الخميس 2014/11/27

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

هلا شقير ترسم هشاشة الحياة

الخميس 2014/11/27
increase حجم الخط decrease

تقدم صالة أجيال (بيروت -الحمرا)، معرضا فنياً للفنانة هلا شقير بعنوان "تمتمات بصرية"، يحتوي عدداً كبيراً من الأعمال المختلفة الأحجام والمتميزة بإسلوبها المُبتكر في النفاذ إلى دقائق الحياة وتدفقها وتجددها.

ترسل الفنانة نظرة تفكيكية إلى العناصر الطبيعية كحبوب الرمل، الغبار، وقطرات الماء، وشذرات الجليد. بعدئذ وبصبر بالغ تعيد تشكيل سيرة التحولات المجهرية الطبيعية على صفحات لوحاتها.

في حديث معها تشير شقير إلى أنها كانت منذ طفولتها مولعة بالتفاصيل، تذكر حادثة تعود إلى طفولتها حين طلبت منها والدتها، النحاتة سلوى روضة شقير، بأن تقشر قطعة "أرضي شوكي". تذكر جيدا أنها ذهلت أمام ذلك التشكيل الطبيعي البالغ الدقة الذي يتدرج من الورقة الكبيرة إلى الوريقة الصغيرة حتى النفاذ إلى لبّ يشبه الريش الناعم.

الناظر إلى أعمال هلا شقير يعتقد للوهلة الأولى انها مرسومة بالحبر الصيني أو حتى بالألوان الزيتية. لكن الفنانة تشير في كتيب المعرض أنها استعملت مادة الأكريليك. تضحك حين ننقل لها استغرابنا من استعمالها لهذه المادة الجافة، تقول: "صحيح أن الأكريليك، نظرياً لا يلائم طبيعة عملي البالغ الدقة، لكني روضت هذه المادة البلاستيكية وجعلتها تقول ما أردته قوله: الحياة بالغة الهشاشة والقوة في الآن ذاته وهنا يكمن سحرها".

تهتم هلا شقير بالرسم والتخطيط وتتقشف لونياً. تقتصر الألوان التي تستعملها على اللون البني والعسلي حين توغل في إستدارات وتشعبات الزهور الرملية وأثار الرياح المحملة بالرمل. تستعمل أيضاً اللون الأزرق حين تدخل إلى عالم الماء الذي يتربص به الضوء حيناً ويبتلعه شبه الظلام حيناً آخر.

هناك حوار دائم في أعمالها ما بين الظاهر والباطن، القريب والبعيد، الإمتلاء والفراغ ولعل ذلك ما يجذب زائر المعرض إلى الإقتراب والإبتعاد مداورة عن اللوحات حتى يتمكن من فهم الحراك السحري الذي يدور في أرجاء اللوحة.

يوجد الكثير من الموسيقى في إنحرافات الخطوط، تضافرها وانحلالها حتى الزوال التام. تبني لوحاتها كمن يشيد نصا موسيقيّا لا تسهل قراءته، ويتطلب صبراً واستعداداً فكرياً، وروحياً لسبر أغواره.

تشير هلا شقير إلى أن "التأمل" هو من أهم النشاطات الفكرية التي تجعلها قادرة على تشكيل نصها البصري بطريقة منطقية وعاطفية في الآن ذاته. تسمح لريشتها في أن تنساب على هواها ولكنها تستوقفها وتساءلها حين تضبط أي اختلال في التوازن التشكيلي بالجرم المشهود! إذاً، بالعقل والقلب تنطلق الأعمال إلى رحاب الوجود. الوجود في نظر الفنانة ونظر المشاهد المتمرس في ذات الوقت.

لا طريقة واحدة لقراءة أعمال هلا شقير. الخطوط التي تتشكل منها لوحاتها ربما تكون مستمدة ليس فقط من البيئة الجيولوجية أو البيولوجية بل من ومضات ذكريات تأبى أن تموت. تتحدث الفنانة عن أثر الحرب في ولادة اللوحة التي تعمل عليها و تطورها منذ زمن بعيد. فهي من ذلك الجيل الذي قضى نصف عمره في الترحال وتغيير المنازل والحنين إلى الأمكنة والأشخاص. ولعل التشبيك التشكيلي الذي تبرع الفنانة في بنائه في لوحاتها هو بمثابة عوالم نفسية متداخلة تقلبت على نار الحروب المتتالية وتغلبت عليها. تغلبت عليها عبر العمل الفني الذي هو مناف للموت ولنقطة اللارجوع. هناك دائما في لوحاتها طريق يمكن العودة إليه، وأشخاص يمكن احتضانهم بعد غياب طال. هكذا تصبح أعمالها صفحات مضافة إلى الوجود، إحتمالات تتكاثر لتجعل الحياة أخف وطأة على كاهل الإنسان.

يذكر أن الفنانة هي شاعرة أيضاً، تكتب مثلما ترسم: شذرات وومضات تؤالف ما بينها لتكون شاهدة على حياة تستحق العيش في أدق تفاصيلها.

من شعرها:

ثم سكتُّ أنظر إلى تمتمات أيام
تراكمت وانمحت.. قاعها موصول بخيط
لحقناه معاً وعدنا نبتدىء.
وتحت القاع خيط آخر عاد للبدء يمرح
بالأيام و ينزل إلى الأعماق
حتى الغرق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها