الأربعاء 2015/09/02

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

رحلة إلى قلب لوحات النهضة الإيطالية

الأربعاء 2015/09/02
increase حجم الخط decrease
قبل بزوغ أشعة الشمس الأولى، توجّهت روزيتا بوركيا إلى قمة صخرة بيليو. كانت المصوّرة الإيطالية تتعقّب ضوء الفجر الدافئ لالتقاط أفضل صورة بانوراميا لوادي الميتاورو الواقع في شمال شرق إيطاليا. وأمام مشهد التلال الحاضنة للوادي، استوقفتها هضبتين تتعانقان كأنهما ‪"أمّ وابنتها". أحسّت بوركيا أنها رأت هذا المشهد من قبل، رغم معرفتها بأنها تقصد المكان للمرة الأولى في حياتها.

بعد ظهيرة ذاك اليوم الخريفي، دفعها إحساس داخلي بتصفح كتب فنّ النهضة الإيطالية في مكتبتها. لدهشتها وجدت الهضبتين اللتين كانت قد شاهدتهما فجراً في لوحة تعود إلى القرن السادس عشر، تحديداً في خلفية بورتريه دوق أوربينو.

تعتبر تلك اللوحة من أهم لوحات فنّ النهضة وهي جزء من ثنائي يصوّر دوق ودوقة أوربينو في وضعية تبادل نظرات رصينة ورومنسية في الآن ذاته. اللوحة اليوم معروضة في متحف الأوفيزي في مدينة فلورنس وقصتها أن الدوق طلب من الفنان بييرو ديللا فرنشيسكا رسم تصوير له ولزوجته المتوفية والتي كان يكن لها مشاعر حبّ قوية. وتبدو اللوحة بصفائها وكأنها لحظة لقاء أزلي بين حبيبين فرّقهما الموت ليجمعهما الفنّ مجدداً.

بعد مقارنات بين المشهد الحالي الذي التقطته بوركيا وخلفية اللوحة، وجدت المصوّرة اختلافات عديدة في أشكال الحجر وتفاصيل جغرافية أخرى. لكن هذا لم يجعلها تفقد الأمل بصحّة "اكتشافها" أنها وجدت المكان ذاته الذي رسمه ديللا فرنشسكا، وعادة ما يعتبر نقاد الفن أنّ خلفيات لوحات فناني النهضة هي لمشاهد طبيعية رمزية أي غير واقعية أو دقيقة بل نتيجة لمزيج بين مشاهدات حيّة وأخرى متخيّلة.

لجأت بوركيا لعالمة الجيولوجية، أوليفيا نيشي، لتفهم طبيعة الوادي والتحولات التي طرأت عليه عبر مئات السنين. وبعد دراسة وتدقيق استمر عدّة أشهر، تبيّن أنّ بوركيا وجدت فعلاً مكان خلفية اللوحة وأنّ الإختلافات هي نتيجة عوامل طبيعية محددّة استطاعت نيشي برهنتها بحجج علمية.

كان هذا الإكتشاف بداية فكرة بديلة لمشروع سياحي يهدف إلى تعريف السيّاح إلى هضاب ووديان منطقتي إيميليا رومانيا ولي ماركي الإيطالية. فبعد سنوات من البحث والتدقيق، استطاع الثنائي تحديد أماكن أخرى في المنطقتين تبيّن أنها خلفيات لوحات شهيرة أخرى لديللا فرنشيسكا كلوحة التعميد والقيامة.

الملفت في الزيارات المقترحة تحت عنوان: "بلاكين بييرو" وتحت شعار: "أدخل في قلب لوحة فنّية"، أنها تمزج بين رحلةٍ في الطبيعة ودروس في التاريخ، الفنّ والجيولوجيا. فأمام كل منظر بانورامي، لوحة تفسيرية تظهر رسماً للوحة الزيتية وصورة للمنظر الطبيعي مع إشارات وشروحات حول أوجه الشبه.

فأمام منظر لوحة تعميد المسيح مثلاً، يكتشف الزائر أنّ النهر الموجود على اللوحة اختفى اليوم إذ تمّ تغيير مجراه في قرون سابقة لأنه كان يهدد بطوفانه المنازل والحقول المحيطة به، أو أنّ أشكال الأحجار المميزة هي تكوينات أنتجتها العصور الجليدية كنتيجة لعوامل عدّة كغزارة المياه وقلّة النباتات وتدني الحرارة.

ويعمل فريق تلك المبادرة الفنية حالياً إلى تشييد بلكون يظهر الخلفية الطبيعية للوحة الموناليزا الشهيرة لليوناردو دافينشي. وهم يعتقدون، بعد تحديد هوية عدد من العناصر الطبيعية في اللوحة، أنّ الفنان استوحى المشهد خلال زيارة له لمنطقة المونتيفيلترو. 


‫(لمزيد من التفاصيل حول الزيارات ل"بلاكين بييرو": http://www.montefeltroveduterinascimentali.eu/en/index.html)

 

 

 

 

 

 

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها