الأحد 2016/05/15

آخر تحديث: 12:27 (بيروت)

محمد الرواس وامرأة إستعراضية يتعذّر التعامل معها

الأحد 2016/05/15
increase حجم الخط decrease
يقدم الفنان التشكيلي اللبناني محمد الرواس معرضاً فردياً في صالة أجيال (الحمرا- بيروت) بعد غياب طويل عن صالات العرض اللبنانية. غير أن الفنان لم يغادر ولا للحظة ممارسته الفنية وتمعنّه في شؤون تحوّل لوحاته التي بناها وفق سياق ذهني خاص تميز به عن سائر الفنانين.

يقدم الرواس في معرضه 15 عملا فنياً من لوحات ومجسمات دأب على تشييدها وكأنها هياكل سوريالية سيطرت على جميع مرافقها المرأة/النصب.

قد يرى كثيرون، في قلب أعمال الرواس، المرأة العصرية وما قد تشير اليه من ملامح تحرر، وقوة وكبرياء. ثم تأتي "الوهلة الثانية"، اذا صح التعبير، ليرى الناظر إلى اللوحات أن المرأة في لوحاته هي كائن عملاق لا يمكن التعامل معه لأنه لا يريد أن يُتعامل معه إلا من خلال عملية حسابية دقيقة، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا جزئياً حينما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية.

في حين يحضر نفوذ المرأة "الشكلي" في بعض لوحاته من خلال نظرتها إلى المشاهد وحجمها في اللوحة وكونها مشغولة من صورة فوتوغرافية واقعية لموديل واقعي، فهي تنوء تحت حمل البراعة التقنية والخيال التركيبي للفنان المنسوج بأفكاره العديدة. فهو قد شيّد من خلفها وحولها عالماً يعج بالرموز تتعلق بامرأة مُتخيّلة غير موجودة في لوحته أصلا. هنا تماماً وحصراً يعثر المُشاهد على الشعرية في لوحاته.

أطلق الفنان على معرضه عنوان "تمجيد المرأة". جاء هذا التمجيد، تمجيداً للمساحة العاطفية الهائلة التي تفصل ما بين المرأة المُمجدة والمُستعرضة، والناظر اليها.

ليس في هذا أي تبخيس من عمل الفنان، بل على العكس. فمحمد رواس هو من الفنانين القلائل جدا الذين أخرجوا المرأة من "انسانيتها" لتكون واحدة من جيش "اسبارتي" متخيّل ألحق بالمرأة الأذى قبل أن تطال نصاله الرجل، الغائب/ الحاضر في لوحته.

لا شك أن المرأة في اللوحات والمُجسمات المعروضة تطرح من جديد ماهية القوة "الأنثوية" وكيفية تمظهرها.

ثمة تناقض كبير في تصوير المرأة في لوحة محمد الرواس. فهو يريدها رمزاً للحرية والقوة غير أن "ارادته" تطغى على أي طابع يريد أن يعطيها إياه. من ناحية، تريد "امرأته" أن تعرض مفاتنها إما من خلال ملابسها أو وضعية ظهورها في اللوحة أو في المجسمات، ومن ناحية أخرى نراها تتصنع عكس ذلك. هذا أيضا من أندر ما نعثر عليه في اللوحات التشكيلية. وربما برع الفنان في ذلك بشكل لم يضاهه حتى الآن أحد من الفنانين.

لوحته تحث على التفكير والتمعن في مسائل شائكة، وهي تستنفر كل المعارف التي راكمها الفنان وتستنبط من تاريخ الفن، وخاصة من فترة النهضة الأوروبية، أعظم اللوحات فيوظفها كما يشاء فعطيها معنىً جديداً ومعاصراً.

 كل التجارب الشخصية والفنية التي وجدت طريقها إلى أعماله الفنية استطاع الفنان أن يمسك بأواصرها كساحر حكيم تمرس على كل ضروب السحر"التشكيلي" أو المنظوري، اذا صح التعبير.

جاءت عناصر أعماله رازحة تحت سلطة وتحكم مُطلق منه، المُبتكر والقابض على قوانين اللعبة. ما من شيء بإمكانه الإفلات من عينه الثاقبة، كما انه لا فكرة مطروحة في لوحته إلا وتحمل أبعاداً عديدة متناقضة أحياناً ومتكاملة أحياناً أخرى.

ليس الفنان معنيّاً بمسألة المساواة بين المرأة والرجل بشكل مباشر. فهما، في لوحاته، تحت عنوان شبه حصري للحب والغواية. غير انهما موجودان كل في عالم خاص به. لا يلتقيان إلا ليحتدم الصارع بينهما، ربما تحت تأثير زمن فُقدت فيه كل الأوهام.

الرجل في لوحاته حاضر بقوة وإن لم يكن كذلك بهيئته الجسدية. حاضر من خلال نظرة محمد رواس الرجل والفنان. يُمظهر وجوده "الشبحي" من خلال التشنج الخفيّ خلف طبقات اللوحة الواحدة وفي "عُلبها" المفتوحة والمقفلة في آن واحد. تلك العلب أو الصناديق التي أعاد تركيبها لتعبّر عما يجول في ذهنه من أفكار تمرس على تطويرها وتنظيمها حتى باتت أشبه بمعادلات علمية لمعت في سمائها شطحاته الفنية الواقعة هي الأخرى، تحت عينه الفاحصة والساهرة على حدود المعاني المُقدمة.

الحرب اللبنانية كان لها دور كبير في تحول التوليفة البصرية والفكرية في أعمال الرواس. فقد قال في إحدى مقابلاته أن نصه البصري "بات أقل ألواناً وانفعالاً، وأكثر عقلانية وانضباطاً في الصياغة، وباتت الصورة جزءاً أساسياً فيه".

انها الحرب الباردة  في لوحته. انه الإستغناء عن الآخر، والشوق إلى مجهول قد يكون الآخر المُستغنى عنه. انه انذار بإنفجار.. لن يحدث.


(*) يستمر المعرض في "أجيال" حتى 28 أيار/مايو 2016.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها