الإثنين 2014/01/20

آخر تحديث: 05:15 (بيروت)

الصيّادون يتحرّكون دفاعاً عن الدالية

الإثنين 2014/01/20
الصيّادون يتحرّكون دفاعاً عن الدالية
الدالية: متنفس الفقراء على بحر بيروت (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
وعورة المسلك المؤدي الى المنطقة المعروفة بميناء الدالية، في منطقة الروشة في بيروت، تشير بوضوح الى صعوبة الحياة هناك، وتؤكّد ان سكّان المنطقة ليسوا من أصحاب السيارات الفخمة والشقق السكنية الكبيرة، وليسوا من رواد الملاهي الليلية والمنتجعات السياحية. وإنما عماد حياتهم هو شبكة صيد فوق ظهر قارب صغير، "يسرح" في البحر ويكتشف مراعي الأسماك، ويصطاد ما تيسّر، ليكسر جوع أطفال صغار لا يستطيعون الأكل في مطاعم الوسط التجاري. أمّا وجوه الصيادين، فتشبه حدّ التطابق صخور المنطقة وأعشابها وأمواجها، وتتآلف مع صخرة الروشة التي لم يعرفها أحد في لبنان كما عرفوها هم. لكن هذه الإلفة تهددها مشاريع إستثمارية لا ترى في المجال البحري سوى منفعة خاصة، مسخرة لأصحاب الأموال وعشاق اليخوت والمطاعم الفخمة، ولو كان كل ذلك على حساب من أفنى شبابه في البحث عن مورد رزقٍ، وفي مساعدة الدولة نفسها في عمليات الإنقاذ البحري.
ما تقدّم هو صورة موجزة عن واقع سكان منطقة الدالية، الذين بدأت حكايتهم تخرج الى الرأي العام اللبناني، الصامت والمتغاضي بمعظم فئاته عمّا يحدث في تلك البقعة البيروتية. وفي إقتضاب، تعود جذور هذه القضية الى حوالي العام 1995، حين بدأ رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري بشراء عقارات المنطقة من مالكيها الأصليين، وأبرزهم من عائلات شاتيلا وبيضون، ولاحقاً من عائلات عيتاني ومطر ومعوض والمر، بعد سلسلة بيوعات وسّعت دائرة الملكية. عملية شراء الحريري لتلك العقارات كانت بطريقة غير مباشرة، عبر شركات عقارية، حجبت عن السكان هوية المشتري الأصلي. ولأن الحريري كان صاحب "رؤية إقتصادية ثاقبة"، وجد في الدالية مشروعاً إستثمارياً يحاكي مشروع "سوليدير" في وسط بيروت، ويهدف الى تغيير الملامح الشعبية للمنطقة، وإستبدالها بملامح الثراء والطبقة الإجتماعية العليا.
مرّت القضية بمحطات كثيرة، كانت حدّة الصراع بين المالكين الجدد والصيادين الموجودين في الدالية تخفت ثم تدوي، وآخرها عودة الحدّة الى الواجهة مع إصرار ورثة الرئيس الراحل، وأبرزهم، كما يقول الصيّادون، رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، فهد، نازك وهند الحريري، على إنهاء الملف وإقفال منطقة الدالية وطرد الصيادين ومن يسكنها. على ان يتم تجهيز ميناء يستوعب مراكب الصيادين. غير ان الأعمال في هذا الميناء توقفت لأسباب غير معروفة رسمياً حتى اليوم. 
ما يستغربه سكان الدالية، أكثر من تحويل المسألة الى القضاء والإتجاه نحو طردهم من المنطقة، هو ما حصل صباح يوم الإثنين في قصر العدل، حيث كانت تُعقد الجلسة الثالثة المتعلقة بهذه القضية، برئاسة القاضية زلفى الحسن. إذ ان المدّعى عليهم من صيادين وسكان الدالية، ولدى وصولهم الى محيط قصر العدل، وهم 9 أشخاص، "فوجئوا بعدد كبير من القوى الأمنية، على غير العادة، وكبرت المفاجأة إثر حملة التفتيش الدقيقة التي تعرّضوا لها، وأكثر، حين تشاركوا قاعة المحكمة مع حوالي 10 عناصر من فرقة الفهود، بكامل عتادها وسلاحها المجهّز لمكافحة الشغب"، بحسب ما تؤكده إحدى السيدات من سكان الدالية، عايدا صالح، لـ "المدن". وتضيف صالح، "عندما سأل المحامي القاضية الحسن عن سبب وجود هذه القوى الأمنية بهذا الشكل في قاعة المحكمة، وإشارته إلى أن ما يجري هو سابقة تحصل لأول مرة، أجابت الحسن بإرتباك، ان "المدعي العام التمييزي أمر بوجود القوى الأمنية".
من جهته، يعتبر أحد صيادي الدالية، عامر محفوظ، ان "ما حصل في قصر العدل هو إستفزاز لأهالي الدالية وصياديها"، متسائلاً، "هل نحن في محكمة جنايات حتى يتواجد كل هذا العدد من فرقة مكافحة الشغب؟ هل نحن مجرمون؟ المجرم إذا حضر الى قاعة المحكمة يحضر برفقة عنصر أمني أو اثنين، لماذا يواجهون مواطنين عزّل بهذه الكمية من القوى الأمنية وبهذا الشكل من التفتيش والتدقيق؟". ويتابع محفوظ، "قضية الدالية هي قضية رأي عام، وان الصيادين ورواد وأهالي المنطقة لن يسمحوا بتحويل الدالية الى سوليدير جديدة، يمنع على الفقراء إرتيادها، ويُسألون عن غرضهم في حال تواجدوا في المكان، ويتم إستدعاء الشرطة لهم. فيما لا يُسأل المتمولون عن أي شيء، فقط لأنهم يقصدون الذهب والألماس والمطاعم".
إختصار المعاناة، يملكها صاحب الـ 57 عاماً، الصياد محمد عيتاني، حيث تسبق دموعه كلامه، برغم محاولة خنق الغصّة والتظاهر بالقوة أثناء الكلام. يشرح عيتاني لـ"المدن" كيف ان "جميع الضباط والمنقذين البحريين والمسؤوليين السياسيين يعرفون الصيادين وأهل الدالية، ويعرفون ما يقدّمونه من مساعدة مجانية للدولة، خصوصاً في عمليات الإنقاذ البحري. حيث يسأل الضباط أهل الدالية وصياديها عن البحر وعن التعليمات المفترض إتباعها في عمليات الإنقاذ".
الغصة التي تخنق حديث عيتاني، سرعان ما تتفجّر عبارات ترفض الأمر الواقع الذي يحاول النافذون فرضه على الصيادين والفقراء، "فأهل الدالية لا يملكون سوى قواربهم التي يصطادون عبرها بضعة كيلو غرامات من السمك، يبيعونها ليعيشوا". ترتفع نبرة الرجل الذي يغطّي الشيب شعر رأسه ولحيته الطويلة، ويصرخ، "ماذا يريد المسؤولون منّا؟ ان نسرق لنعيش؟ هل نقتل، هل نفجّر عبوات، هل ننتمي للميليشيات؟... دعونا نعيش بفخر كصيادي أسماك، ولا تدفعونا الى ما هو أسوأ، لم يعد لدينا ما نخسره، سنحسب اننا متنا في تفجير سيارة مفخخة، وانتهت الحكاية. لكننا نحمّل المسؤولية الى كل السياسيين، من رئيس الجمهورية الى وزير الداخلية وكل المعنيين".
الى ذلك، يجمع صيادو وسكان الدالية على ان القضية برمّتها مسيّسة، ويدعون القاضية الحسن الى التخلي عنها. هذا فضلاً عن المطالبة بتحويل القضية الى المحكمة العادية بدل محكمة الأمور المستعجلة، علّهم "يكسبون الوقت عبر إطالة زمن المحاكمات، وهو الأمر المعروف في المحاكم العادية". والى حين إنتهاء القضية، "سيستمر سكان الدالية برفع مطالبهم، ورفض التخلي عن حقوقهم، وسينفذون  لثلاثاء، عند الساعة الثانية من بعد الظهر، إعتصاماً يقطعون خلاله الطريق العام".
 
increase حجم الخط decrease