الخميس 2017/08/03

آخر تحديث: 14:04 (بيروت)

الجيش اللبناني.. و"جيش الإشتراك"

الخميس 2017/08/03
الجيش اللبناني.. و"جيش الإشتراك"
التحية المرفوعة لتراها فيالق اللبنانيين (عن "الإعلام الحربي" التابع لـ"حزب الله")
increase حجم الخط decrease

فقط في لبنان: كل بيت ومؤسسة ومتجر يضاء بكهرباء الدولة، بموازاة "كهرباء الإشتراك". تنقطع مياه الدولة لتعوض عنها الصهاريج. النفايات، الانترنت، الهواتف، الأمن، التأمين الصحي، الإعلام، التعليم، القضاء، السجون، التجنيس، زفت الشوارع، رسوم الميكانيك، البلدية، الضرائب، مشاهدة التلفزيون، القروض المصرفية، التعليم... كل شيء تقريباً، له وجه عام ووجه خاص، آلية شرعية وأخرى التفافية. لا غنى لواحدة عن ثانيتها. ليسا قطاعَين، يختار بينهما المواطن. بل يتلازمان ويتكاملان ويثبتان ضرورتهما معاً، ولو خلافاً لطبيعة الدولة ومفهومها المعمول به في أي بقعة محترمة من العالم.

كذلك في لبنان: لدينا الجيش الوطني، و"جيش الإشتراك" التابع لـ"حزب الله".

وأكثر: كأن تفشي خطاب عبادة الجزمة العسكرية ليس ابتلاء كافياً للصيغة اللبنانية، وثقافتها وديناميات ديموقراطيتها (والتي لا تنقصها علات إضافية). بل زادت طينه بلّة، تداخلات الإرهاب والأمن، السياسة والعسكر، الإعلام والتعبئة، المؤسسة والمليشيا، الوطنية والشوفينية، العقيدة والإيديولوجيا، الاستراتيجي والإلهي...

ها هو "حزب الله" الذي اعترض، ذات مرة، على التفاوض مع "الإرهابيين التكفيريين" لاستعادة جنود الجيش اللبناني المخطوفين، يفاوض "الإرهابيين" أنفسهم لاستعادة أسراه، يؤمن لهم خروجاً آمناً تحت شعار النصر الساحق الماحق، بل وينفذ شروطهم بإطلاق معتقلين في سجن رومية، سجن آمِرته هي الدولة. لكننا موحّدون، لا حدود "تفرقنا"، ولا قِسمة للصلاحيات، لا في سجون ولا في قضاء. "الاشتراك" هو قضاء الدولة، وقدرنا، المشرِّف قسراً. موحّدون، وإن فشل مشروع "النشرة الإخبارية الموحّدة". فالإعلام اللبناني ينقل أخبار المعارك عن "الإعلام الحربي"، وكأنه وكالة أنباء وطنية أو دولية مستقلة، مُسقطاً نسبه إلى "حزب الله". بل يتولى الحزب جولات الصحافيين في عرسال ومحيطها، مضمّناً إياهم، لبنانيين وأجانب، في صفوفه (embedded)، تماماً كما فعلت القوات الأميركية في العراق. ورئيس الجمهورية، كمتفاهِم وَفيّ، يغطّي "حزب الله" إذ يعتبر معركة جرود عرسال نصراً للبنان. فلا فرق بين عَلَم تعلوه الأرزة، وآخر يتوعد بأن "حزب الله هم الغالبون". وفي الوقت نفسه، يسمح وزير الخارجية لنفسه بتصريح من نوع "إنه عهد الرئيس القوي ولبنان القوي الذي يهزم الإرهاب التكفيري، أي النصرة وداعش، ومن بعدهما خلايا الداخل". فهل يقصد ربطاً بين تلك "الخلايا"، وبين ما يتقيأه إعلام الممانعة يومياً، من تخوين واتهام بالعمالة لكل مَن يتفوّه برأي نقدي أو يوقّع بياناً ذا أفكار لا تنتظم في الكورس الموحّد؟ هو إعلام "الإشتراك" الذي لا يتوانى عن المطالبة بإعدام "المنشقين". بل تتفتق قريحة أحد الفنانين "المسيّسين" عن مقولة: "بلبنان ما في دولة، في جيش، وفي مقاومة، وفي شوية شعب شريف، والباقي إرهاب"!

البلد غارق في العسكرة، عسكرة الدولة وعسكرة "الاشتراك". مموهتان معاً، في خندق واحد يتسع لبلد بأكمله يلهج بهذيان موحد.

نسي الجميع سخريتهم القديمة من شعوب جارة سُحقت تحت نير أنظمة استبدادية وشمولية وبعثية، لطالما ألبست طلاب المدارس بذلات عسكرية، وأجبرتهم على القسم بولاء "أبدي"، ليس للوطن، بل للنظام والحزب الأوحد، والقائد الأوحد المؤلّه كما يقتضي الكليشيه في أي منظومة أبوية، وهو يكاد لا يختلف عن الآب الذي في السماوات، بل يتكنى الوطن بكنيته.

"الجيش البطل قائده على صورته ومثاله". لافتة منتشرة في لبنان تحاكي الأدبيات الدينية حيث الخالق الذي جعلنا على صورته ومثاله. والأطفال في كليبات البروباغندا يرتدون المرقّط ويؤدون التحية العسكرية. ولافتة عونية تقول للجيش: "للأبد معكن". مجدداً، ذلك الأبد اللعين. وها هو "تلفزيون لبنان" الرسمي يفتتح نشرته الإخبارية باقتراح ضرائب جديدة "من الشعب وإليه"، ضرائب يريد للبنانيين تقديمها بكل حب أبدي للجيش الوطني ولـ"جيش نصير يُستدعى بالشيفرة" حين تدعو الحاجة، لأنه "من هنا تبدأ الاستراتيجية الدفاعية لتكون المقاومة من كل الأطياف جيشاً رديفاً للجيش الأساس". ضرائب جديدة إذن. روعة. وكلنا عسكر رهن الإشارة. الأجندة تفصيل، وكذلك الوصاية السياسية المنتخبة، والرأي العام والأحزاب والجماعات الأهلية كرقيب مدني. كل هذا لا يهم. المهم، بحسب "تلفزيونات الاشتراك" أن "الأول من آب، يوم عيد الجيش، يحلّ كأنه الأب ورأس الثلاثية الذهبية: الشعب والجيش والمؤسسات". هكذا، استبدلت قناة "إم تي في" كلمة "المقاومة" في الثلاثية الانشطارية الشهيرة بكلمة "المؤسسات". وهي نفسها "إم تي في" التي ارتضى إعلاميوها، وبأريحية المحبين، الظهور في "الكليب الهدية" للجيش اللبناني، مرتدين البذلات العسكرية وحاملين السلاح، متخففين من كل ما تعنيه صفة "صحافي". تماماً كما احتفى "تلفزيون الجديد" بـ"لقاء السيف والقلم".

وفي المقابل، ينفق "حزب الله" من ميزانيته الإيرانية لشراء لافتات وأقلام حبر، يخطّ عليها مقاتلوه تحياتهم لشهداء الجيش اللبناني، ويرفعونها أمام الكاميرات لتراها فيالق اللبنانيين، وبينهم حسين يوسف، والد الجندي المخطوف محمد يوسف الذي لم تأت به إلى حضنه أي مفاوضات منذ سنوات ثلاث. لكن تلفزيون "المنار" يؤكد "النصر المشفوع بتمّوزين"، وفي كل تموز منهما، "ننتصر"، كلنا، عنوة، من دون أن نُسأل في الحرب، داخل حدودنا أو خلفها. وهل يُساءل الشرفاء في تضحياتهم؟ وهل من شرفاء سواهم؟

"تكّت" ساعة الدولة، واشتغل "الاشتراك". ولا يُستبعد أن نسمع قريباً عن استدعاءات وتحقيقات، ودعاوى ترفع على "موهني عزيمة الأمّة" و"خادشي المشاعر القومية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها