الإثنين 2017/05/29

آخر تحديث: 12:13 (بيروت)

ترامب، هوليوود، والعرب

الإثنين 2017/05/29
increase حجم الخط decrease
ربما حان الوقت لاعتبار دونالد ترامب ظاهرة، إذا ما اعتمدنا التعريف الدقيق للظاهرة. منذ سنتين وهو تحت أنظار المراقبين والمتابعين، سواء المنبهر بشخصيتهِ "الغريبة الجذابة" أو المناهض لسياستهِ العنصرية الساذجة وطبيعتهِ المُنفرة.

لا تصعب ملاحظة أثره في كثير من الجوانب الحياتية العامة والخاصة، سواء سلباً أو إيجاباً. لقد خلق ترامب بصعودهِ "المتوقع" إلى السلطة مجموعةً من "المفكرين والنشطاء العرب والشرقيين" الذين بدأوا يعلنون عن مواقفهم تجاه التغييرات الحاصلة على مستوى السياسة والاقتصاد. فلم يعد الحديث عن ضرورة صعود الرأسمالية والديكتاتورية والعنصرية أمراً يتوجب التحسس أو الإحراج. لقد تنفس هؤلاء الصعداء بفوز ترامب، وما كان منهم سوى "المجاهرة" بخطاب لا يخلو من لمسة روسية: بأن ترامب جاء نتيجة لسوء سياسة الديموقراطيين والليبراليين. ولو سلّمنا بهذا القول على إنهُ حقيقة وواقع، فهل هذا يبرر دعم العنصرية بأبشع أشكالها المتمثلة في ترامب وإدارتهِ ومن شابهه؟! 

استبشر خيراً بصعود ترامب، الكثير من العرب، المناصرين للنظام الأسدي والمعادين للسعودية ودول الخليج التي يعتبرونها دولاً "داعمة للإرهاب". وهؤلاء ظنوا، في لحظة ما، أنهُ مُخلّصهم مما تمر بهِ المنطقة مما يعتبرونه غَلبة لأموال النفط وشبكات تجنيد "المحاربين" "تحت مسمى الربيع العربي". لكن المشكلة ليست في ما يفكرون بهِ، أو كيف. من حق كل فرد أن يجنحَ إلى الطرف الذي يشعر معهُ بالأمان. وهذه الفئة شعرت أن أمانها كان مع خطاب ترامب، كونهُ توعد علناً، وأكثر من مرة، السعوديةَ والإسلام المتطرف الذي بدأ العالم يحصد خساراتهِ بسبب عملياتهِ الإرهابية المكثفة في السنوات الأخيرة، خصوصاً في سنوات ترشح ترامب وبعد فوزه.

لكن الإرهاب ما زال مستمراً، وهناك احتمال كبير أنه في تزايد وليس في تراجع، بحسب آليات وحيثيات العمليات الإرهابية، وكان آخرها هجوم مانشستر وحافلة أطفال الدير والعمال من الأقباط في المنيا، مصر. فعدا العمليات الإرهابية في مصر، ومن نوعية العمليات التي غالباً ما يتبناها "تنظيم الدولة الإسلامية"، نلاحظ تطور آلية الهجوم وخططه، بحيث يقوم بالعملية شخص واحد، وهو ما يسمى بعملية "الذئب المنفرد" ويحصد ضحايا أكثر في كل مرة! ورغم أن التحقيقات تسير في مجراها لإيجاد الرابط بين منفذ العملية ومَن جنّدوه، لكن النتائج دائماً تأتي سلبية. بعد كل عملية، سواء في أوروبا أو مصر، تُعلن حالة الطوارئ: التقليدية، كما في مصر، أو حالة التأهب الأمني في أعلى درجاته كما في دول أوروبا. مع ذلك، كل هذه الإجراءات لم تمنع الحوادث والهجمات الإرهابية بأشكالها المختلفة، بنتائج لم تكن في الحسبان. فلم يعد حتى نجوم هوليوود بمنأى من هذه الهجمات بعد حادثة مانشستر واستهداف جمهور حفل موسيقي كبير للمغنية الأميركية أريانا غراندي. بعدما شهدتهُ فرنسا من هجمات عديدة صار إقامة مهرجان سينمائي مثل "مهرجان كان" تحدياً كبيراً، وذلك بمضاعفة التواجد والتأهب الأمني. هكذا اختلطت السياسة بالفن، ليس على مستوى العمليات الإرهابية فحسب، بل على مستوى التوجه السياسي للفنانين والرئيس ترامب.

لم أستطع التوصل بالبحث إلى مرحلة مماثلة مرت بها هوليوود بارتباطها سياسياً بالإدارة الأميركية، كما يحدث الآن مع ترامب. إذ لا يكاد تجمع فني أو مهرجان ومسابقة هوليوودية تخلو من خطابات سياسية للفنانين ضد سياسته. وكان حفل الأوسكار الأخير، خير مثال على ذلك. المؤسف في الأمر، فنياً، أن الترابط بين هوليوود وترامب، لم يقتصر على خطاب المبدعين المناهض، بل تعداه إلى تجاوز القناعات الإبداعية، في اختيار الأعمال والميل إلى اختيار نماذج لم تكن بالمستوى الذي تستحق فيه الجوائز. لكن بدا أن اختيارها جاء مناكفة لسياسة ترامب فحسب.

في السابق لم تكن هناك متعة أكبر من مشاهدة أفلام ديزني. لأننا كنا نستقبلها بكل عفوية ونستمتع بالتفاصيل والفن، من دون ملاحظة رسائل مبطنة موجهة للمتلقي. اليوم، وأنا أشاهد "الجميلة والوحش"، وهي تبدأ يومها في قريتها الصغيرة، لم أحس أنني أشاهد إيما واتسن "الجميلة"، بل ملالا! لا أعرف كم من المشاهدين، شعر أن مَشاهد "نضال" الجميلة الداعية لتعليم الفتيات ضد ذكورية قريتها، كانت رسالة مقحمة مستقاة من "نضال" ملالا ضد ذكورية قريتها الأفغانية! كل هذه رسائل إنسانية لا بدّ منها ويجب الإصرار عليها. لكنها كفنّ، في زمن ترامب، باتت مثل الفعل الساذج ورد الفعل الأكثر سذاجة على حساب الفن! خصوصاً إذا أدركنا، أن ترامب بالفعل هو ضد طالبان والمتطرفين، لكنهُ ليس مع نموذج ملالا بالضرورة.

لم يستمر فرح وتفاؤل الفئة "العربية والشرقية" بفوز ترامب، فقد نزعت زيارته للشرق الأوسط مؤخراً، آخر أمل لهم في إحداث تغيير فعلي وحقيقي في الإدارة الأميركية تجاه مطامحهم. ومثلما عودونا منذ الصغر على حفظ كليشيه: أن أميركا لا عدو دائماً لها، ولا صديق دائماً، فقد رسخ ترامب بتحركاتهِ الأخيرة هذا الكليشيه، بشكل لا يقبل الشك: أن أميركا لا عدو دائماً لها ولا صديق دائماً. كنا نعلمُ جميعاً أن زيارة ترامب/الرئيس، وعائلته إلى المملكة السعودية لن تمر مرور الكرام. كانت الأوساط كلها متأهبة لمراقبة الزيارة وتفاصيلها ونتائجها. انشغل العرب بنساء ترامب، زوجتهُ ميلانيا وابنته ايفانكا، اللتين رافقتاه في أول زيارة خارجية رسمية له. انشغلوا بمغازلة ابنتهِ علناً وسراً. بل لجأ كثيرون للتعبير عن هذا الإعجاب بجمال ايفانكا، بعرض تغيير ديانتهم وهدر ثرواتهم من أجل نظرة منها. هكذا استمر "العرب" بين متأرجح بين أيديولوجية "مستوردة"، لا تناسب واقعهم فأضاعتهم، وبين ذكورية لن يتخلصوا منها طالما أن غرائزهم البدائية تتحكم فيهم. فيما انشغل ترامب بمتابعة خطواته في رقصة السيف التقليدية مع الملك وحاشيته، التي جلبت لهُ المليارات في صفقات مختلفة، أعلن عنها في تغريدة له في "تويتر"، مبشراً الأميركيين بمزيد من الرفاهية وفرص العمل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها