الخميس 2017/09/21

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

منى السعودي... الحب الخصوبة والأرض في بيروت

الخميس 2017/09/21
منى السعودي... الحب الخصوبة والأرض في بيروت
increase حجم الخط decrease
افتتحت الفنانة منى السعودي معرضها في غاليري "صالح بركات" ويستمر حتى 28 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، ويتضمن 23 عملاً نحتياً إلى جانب ست من الرسومات، وكلها أعمال أنجزت بين عامي 1995 و2017 وهي فترة قضتها السعودي كلّها في بيروت، وتدور الأعمال بين أقطاب الحب والخصوبة والأمومة والأرض.

ومن بين الأعمال المعروضة  "قمر مكتمل" من حجر الترافيرتين وكذلك هو عمل "أمزجة الأرض" و"شروق الشمس"، أما "المتشرد" و"صبار" و"كسوف القمر" فهي من حجر اليشم الأردني الأخضر، في حين أن منحوتتها المعنونة "ماء الحياة" من العقيق اليماني، ومن الغرانيت الأخضر الزمردي نُحتت السعودي نسخة من عمل "المرأة النهر"، كما توجد نسخة أخرى من المنحوتة نفسها من الرخام الأسود، ومن الحجر اللبناني الترابي اللون ثمة عدّة أعمال ضمن هذه المجموعة هي "بوابة الحياة" و"الأم الأرض" ونسخة مختلفة من "ماء الحياة"، ومن رخام الكرارا نحتت الفنانة عملها "المرأة الطائر".
 
في تحية إلى الشاعر أدونيس «صديقاً وملهماً»، قدّمت لوحاتها التي استلهمتها من وحي شعر أدونيس، طريقتها في التواصل مع القصيدة وإيحاءاتها. «لا تفسّر ولا تسرح ولا تزيّن، بل تحاور النصّ الشعريّ وتدخل به عالم الشكل المرئي». الى جانب لوحات مستلهمة من قصائد محمود درويش.
تقول في مقدمة كتاب «منى السعودي... أربعون عاماً في النحت»: "حين اخترت أن أكون نحاتة اخترت طريقة في الحياة». وهي في معرض سابق قدمت درويش بالنص التالي: «قبـــل سنوات كنت أعدُّ لهذه المجموعة من الرسوم لتكون هدية خاصة للشاعر محمود درويش في عيد ميلاده في آذار 2009، وفجأة في آب 2008، رحل عنّا، وتوقفتُ عن إتمام هذا المشروع، لبعض الوقت... وأخيراً قمتُ بإتمام المجموعة لتصل إليه الهدية في غيابه، هو الحاضر دائماً... وأردد مع سان جون برس قوله: «والشاعر يبقى دائماً بيننا»...
تعود الرسوم إلى الفترة ما بين 1977 و1980، ورسمتها الفنانة آنذاك من وحي قصائد تلك المرحلة، وأدخلت على الرسوم عبارات من قصائد «تلك صورتها وهذا انتحار العاشق»، «نشيد الأخضر»، «قصيدة الأرض» و"قصيدة الرمل».
من «قصيدة الرمل» اخترت المقاطع الآتية:
«في البدء كان الشجر العالي نساءً
كان ماء صاعداً، كان لغةً
هل تموت الأرض كالإنسان،
هل يحملها الطائر شكلاً للفراغ؟
البدايات أنا، والنهايات أنا
والرمل شكلٌ واحتمال
أرى عصراً من الرمل يغطّينا
ويرمينا من الأيام
غيومٌ تشبه البلدان».
تذكر الفنانة: أعتذر من الشاعر، إذا اخترت مقاطع متباعدة أحياناً، وجمعتها معاً... هذه هديّتي لك يا محمود، وأعتذر عن التأخّر في إرسالها...».
تحكي السعودي في اعمالها بلغة الحجر ولغة النحت، وهي إذ تلتقي مع عاشق الأرض محمود درويش تحاوره وتستوحي منه، تستذكر لغته ورموزه وعلاقته بالمرأة وفلسطين، تستذكر التراب والرحيل ورمزية الأرض، تعانق لوحتها القصيدة في حب أبدي. هذا دون أن ننسى تحيتها أيضاً إلى سان جون بيرس، وهي مجموعة تضمّ 13 رسمة مستوحاة من قصائد الشاعر الفرنسي. كذلك هناك لوحة تحية إلى امرئ القيس سمّتها «الليل الطويل».

تعمل السعودي بالتقنيات التقليدية للنحت وهي تؤنسن الحجر، وتنقله من منطقة القسوة إلى فكرة ناعمة رحمية أمومية. من بداياتها وحتى اليوم والسعودي مفتونة بالشكل الدائري والانحناءات، لن تجد ليها رغم اختلاف مراحل عملها والمدن التي عاشت فيها وضخامة تجربتها، أعمال ليست ملساء أو منعطفة ومتثنية ومنحنية، لا تروق لها الزوايا الحادّة ولا الخطوط المستقيمة تماماً.

وإن كانت السعودي قد بدأت شاعرة، حيث كانت تراسل مجلة "شعر" وهي ابنة 16 عاماً،  في زمن أنسي الحاج وأدونيس وأصدرت في مرحلة مبكرة مجموعة بعنوان "رؤيا أولى"، فإنها هجرت الكتابة لكن الشعر استمر في الظهور في تفاصيل منحوتاتها.

منى السعودي إحدى أبرز النحاتات العربيات، تنطلق في رؤيتها للفنان من أنه يمثل ضميراً للتاريخ الإنساني، وأنه يواصل المسيرة الإنسانية المبدعة التي أوجدت على الأرض الفنون والعلوم كافة، وقد فُتنت بالمنحوتات منذ طفولتها. وكان أول ما عرفتْ منها تلك المنحوتات المبعثرة في ساحة المدرج الروماني. إذ كانت عائلتها تسكن في بيت يعدّ جزءاً من الموقع الأثري المسمى «سبيل الحوريات»، الذي شكل بأعمدته المنقوشة وأقواسه وينابيعه ساحة البيت الأمامية، وهكذا عاشت السعودي طفولتها بين هذه الحجارة المنحوتة مسحورة بجمالها وديمومتها.

تقول الفنانة عن تلك المرحلة من حياتها: «بدأت أحلم أن أصبح نحاتة، أي صانعة أشكال، وكان حظي أن أذهب إلى المدرسة البعيدة عن البيت مشياً، وقد أتاح لي ذلك أن أمشي عبر الطرق الترابية التي تصعد جبال عمان اللولبية، وهذا المشي ولّد عندي صداقة مع الأرض والشجر والحجر والناس والطبيعة وهو مسافة للحلم والتأمل، وبدأت أتأمل جسد الأرض وتداخل الجبال والوديان وسقوط الظلال على ثنيات التلال، وفي ذلك الوقت البعيد بدأت أصنع أشكالاً من الجبس، أرسم وأتأمل كتب الفن أيضاً». وقد عملت السعودي حينئذ لبضعة أشهر في محترف الفنان مهنا الدرة، وكان قد عاد إلى عمان بعد دراسة الرسم في إيطاليا، إلا أن الألوان الزيتية لم تستهوها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها