الأحد 2017/01/08

آخر تحديث: 15:13 (بيروت)

هل بدأ انحطاط "ليبان بوست"؟

الأحد 2017/01/08
هل بدأ انحطاط "ليبان بوست"؟
increase حجم الخط decrease
كان عليّ استصدار "إخراج قيد" لإنجاز معاملة رسمية. أذهب جاهزاً إلى خدمة البريد، واثقاً ومطمئناً. فـ"ليبان بوست" (البريد اللبناني) كما اختبرته في سنوات سابقة، فعّال ومنظم ودقيق. مكاتب الشركة تشبه البنوك بنظافتها وهدوء موظفيها وسلاسة معاملاتها وترتيبها. فهي كانت مثالاً على نجاح "خصخصة" الخدمات العامة وتطورها في العقدين الأخيرين.
كل شيء يتم على ما يرام، هنا في فرع "فرن الشباك". ولا حتى طابور انتظار: "سيصل إخراج القيد متأخراً أياماً عدة بسبب عطل الأعياد"، تقول الموظفة، استباقاً لأي شكوك قد تراودني، أو تأكيداً منها أن "التأخير" المفترض خارج عن إرادة الشركة وفعاليتها المعتادة.

بعد انتهاء العطلة، يرن هاتفي: "حضرتك يوسف؟ إخراج القيد وصل إلى المكتب يمكنك أن تأتي وتأخذه". أشكره فعلاً، مضيفاً: "يعطيك العافية". لكن ما أن أقفل الخط حتى انتبه: أليس من المفترض أن يأتي بريدي إلى عنواني؟ أليس من واجب ساعي البريد هذا أن يأتي إلى منزلي، كما حدث مرات عدة؟ 

أشعر أن ساعي البريد استهبلني. أو أنه قرر ألّا يقوم بواجبه، ربما بسبب البرد والمطر، أو أنه مازال في أجواء العطلة والكسل. أستدرك: لكن منزلي يبعد عن مقر فرع "فرن الشباك" فقط حوالى 400 متر. ثلاث دقائق مشياً وأقل من دقيقة على الدراجة النارية. وكلفة البريد غير الرخيصة تشمل بلا شك خدمة التوصيل.

ولأني مستعجل للحصول على "إخراج القيد"، أتطوع فوراً وأذهب إلى مكتب الفرع. الموظفة الهادئة نفسها. أناقة المكان التي توحي بحسن التدبير نفسها. وإذ تسلمني المغلف، أسألها عن كيفية الشكوى من سلوك ساعي البريد، ترد قائلة: "لا علاقة لنا هنا على الكونتوار بسعاة البريد ولسنا نحن من يستقبل الشكاوى، اتصل على الرقم 1577".
 
عند هذا الحد، انتهى الموضوع، ورميت الشكوى في النسيان. مجرد حادثة تافهة.
بعد مرور خمسة أيام، يتصل ساعي البريد في الصباح مجدداً: "حضرتك يوسف... وصلك بريد مضمون من ألمانيا. أنت عنوانك كذا وكذا، لكن بنايتك أين بالضبط؟" أجيبه بالتفصيل دالاً إياه على بنايتي: مقابل كذا، بجانب كذا. وأضيف: العنوان مسجل عندكم ومعروف لديكم، وأتيتم ببريدي أكثر من مرة. يرد: "خلص مشي الحال". أوضح له: "سنكون في المنزل اليوم. إن خرجت أنا ستكون زوجتي حاضرة، أو إبني". 

مر اليوم وانتهى ولم يأتِ البريد ولا ساعيه. فأنهض في الصباح التالي متوجهاً إلى مكتب "ليبان بوست"، استفسر عن مكان تواجد السعاة. أدخل إلى غرفة واسعة خلفية. أشرح للمسؤول ما حصل معي في المرتين. وعلى الفور يقاطعني: "مسائل إخراج القيد وما شابه لا دخل لنا فيها". لم أفهم عبارته. هل هناك أكثر من جهة بريدية؟ هل ثمة "جهاز" خاص بالأوراق الرسمية؟ لست أدري. ينهي هذا المسؤول عبارته ويتصل بأحدهم: يا فلان، بريد يوسف بزي الوارد من ألمانيا...إلخ.

يقفل السماعة ويصوب كلامه إليّ بشيء من الاستهتار: حبيبي، هو ما قال إنو رح يجي لعندك مبارح. هو بس استفسر عن العنوان وطلع من صلاحية موزع ثاني. أوضح له أن صاحبه كاذب لأني أكدت له أننا سنكون طوال النهار في المنزل بانتظاره وهو لم يبلغني أن لا داعي للانتظار في هذا اليوم.

هنا خلط المسؤول بانفعال بين الواقعتين الأولى والثانية. أقاطعه: خلليني فسّرلك.. أنت عم بتلخبط بين القصتين. فأكمل: لا تفسر ولا شي. أنت تريد الشكوى؟ اتصل بالرقم 1577. هكذا، أفهمني أني مطرود وعليّ السكوت والانسحاب.

حدث هذا صباح الأربعاء 4 كانون الثاني 2017، و"البريد المضمون" الذي استلمه مكتب "فرن الشباك" منذ يومين لم يصلني بعد.

هكذا قررت على الفور أن أتصل بالرقم الخاص بالشكاوى. ويا لغبائي. حاولت ست مرات (صبحاً وظهراً وعصراً) والإجابة الصوتية المسجلة إياها: عذراً.. جميع الخطوط مشغولة.

وحتى في صباح اليوم التالي، أتصل ثلاث مرات في أوقات متباعدة، والإجابة ذاتها. أفكر متفائلاً بالإنترنت. أفتح الكمبيوتر باحثاً عن موقع "ليبان بوست". أفتش الموقع بحثاً عن خانة الشكاوى، ومجدداً: إتصل على الرقم 1577. إذاً، طريق الشكوى مسدود.  

أثناء كتابة المقالة، يرن هاتفي: "حضرتك يوسف.. معك ليبان بوست، وين هي بنايتك؟". أمسك بأعصابي وأشرح ببطء شديد، كازّاً على أسناني، موقع منزلي. بعد ساعة، أخيراً يرن "أنترفون" البناية. أستلم المغلف. أفتحه: كتاب.

عسى أن لا يكون كتاباً رديئاً بمثل رداءة "ليبان بوست" وسعاتها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها