الثلاثاء 2017/06/27

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

من يريد إلغاء ذاكرة حي هارلم في نيويورك؟

الثلاثاء 2017/06/27
من يريد إلغاء ذاكرة حي هارلم في نيويورك؟
هيوز وسط معالم هارلم
increase حجم الخط decrease
 ليس العالم الثالث وحده من يحاول محو ذاكرة المدن وثقافتها، فالغرب أيضاً ضليع في هذا الأمر المشين، فقد عبّر سكان قدامى في حي هارلم التاريخي الذي يسكنه السود في نيويورك عن غضبهم بشأن محاولة شركات عقارية لتغيير اسم الحي إلى "سوها" قائلين إن الخطوة تمحو التاريخ الثقافي الثري للمنطقة.

وكان الحي موطناً ومصدراً لإلهام أجيال من الشخصيات البارزة بين الأميركيين من أصول أفريقية، ومنهم الناشط مالكوم إكس، والشاعر لانغستون هيوز، والمغنيان هاري بيلافونتي وإيلا فيتزجيرالد، وشهد نهضة هارلم الثقافية.

وتأسس حي هارلم قبل 200 سنة كمنطقة للمهاجرين من هولندا (سموه على اسم مدينة هارلم في هولندا). أسسه الهولنديون، لكن الرقيق السود هم الذين بنوه. أحضرتهم سفن شركة "دتش ويست إنديا" الهولندية من أفريقيا، وهي نفس الشركة التي مهدت لاستعمار إندونيسيا وجزر في البحر الكاريبي. بدأ الهولنديون "هارلم سندروم" (مرض متلازمة هارلم): تركوا الحي بعدما تحسنت أحوالهم. وانتقل بعدهم الى الحي مهاجرون بريطانيون، ثم تركوه بعد أن تحسنت أحوالهم أيضاً. ثم ألمان، ثم فرنسيون، ثم إيطاليون، ثم يهود من شرق أوروبا مع بداية القرن العشرين...

ومع بداية الحرب العالمية الأولى، جاء دور السود. زحفوا بأعداد كبيرة من ولايات الجنوب هرباً من التفرقة العنصرية، ولملء الوظائف التي خلت بتجنيد الجنود في الحرب. وخلال سنوات قليلة خلت هارلم من أي جنس أو لون غيرهم. وانخفض مستوى الحياة فيها، وبرزت المخدرات والجرائم والأسلحة الفردية والقتل. لكن السود بدؤوا ما عرف بـ"عصر نهضة هارلم"، الإنفجار الثقافي والاجتماعي الذي وقع في هارلم. وشملت الحركة أيضاً على أشكال التعبير الثقافي للأميركيين الأفارقة في المناطق الحضرية الجديدة في الشمال الشرقي والغرب الأوسط من الولايات المتحدة التي تأثرت بالهجرة الكبرى التي كانت من أصل إفريقي، والذي كان على رأسها هارلم. واعتبرت نهضة هارلم الولادة الجديدة لفنون الأميركيين الأفارقة، على الرغم من أنها تركزت في حي هارلم وفي حي مانهاتن في مدينة نيويورك. وعموماً، فقد امتدت نهضة هارلم من حوالي العام 1918 حتى منتصف العام 1930، بينما استمرت أفكارها لفترة أطول من ذلك بكثير.

وفي حي هارلم ولد دبليو دوبوي، أول أسود نال الدكتوراه من جامعة هارفارد (كان عنوان رسالته: "كبت الرقيق في ولايات الجنوب"). وفيه ألف لانغستون هيوز قصيدة "زنجي يتكلم عن الأنهار":

عَرِفتُ انهاراً.

عرفت انهاراً قديمة قدم العالم وأقدم من
جريان الدم البشري في عروق البشر.
عميقةً كالأنهار أصبحت روحي.
استحمَّيتُ في الفرات عندما كانت الأفجارُ غضّةً
بَنيتُ عَريشاً قرب الكونغو وهدهدني لأنام
نظرت إلى النيلَ وشيّدتُ الأهرامات فوقه
وبينما كان لنكولن ينحدر صوب اورليانز،
سمعت غناءَ نهر المسيسبي ورأيت حناياه الطينية
تتحول في المغيب ذهبا.
عرفت انهاراً:
قديمة، انهاراً غسقاء.
مما باتت روحي عميقةً كالأنهار (ترجمة عبد القادر الجنابي)....
من وحي هارلم، عزف لوي آرمسترونغ، لحن "احزان الطرف الشرقي" الذي صور حالة السود. وهنا تعلم المغني مايكل جاكسون الغناء. وهنا ولد أسطورة الراب توباك. وهنا ولد كولن باول، أول أسود يصبح قائداً عاما للقوات الأميركية ثمّ وزيرا للخارجية.

وأثار ظهور اسم "سوها" في إعلانات عقارية تيمنا بحي سوهو الراقي في مانهاتن، غضب أدريانو إسبايلات، عضو الكونغرس عن هارلم، الذي تعهد بتقديم مشروع قانون لمجلس النواب لمنع تغيير اسم الحي.

وكتب إسبايلات في "تويتر" يقول: "نحن هارلم! ونرفض أن يطلق على (منطقتنا) أي اسم آخر".

وهارلم ليس الحي التاريخي الوحيد للسود في الولايات المتحدة الذي تسعى شركات العقارات لتغيير اسمه، فإلى الشمال من المنطقة أطلق على بعض الأجزاء من منطقة ساوث برونكس اسم (حي بيانو) في إشارة إلى اشتهارها في السابق بتصنيع البيانو.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها