الجمعة 2015/07/24

آخر تحديث: 13:12 (بيروت)

"فيدرالية" النفايات... طريق للإستثمار في ردم البحر

الجمعة 2015/07/24
"فيدرالية" النفايات... طريق للإستثمار في ردم البحر
إزالة جبل النفايات في صيدا كان على حساب البحر (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تكدّس النفايات في شوارع بيروت وضواحيها يتكرر للمرة الثانية، بعد ان تكدست العام الماضي مع تصاعد حملة إقفال مطمر الناعمة، وتوقف شركة سوكلين عن رفع النفايات. ولعل الأصوات المطالبة بحل أزمة النفايات واقفال المطامر المنتشرة في كل المناطق اللبنانية محقة، والدولة وحدها من يتحمل مسؤولية إيجاد الحلول، التي تُعد من البديهيات في دول متقدمة، كإعادة التدوير وانتاج الطاقة... وغيرها.

لكن في النموذج اللبناني، يختلف الوضع كثيراً، اذ ترتكز كل الحلول على المحاصصة والإستفادة الخاصة. فمنذ مطلع التسعينيات دأبت الحكومات المتعاقبة على خصخصة كل شيء، حتى النفايات، غير ان هذا القطاع توسّع لدرجة ان المستفيدين لم ينتبهوا (وربما تركوا الأمر للوقت) لإمكانية الإستفادة من فرز المطامر، وتحقيق إستفادة جديدة عبر فدرلة المطامر، على غرار الفدرلة السياسية والجغرافية. فمطمر الناعمة الذي كان مفتوحاً أمام نفايات المناطق الأخرى الواقعة خارج جغرافيته، أثار حفيظة المستفيدين، وانطلقت ورشة الخصخصة والفدرلة باحثة عن آليات لتنفيذ مشروع فدرلة المطامر، وبالتالي تشغيل جملة من الشركات الباحثة عن أرباح جديدة.

وإذا كانت الشركات العقارية قد وجدت في تعهدات البنى التحتية، التي بوشر العمل عليها مع وقف الحرب، بحراً من الذهب، يبحث المتنفذون اليوم عن بحر جديد بين النفايات. فالمطامر المعروفة تتجه نحو الإقفال، وبدأت السلطات المحلية بالبحث عن قطع أرض لتكون حلاً مؤقتاً، يرتكز على جمع النفايات من الشوارع، بإنتظار الكلمة الفصل في حل الملف بشكل عام. وإتساع رقعة المطامر المؤقتة ستؤسس لأزمة جديدة تدفع البلاد بكل من فيها بإتجاه القبول بأسرع حل ممكن، وهو ما بدأ الترويج له، من خلال معالجة كل منطقة لنفاياتها. والمعالجة اللامركزية لن تتم عن طريق خطة مركزية تديرها الدولة، بل خطط تديرها الإدارات المحلية، وفق توجيهات السلطة السياسية والإقتصادية لكل منطقة. وعليه، فإن طواقم عمل ستولد ومعدات ستُشترى، وأيام ستُعد وتُحصى بإسم حل أزمة النفايات، وبذلك، تكون المشكلة قد قُسِّمت على قياس المناطق والنفوذ، كما قُسمت عملية فتح الأوتوسترادات وبناء الجسور، والإستفادة من المرافىء... بدءاً من فترة ما بين 1994 - 1995، وصولاً الى 2015.

كل منطقة تقول إنها قدمت قسطها للعلى في هذا الملف، وتقدم إقتراحاتها للمناطق الأخرى، على ان أغلب الإقتراحات المطروحة، ترجّح ردم مساحات من البحر لتكون مكباً يشيّد فوقه لاحقاً مشروع سياحي، سيُقال انه ذو منفعة عامة للبلاد ولسكان المنطقة. وليست منطقة مكب النورمندي سوى عيّنة لمثل هذه الإقتراحات، ومعها مشروع المرفأ الجديد في صيدا، الذي ترافق مع إزالة جبل النفايات على حساب البحر. وماذا سيحصد ابناء صيدا من هذا المشروع؟، سيحصدون "زيتونة باي" صيداوية.

مشروع ردم البحر تبيّن انه مُربح جداً، من دون تقديم أي كلفة، فالردميات موجودة والشركات حاضرة ولا مانع من خلق شركات جديدة، تلعب لعبة الشروط وفض العروض والتلزيم. وردم البحر والإستفادة من مساحاته، كانت قد بدأت منذ زمن في المناطق التي تشهد نشاطاً سياحياً بحرياً بارزاً، مثل بيروت وصور، نظراً لجغرافية الشاطىء المساعدة لتسهيل الإستثمار، اما في صيدا، فكان الإستثمار أسهل عبر الأوتوسترادين الشرقي والغربي، الى ان حان موعد استثمار البحر، من باب النفايات. ولا يختلف شاطىء خلدة والجية عن هذا السياق، إذ ان محاولات التصويب نحوه بدأت قبل ارتفاع حدّة ازمة النفايات.

إستثمار البر تمّ على أكمل وجه، من العريضة الى الناقورة (عمليات إستغلال الأراضي كانت تتم حتى في ظل الإحتلال الإسرائيلي)، ودخلنا الآن في مرحلة توسيع إستغلال البحر من أقذر أبوابه، أي النفايات. وهذا الإستثمار هو الطريق الوحيد الذي سيُجبر اللبنانيون على القبول به، وإلاّ سيواجهون المزيد من أزمات المطامر البرية، اذ بعد اقفال مطمر الناعمة واخواته، سيصار الى البحث عن أراضٍ جديدة، تتحول الى ناعمة أخرى، وتُجدد الأزمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها