السبت 2013/06/01

آخر تحديث: 01:27 (بيروت)

آزاتسي: رواية الثمانينيات في ليبيا وجيل من المحطّمين

السبت 2013/06/01
increase حجم الخط decrease
 تحمل رواية "آزاتسي" للكاتب والصحافي "مجاهد البوسيفي"، تاريخاً مفصلاً لمرحلة مهمة من تاريخ ليبيا المعاصر، ألا وهي مرحلة الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن المنصرم. وقد اعتمد الكاتب في روايته على أسلوب المباشرة في السرد وتحطيم معظم إشكاليات اللغة الشعرية، ليرتكز جهده في الكتابة على تزامن الأحداث واسترسال النص. إنه عمل سردي يشرح الكاتب فيه عمق"الكوميديا الليبية" في مرحلة مجهولة، من دون أن يغفل عنصر التشويق في رسم أحداث الرواية وتطور فصولها.
 
تدور رواية "آزاتسي" بين واقعين متناقضين. واقع إقامة الراوي في مركز اللجوء بمدينة لايدن الهولندية وتوقه للحصول على اللجوء السياسي، وواقع آخر تدور أحداثه في ليبيا، عندما كان يعيش هناك على أمل حدوث تغيير ما، في بلد بات يغوص في سورياليته. مركز اللجوء في الرواية هو واقع اللحظة الراهنة للراوي. تلك اللحظة المليئة بالآمال والحلم واكتشاف معالم العالم  الجديد الذي يستقبله، بينما ليبيا، فتشكل المرحلة الرمادية والداكنة، المحشوة بالخوف والهلع والارتقاب والكساد الاقتصادي. وبذلك تنقسم الشخصيات في الرواية إلى نصفين، هناك الشخصيات الرئيسية في الفصول التي تدور أحداثها في الملجأ، ومعظمهم بالطبع شيوعيون ويساريون من دول عربية وإسلامية، وشخصيات ليبية من شعراء وصحافيين في الفصول التي يتحدث فيها الراوي عن حياته في بلده. 
الرواية تكاد تكون "سيرة ذاتية" للروائي. بإمكاننا التعرّف عبر الشخصيات التي يسردها، على كتاب وشعراء جيل الثمانينيات، أولئك الذين استطاعوا النجاة من السجن والإعدامات، فباتوا يعيشون المرحلة الحرجة معبرين عن غضبهم من الواقع بالكتابة عن فلسفة وأخبار تنتمي إلى دول بعيدة ليسقطوها على واقعهم المعاش. هنا سنجد العديد من المغامرات الليلية لهؤلاء الشعراء العبثيين ونقاشاتهم السياسية الحادة بصوت منخفض وهامس. يتخذون من إحدى الورش مكانًا لتناول المشروبات الكحولية وفتح النقاشات، والتي على أساسها يأخذنا الراوي إلى تفاصيل التغيرات التي حدثت في ليبيا منذ استيلاء نظام القذافي على السلطة.
 
الراوي "سالم"، شاب ليبي بدوي جاء برفقة أهله إلى طرابلس أوائل الثمانينيات للإقامة فيها. وقتها، كانت طرابلس تعج بالناس والثقافات. لكن النظام العسكري الجديد قد بدأ يتغلغل في مؤسسات الدولة، محاولاً التسرب داخل المجتمع وتفكيكه ومن ثم الاستحواذ عليه. يقول الراوي في أولى صفحات الرواية واصفاً قدومه إلى طرابلس: "عندما جئت من القرية إلى طرابلس كان البدوي يدخل العاصمة كميلاد جديد له، متكيفاً مع قانونها ومحتملاً سخريتها اللاذعة وتشابه بنيانها وملابسها الضيقة التي تحد من حركة الجسم ولكنة أهلها السريعة الشبيهة بلكنة الطليان". ومن ثم يبدأ الراوي بوصف طرابلس في الخمسينيات وتحولاتها منذ الاستقلال وحتى قدوم حكم العسكر.
 
ينكبّ الكاتب طيلة صفحات الرواية على عنصر التشويق وتسلسل الأحداث، في سعي  لجعل الرواية أشبه بشهادة معاصر لتلك الفترة من التاريخ الليبي المليء بالتحولات. يقوم الراوي مثلاً بسرد مفصل لعملية "تدمير العقل الليبي"، عبر فصل طويل بعنوان "خطة الإخفاء"، وذلك بأسلوب ساخر يصف فرض النظام لقبضته على عقول الناس. هذا الفصل ينطلق من شائعة سربها النظام حول وجود كوماندوز إسرائيلي في البلاد لتدميرها والعبث فيها، بدءاً بعمليات قتل وتصفيات لأناس عاديين، مما أدى الى بقاء المواطنين في بيوتهم معظم الوقت. ثم شائعة أخرى مفادها قيام فرقة الكوماندوز بخطف النساء في البلاد، مما أدّى إلى اختفاء النساء من الأماكن العامة. مروراً بشائعة أخرى تتحدث عن استخدام الكوماندوز لوسائل النقل العامة في تجوالهم عبر البلاد، وبذلك تم إغلاق شركات النقل العامة وظهور وسائل النقل الخاصة. و تستمر الشائعات بالظهور، لتتغير بها ملامح البلاد بشكل سوريالي. حتى وصل الأمر بالبعض إلى تربية الحيوانات والدواجن في شرفات شققه وسط البلد استجابة لإشاعة عن نية فرقة الكوماندوز تسميم المنتجات المحلية. 
 
كما تعتمد الرواية على ذكر العديد من التفاصيل والأحداث التي جرت في الثمانينيات. في أحد الفصول، يتحدث الراوي عن ثقافة "موسيقى الريغي" التي انتشرت في ليبيا وقتذاك. فيصف البوسيفي يوم وفاة "بوب مارلي" والصدمة التي أحدثتها الحادثة لدى كل محبيه، لدرجة أن عشرات الشباب قاموا وقتها بتحضير نعش له في مسجد "جمال عبد الناصر"، أحد أكبر جوامع العاصمة الليبية والصلاة عليه صلاة الغائب وخروجهم حاملين النعش على أكتافهم يردّدون الصلوات والأدعية، واصطدامهم برجال الأمن وأعضاء "اللجان الثورية" وحدوث شغب كبير في وسط البلاد.
 
يختم الراوي حكايته في نوفمبر ١٩٩٧، عندما حصل على حق اللجوء السياسي في هولندا. وفي الوقت ذاته، تنتهي الأحداث في ليبيا بخروج الراوي من البلاد إلى تونس بعد أن فقد الأمل في أي إمكانية تغيير في هذه البلاد. يخرج سالم من ليبيا وهو ممزق وتائه، وفي الوقت ذاته، يخرج من مركز اللجوء السياسي، محملاً بحب الاكتشاف، ورغبة ملحة في البدء من الصفر، وهكذا كان.
 
-----
 
رواية ازاتسي لـ مجاهد البوسيفي صدرت عن دار ضفاف ودار الفرجاني ٢٠١٣.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب