الإثنين 2017/05/01

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

عمّال العراق... بأية حال تعود يا عيدهم؟

الإثنين 2017/05/01
عمّال العراق... بأية حال تعود يا عيدهم؟
عمال الورش(عن النت)
increase حجم الخط decrease
من يقرأ قانون العمل العراقي الجديد سيحسد أي شخص يحصل على وظيفة في العراق مهما كان بسيطاً. لما يحويه هذا القانون من مزايا وحماية لجميع العمال والموظفين تكاد تضاهي قانون العمل في الدول المتقدمة. لكن الواقع يقول غير ذلك تماماً. فلا يوجد من هو أكثر بؤساً من العامل العراقي في بلد يُفترض أنه من دول النفط الغنية. 

في ما مضى كانت للعامل مكانته "المعقولة" بسبب طبيعة البلد الصناعية وانتشار المصانع، الحكومية والخاصة منها، في أرجاء المحافظات بخطوط إنتاج مختلفة. مع حرب إيران وحرب الخليج التي تلاها الحصار الاقتصادي، توقف معظم هذه المصانع عن الإنتاج، وأُغلقت وسُرّح العمال إلى مصير غير معلوم. بقي البلد مشلولاً لأكثر من عقد على مستوى الصناعة والإنتاج. فاضطرت فئة كبيرة من العمال للجوء إلى العمل الذاتي أو عمل بالأجر اليومي حسب الطلب.

ويعلم من يعيش الواقع العراقي انه لا قانون واضحاً وفعّالاً بإمكانهِ أن يحمي العمال في هذا القطاع من جشع وقسوة رب العمل. ظهر في تلك الفترة استغلال كبير للأيدي العاملة، ابتداء من زيادة ساعات العمل، وصولاً إلى قلة الأجور مقارنة بساعات العمل وصعوبته. عاش الفرد العراقي لسنوات كثيرة معتمداً في الغالب على الوظائف الحكومية أو التجارة أو أعمال حرة والفلاحة والانخراط في المنظومة العسكرية، بحيث مرّ زمنٌ على البلد عانى فيه من نقص اليد العاملة، خاصة في الثمانينات، مما دفع الحكومة وقتها إلى جلب ما يقارب أربعة ملايين من الأيدي العاملة، كان معظمهم من مصر. وبعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، وجد العراقي نفسه في مواجهة وضع جديد على مستوى العمل. فلم يستغرق الشعور بالسلام أكثر من سنة حتى وقع غزو العراق للكويت وما تبعهُ من حرب وضرب البنى التحتية وفرض الحصار الاقتصادي الذي شمل حتى الدواء وأغذية الأطفال، والتضخم الذي عانى منه الاقتصاد واستمر حتى يومنا هذا. فلم يعد بإمكان العامل العراقي أن يعيش من وظيفتهِ، وفي الوقت نفسه لا يستطيع تركها بسبب قانون التقاعد الذي غالباً لم يكن يشمل من يعمل بالعقد أو القطاع الخاص. بالرغم من أن هذه البنود لحماية العمال موجودة لكنها لم تكن فعّالة يوماً. رب العمل في القطاع الخاص يستطيع الاستغناء عن موظفيه من دون أن يستطيعوا سؤاله أو مقاضاتهِ. وفي الغالب لا يقدم أسبابه في تسريح العمال ولا يقدم تعويضات في حالات إصابات العمل. وهو ضمان وحق لكل عامل وموظف في معظم الدول القانونية. أما عندما يفقد العامل وظيفته، فلا يجد الخيار المناسب والامتيازات التي يتمتع بها عمال دول عديدة في العالم، وهو ضمان المعيشة لحين إيجاد عمل آخر. فضلاً عن تمييز القانون والامتيازات من قطاع عمل إلى آخر.

ومنذ ذلك الحين، اختفت وظائف وصفات كثيرة للعامل، فلم نعد نشاهد ساعي البريد وهو يقود دراجته الهوائية يوزع الرسائل والطرود في الأحياء. لم نعد نصادف طوابير العمال والعاملات وهم يقصدون المصانع، خاصة معامل النسيج والسجاد والغذاء، مبكراً، ليفتتحوا يومهم بصوت آلات وفّرت لنا الكثير من الأغطية والملابس والطعام. لم نعد نصادف عمال معمل الألبان والخبز وهم يطوفون بسياراتهم في الأحياء لبيع منتجاتهم بأسعار تعاونية. لم نعد نصادف عمّال البلدية في الفجر وهم يغسلون الشوارع من ثقل الليل، وإذا صادفنا عامل نظافة على الرصيف سنراه مطأطأ الرأس غارقاً في همومه اليومية وخوفهِ المشروع في مصادفة الموت في أي لحظة بسبب غياب الأمان.

1 أيار عيد العراقيين
فتح جيلي والجيل الذي قبلنا عيونهم على احتفالات يوم العمل، أو عيد العمال، وكان هذا اليوم هو عيد الجميع لما كان فيه من بهجة حقيقية وراحة واطمئنان إلى أنه ما زالت في البلد سواعد تعمل في بنائهِ. رغم حساسية الكثير من العراقيين من المناسبات الوطنية الرسمية نظراً إلى ارتباطها بحكم ديكتاتوري مُتمثل بشخص صدام وحزب البعث، إلا أن استقبال غالبية العراقيين لهذا اليوم كان استثنائياً. كانت تقام احتفالات وكرنفالات ضخمة ومسيرات في معظم مراكز المدن. وهذا يعود لسبب معروف، وهو علاقة الشخصية العراقية بالشيوعية والنظام الاشتراكي بعد إسقاط الحكم الملكي في الخمسينات. لكن هذه العلاقة لم تستمر، وفترت مع مرور الزمن، لأن الطبقة العاملة أصبحت، بشكل ما، عالة على المجتمع بسبب البطالة والبطالة المقنعة التي أصبحت متفشية في السنوات الأخيرة بسبب تراجع التعليم وانعدام تطوير الخبرات وغياب الإنتاج.

الملاحظ أيضاً أن العامل العراقي لا يعرف معظم حقوقه التي ينص عليها قانون العمل بسبب عدم اطلاعهِ أو يأسهِ من تفعيل هذه القوانين. وهذا الجهل أعطى فرصة للقطاع الخاص في استغلال الموظفين والاستغناء عنهم من دون أسباب قانونية ومن دون تعويضات. وهذا ما يتعرض له معظم الشباب الباحث عن أعمال تناسب خبراته، وهي في الغالب متوافرة في القطاع الخاص، بعد تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد مفتوح. وما زال دور الحزب الشيوعي العراقي مع العمال، من أكثر الأدوار وضوحاً، نظراً لاتساق أفكاره ومبادئه مع عوالم هذه الطبقة، لكن مع الأسف فإن المؤشرات الواقعية تقول أن هذا الدور كان وما زال رهن شعارات وهتافات لا جدوى منها.

حتى الأجانب...

كان العراق، حالهُ حال البلدان الناهضة بالعمران والصناعة، وكان يستعين بخبرات الشركات الأجنبية التي سبقتنا في التقدم والعمران عقوداً كثيرة. كان من الطبيعي جداً أن نجد عمالاً أجانب من شركات أوروبية أو آسيوية منتشرين في أرجاء المحافظات لإقامة وانجاز مشاريع الاعمار والاسكان. وكانت هذه الطبقة تأتي بعقود قانونية، مبرمة بينها وبين الحكومة العراقية، وفق قوانين عمل بلاد الشركات في الغالب. فلم يكن هناك خوف من استغلالهم أو وضعهم في ظروف معيشية صعبة أو دفع أجور غير متفق عليها. وهذا ما لا يحدث الآن مع معظم الأيدي العاملة الأجنبية، خاصة تلك الآتية من الدول الفقيرة، مثل بنغلادش وبعض مناطق الهند وباكستان، وعلى نفقتهم الخاصة. فقد شهد العراق خلال السنوات الأخيرة، انتهاكات واضحة في حق العامل الأجنبي، خاصة في كردستان العراق، ووصل الأمر إلى موت العمال في ظروف معيشية غير آدمية. ظهرت تجارة الأيدي العاملة الأجنبية مع انفتاح الاستثمار الخاص على كل المستويات. ومعظم هؤلاء المستثمرين هم من المتنفذين في مفاصل الدولة ومؤسساتها. وغالباً ما ينجحون في الإفلات من العقاب في حال حدوث انتهاك. لم تعد الدولة مسؤولة مباشرة عن استيراد الأيدي العاملة، بل أصبحت بحكم قانون الاستثمار هو من شأن مكاتب خاصة تعمل على توفير عقود عمل ومنح فيزا مقابل آلاف الدولارات التي يدفعها العامل الأجنبي لهم.

وبعد أن يصل العامل إلى العراق، يتخلى عنهُ صاحب المكتب ويتركه يواجه مصيره المجهول في بلد أصبح استهلاكياً غير منتج ينخرهُ سوس الكسل والجشع. وهذا أمر يتركنا أمام تساؤل مُلّح حول الاقتصاد وقانون العمل: هل العراق بوضعه الحالي وبغياب سيطرة الدولة على المؤسسات الخاصة وعدم تفعيل القوانين، بلد مناسب لممارسة الاقتصاد المفتوح واعتماد الخصخصة؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها