسمي بالطبع، ليس للدفاع عن حكم معمر القذافي فحسب، بل لترهيب الناس وتخويفهم من مغبة المشاركة في العصيان.
كما ظهرت حينئذ أيضاً قناة "ليبيا الحرّة" على الإنترنت، وأسسها الاعلامي الشهيد محمد نبّوس، الشاب الذي اشتهر بمتابعته الحصرية والمباشرة لأخبار الجبهة في الشرق الليبي، والذي اغتيل في 19 آذار 2011 من قبل قنّاصة تابعين لكتائب النظام السابق، وذلكَ قبيل ساعات من تدخّل القوّات الفرنسية في صدّ الرتل الذي أرسله القذافي لتدمير مدينة بنغازي.
ظهرت أيضاً قنوات تلفزيونية أخرى إبان الثورة، منها قناة "العاصمة" التي بثّت برامجها من "تونس العاصمة"، وقناة "ليبيا أولاً"، و"ليبيا تي في" اللتان تبثّان من القاهرة. وكانَ اتجاه كلّ هذهِ القنوات والاذاعات، مناهضة النظام السابق ورصد تحركات الثوّار في الجبهة من دونَ أيّ توجّهات أيديولوجية أو فكرية بمعنى الأجندة الواضحة.
وبعدَ تحرير طرابلس، انتشرت وسائل الاعلام في ليبيا، المقروءة والمرئية والمسموعة. ظهرت نحو مئتي مطبوعة، بين يومية وأسبوعية، ثم اندثر معظمها مع الوقت، وبقي القليل المستمر في الصدور والبث. تُطبع الصحف بدعم من "هيئة تشجيع الصحافة" الحكومية، واستمرت قنوات تلفزيونية يموّل بعضها رجال أعمال ليبيون مقيمون في الخارج، وإذاعات تبثّ برامج قليلة وتعتمد على بثّ الموسيقى الليبية.
ويركّز الاعلام الليبي في مجمل قضاياه على أخبار الساعة وما يحدث على أرض الواقع في ليبيا من انتشار الميليشيات وقضايا جمع السلاح ومشاكل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) وإشكاليات كتابة الدستور. كما تعرض قنوات تلفزيونية، مثل "ليبيا الأحرار"، تقارير حولَ مشاكل النازحين من المدن التي كانت مؤيدة للنظام المخلوع وشارك أبناؤها في القتال في صفوفه، وبالتالي جعلتها هذهِ التقارير إحدى أكثر القنوات متابعة لدى الليبيين سواء داخل البلاد أو خارجها. كما باتت قنوات أخرى، مثل "ليبيا أولاً"، بالترويج لأجندة أصحابها، كدعمها للنظام الفيدرالي في ليبيا والترويج له.
وفي ظلّ انتشار واضح للميليشيات في ليبيا، والتي تستمدُ شرعيتها من تأسيسها وقتَ الثورة، تعرّض العديد من الصحافيين لحملات اعتقال وخطف عشوائي، إلاّ أنّ تحرّك الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلاميين من منابرهم، يضغط على الحكومة وأعضاء البرلمان للتدخل وإطلاق الصحافيين، كما حدث في قضية الاعلامي الشهير سليمان دوغة، صاحب قناة "ليبيا تي في" والذي اختطف أواخر حزيران 2012 من قبل ميليشيا من مدينة مصراتة بعدَ تصريحات أطلقها حول الميليشيات المسلّحة. والحراك الشعبي، والذي ضم حتى خصومه الإعلاميين، عبر المواقع الاجتماعية، والضغط الذي فرضه بعض القنوات التلفزيونية والمواقع الاخبارية على الميليشيا، أدّى إلى إطلاق سراح دوغة في اليوم ذاته. وإذ قيل إن شهرة دوغة ساهمت في تحريره، فإن كثيرين ممن لا يحظون بالشهرة ما زالوا تحتَ رحمة الميليشيات بسبب آرائهم.
إلاّ أنّ غالبية الصحافيين والإعلاميين في ليبيا يتفقون على أنّ هامش الحرية الذي يمتلكونه اليوم، أكبر بكثير مما كان متاحاً في ظل النظام السابق. لذا، فالطريق إلى حرية الرأي ما زالت في أولها، وسعي الإعلاميين الليبيين إلى تنظيم أنفسهم في جسم تعاضدي مدني ومهني هو أول الغيث. 
 
increase حجم الخط decrease