الأحد 2015/03/29

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

"مشروع ليلى" في مرحلة بريتني سبيرز

الأحد 2015/03/29
"مشروع ليلى" في مرحلة بريتني سبيرز
ليلى حائرة بين عالمين لا تعرف من تُرضي، وإن كانت فخورة باختياراتها
increase حجم الخط decrease
في العام 2008، كنت مديراً للنشر في "دار ملامح". أحد الكتب التي كنا نعمل على نشرها وقتها، الرواية الأولى لهلال شومان "ما رواه النوم". جزء كبير من أجواء الرواية كان يدور كسحابة تحوم فوق منطقة الجامعة الأميركية في بيروت. ومما رواه لي هلال، وقتها، أن هناك شاب ينشر الملصقات ويرش الغرافيتي على أسوار الجامعة وفي محيطها. هلال كان متحمساً لوضع هذه الرسوم في غلاف الرواية. تواصل مع الشاب الذي كان طالباً في الجامعة، واسمه حامد سنو، لاستخدام رسومه. والغلاف صممه الصديق والمخرج أحمد عبد الله. كان هلال أول من أرسل لي مقطوعات من تدريبات وأغاني وموسيقى مشروع ليلى. ووقعت في حب المجموعة من ضربة الوتر الأولى.

شاهدتُ الفريق يكبر وينمو، من مجموعة صغيرة تغني أمام خمسين شخصاً في "كايرو جاز كلوب" في القاهرة، إلى جمهور يتجاوز العشرة آلاف شخص في مساحات مفتوحة. ومع هذا النمو رأيت التغييرات التي مر بها الفريق، وكأنها انعكاس لمسيرة نمو جيل كامل، وعملية تدجين بطيئة وعلى نار هادئة لطاقة مبددة.

لم أرَ في "مشروع ليلى" أي ثورة كبرى، بل همس كبير. منذ الألبوم الأول، وحتى الآن، كانت واضحة محدودية التركيبة الموسيقية التي يعتمد عليها الفريق، لكن الجديد منبعه الكلمات وطريقة الغناء التي اختارها حامد، هذا الدمج للأحرف والكلمات الذي يغضب كهَنة اللغة، وأحياناً التباهي بالأخطاء اللفظية، وعوج اللسان متعمداً. كمُحبّ للتخريب والضجيج، رأيتُ في "مشروع ليلى" مشروعاً مزعجاً.

تابعتُ أيضاً كيف طوّر الفريق، قدراته ومهاراته الإنتاجية. كان أمام "ليلى" خياران في هذا الوقت، فالعمل الموسيقي وإنتاجه يسيران وفق منظومتين راسختين. صارح حامد سنو، جمهوره بشفافية عن هذا الأمر، في أول أغاني الفريق "رقصة ليلى"، حينما قال: "وأنا مني واقف بين أمرين". المنظومة الأولى منظومة الإنتاج التجاري والتي عُرفت وقتها في الشام بمنظومة الأمير الوليد بن طلال، والمنظومة الثانية والتي كانت تتشكل من شبكة من المنظمات الثقافية الممولة محلياً أو أوروبياً، وتحاول تقديم الدعم للتجارب الموسيقية الجديدة والمغايرة.

"مشروع ليلى" لم يكن مقبولاً في منظومة الوليد بن طلال، وإذا دخلت الفرقة المنظومة الأخرى فمصيرها سيكون الجلوس في بيروت بجوار زملائها الذين يعيشون على احتكار المنح الإنتاجية. ورغم ما قدمته هذه المنظومة، إلا أن دور المنتجين هنا ينتهي عند إنتاج العمل، ولا يتضمن عمليات توزيعه والدعاية له. وبالتالي يظل المنتج أسير دوائر جمهور تلك المؤسسات.

"مشروع ليلى" اختاروا طريقاً أخرى، وهدفاً آخر. ذات مرة أعلنوا: "سنغير صناعة البوب". اعتمدوا في إنتاج ألبوم لهم على تمويل الجمهور من خلال الانترنت، وبالتالي فقد كان هذا الجمهور هو أول من روّج للمنتج الذي شارك في إنتاجه. ازداد الحماس مع "الربيع العربي". وبينما كان الكلام الكبير والكثير عن الحرية، يغزو الأغاني، كان أعضاء "مشروع ليلى" يتأرجحون بين البهجة والقرف، على أرجوحة العدمية الدائمة المميزة لكلمات أغانيهم.

وكما دخلت الثورة صندوق الانتخابات، وتم دمج الثوريين القدامى داخل سياقات الدولة البناءة... فاستمرار "مشروع ليلى" وتواجدهم في وسائل الإعلام الرئيسية والبرامج التلفزيونية، مرهون أيضاً بمفاوضات معقدة، وتنازلات على حسب احتياجات كل شاشة تلفزيونية. وبدا واضحاً بعد الألبوم الأخير أن "ليلى" يمكنها أن تقدم الكثير من التنازلات. والسبب ليس لأن هناك ضغوطاً من جهات الإنتاج والتوزيع، بل لأن هذه هي قوانين الصناعة التي وجدوا أنفسهم بعد كل هذه السنوات جزءا منها. هادى شرارة كان صريحاً في برنامج "كوكا ستديو" عندما تحدث عن إنتاج أغنيتهم مع نايل رودجرز، بأنه اختار أغنية "Get lucky" لأنها أغنية شعبية ويمكنها أن "تشيلهم" من "الجو" اللي بيعملوه!

مَلكٌ ذات مرة تمنى أن يتحول كل ما يلمسه إلى ذهب. فصارت أمنيته هي لعنته. و"ليلى" تمنت أن تغير شكل موسيقى البوب، فأصبحت هي موسيقى بوب. كأي منتج للفنون يتذبذب ويتغير منتجه الفن، خسرت "ليلى" جزءاً من جمهورها، وكسبت شرائح آخرى. الآن من الطبيعي في إذاعات الراديو الشعبية أن تجد أغاني "مشروع ليلى"، وسط أغاني عاطفية أخرى في برامج من نوع "الزحمة أحلى مع كوكا كولا". صحيح أن الزحمة لن تكون أحلى، لكني كمُحبّ ومقدر للفنون الشعبية، أحببتُ "ليلى"، حتى وهي فرقة تتجاوز تذكرة حفلتها في القاهرة الآن أكثر من 200 جنيه مصري (30 دولاراً)، وتقام وسط مستعمرات الكومباوند الحديثة على أطراف القاهرة، ويغني حامد: "سهرانين لنلقط".

لكن، مع شريطهم المصور الأخير لأغنية ثلاث دقائق، أحسستُ للمرة الأولى بمشاعر كريس كروكر الصادقة  في الفيديو الشهير الذي يبكي فيه والمعروف بـ"سيبوا بريتني في حالها" أو "LEAVE BRITINEY ALONE".

"ليلى" حزينة. وهناك زجاجة فودكا تطير في الكليب مع ابتسامة مشدودة. وحامد سنو يغني كلاماً كبيراً عن الحرية والخضوع، وأنه هو الذي اختار وقبل. "ليلى" حائرة بين عالمين، لا تعرف من تُرضي، وإن كانت فخورة باختياراتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها