الأربعاء 2017/02/15

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

الدولة تتخلى عن الأملاك البحرية؟

الأربعاء 2017/02/15
الدولة تتخلى عن الأملاك البحرية؟
سياسيون وعائلاتهم ومقربون "يستثمرون" الأملاك البحرية (المدن)
increase حجم الخط decrease
أعاد النائب وليد جنبلاط، عبر تغريدة على "تويتر"، تذكير الطبقة السياسية بمشروع قانون ارتبط باسم النائب الراحل وديع عقل، والمتعلق باستعادة الدولة حقّها في الأملاك البحرية التي يعتدي عليها مستثمرون وعدد من السياسيين، أو مقربين منهم. واللافت أن بعض تلك التعديات مشرّعة من الدولة. أما حجم التعديات على طول الشاطئ اللبناني، فيفوق 4.5 مليون متر مربع.


يقوم مشروع قانون عقل، الذي كان نائباً في كتلة جنبلاط بين العامين 1996 و2000، على تغريم كل من اعتدى على الأملاك البحرية، دون تشريع المخالفات أو تسويتها. على أن تفوق إيرادات الدولة من الغرامات 330 مليار ليرة سنوياً. وهدف عقل في تلك المرحلة كان تحصيل الدولة ايرادات تساعدها على تمويل صندوق المهجرين، بدل استنزاف الخزينة العامة أو استنزاف جيب المواطنين، من خلال فرض ضرائب إضافية.

عقل الذي اقترح في العام 1997، مشروع القانون ذاك، لا يعلم أن الطبقة السياسية تمعن اليوم في احتلال الأملاك البحرية وتشريع مزيد من التعديات، وليس آخرها احتلال منطقة الدالية في الروشة، والسيطرة على مساحات واسعة من منطقة الرملة البيضاء. هذا التشريع الممنهج يهدر المال العام ويمنع الدولة من الاستفادة من أملاكها، ورفد الخزينة بايرادات إضافية هي بأمس الحاجة إليها، ليس فحسب لتمويل صندوق المهجرين الذي تحول هو أيضاً إلى مزراب للهدر والفساد، وإنما لتمويل احتياجات كثيرة، منها سلسلة الرتب والرواتب التي أحيَت المطالبة بإقرارها، ملف انهاء التعديات على الأملاك البحرية، وتغريم المعتدين.

وإذا كان عقل قد شن في الماضي هجوماً على سياسات رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والقائمة على الخصخصة قبل أي حديث عن استعادة الدولة حقوقها، إلا أن الهجوم بات متشعباً ومعقداً أكثر اليوم، مع ارتفاع عدد التعديات وزيادة نفوذ أطراف سياسية لم تكن قادرة على رفع صوتها في زمن الحريري الأب. ومن غطّاهم الحريري الأب خلال حكوماته المتعاقبة، بالإضافة إلى المعتدين الجدد، يحاولون تكراراً قوننة التعديات تحت حجة تأمين تمويل إضافي لتغطية العجز وتمويل السلسلة. ومن بين اقتراحات القوننة، اقتراح قانون لمجلس النواب قدمه النائب انطوان زهرا في العام 2012، يقوم على مبدأ تسوية المخالفات دون غرامات. بالتالي، اعطاء المعتدين فرصة لدفع مبالغ مالية أقل من حق الدولة في حال فرضت غرامات على التعديات، واكتساب "حق" قانوني بمواصلة التعدي والاستفادة من ايرادات بمليارات الدولارات.

وإن كان يُحسَب لجنبلاط اعترافه بوجود تعديات على أملاك الدولة، وهو الشريك في السلطة، إلا أن الاعتراف لم يتعدَّ التذكير بأن استعادة الدولة أملاكها البحرية هو باب لتمويل السلسلة. فجنبلاط، وفق مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي، "لا يريد فتح معركة الأملاك العامة البحرية على غرار ما فعله عقل. إنما يريد التأكيد على رفضه زيادة الضرائب على الطبقة الشعبية". وتشير المصادر خلال حديث لـ"المدن" إلى أن جنبلاط يريد "معالجة أبواب الهدر، ومن بينها الأملاك البحرية، ويريد تمويل السلسلة من دون أن تُعطي الدولة الحق بيد وتأخذه بيد أخرى". أما موقف الاشتراكي من ملف الأملاك البحرية، فسيؤجل إلى ما بعد دراسة ما سيرد في فزلكة الموازنة، في شأن الأملاك.

عليه، فإن جنبلاط- حتى الآن- سيضع جانباً روحية المعركة التي أعلنها عقل قبل 20 عاماً، ويكتفي بفتح الملف. وبذلك، سيتخلى عن مقارعة النائب محمد الصفدي الذي يمتلك معظم أسهم شركة ستو التي تتشارك مع سوليدير في تشييد وإدارة مشروع زيتونة باي، الذي "يستثمر" في الأملاك البحرية، بتشريع من الدولة التي تتخلى عن أموالها وتكتفي بتحصيل 2500 ليرة سنوياً، عن كل متر مربع. وهو ما يعتبر مبلغاً زهيداً جداً في منطقة عقارية تُثمّن إيجارات أرضها بآلاف الدولارات.

وكما يحصل في زيتونة باي مع أطراف تنتمي لخط الحريرية السياسية والإقتصادية، يحصل في البترون وجبيل وفي كسروان في المحلة العقارية المسماة حارة صخر، مع أطراف تنتمي إلى خط التغيير والإصلاح. ومثلهما يحصل في الشمال في المنطقة العقارية التي تسمى القلمون، والمخالفة عبارة عن ردميات لمصلحة أحد النواب السابقين. وكذلك في الجنوب، وتحديداً في صيدا في المنطقة العقارية المسماة اليهودية، وفي صور في أكثر من منطقة، وأبرزها المنطقة التي تضم رست هاوس. وهي تعديات يستفيد منها رئيس مجلس النواب نبيه بري وأفراد من عائلته.

محاربة المعتدين على الأملاك البحرية باتت كمحاربة طواحين الهواء، وبات من يحمل لواء المطالبة بحقوق الدولة، يتماهى مع دون كيشوت. لأن المعتدين على الأملاك البحرية يحتمون بالسلطة السياسية نفسها التي أدرجت في مشروع موازنتها للعام 2017 بنداً وحيداً يتحدث عن الأملاك العامة، ويقتصر على "فرض غرامة على إشغال الأملاك العمومية البحرية والبرية والأملاك التي تقع على خط السكك الحديد وتحدد قيمتها بما يعادل 3 أضعاف قيمة الرسوم المتوجبة على الأشغال المماثلة المرخص لها". وكترجمة لهذا البند، فإن السلطة المنوط بها الحفاظ على أملاك الدولة، رفعت المبلغ الذي تتقاضاه لقاء تشغيل الأملاك العامة، بما فيها المعتدى عليها، بقيمة زهيدة لا تتناسب مع حق الدولة الفعلي. وتغاضت هذه السلطة عن الحديث عما تخسره وما يفترض بها تحصيله، فيما لو طبقت القانون، ولا شيء غيره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها