السبت 2017/04/08

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

في البداية كان عبد الحليم.. شبانة

السبت 2017/04/08
increase حجم الخط decrease
في الذكرى الأربعين لرحيل عبد الحليم حافظ، عاد الحنين إلى "الزمن الجميل" الذي يختزله العندليب الأسمر بأغانيه الرومانسية، وتناول العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مسيرة هذا الفنان الذي بدأ مشواره العام 1951، وصعد بسرعة الصاروخ، وبات "مطرب 1955"، ونجم الستينات المتألّق.


في خريف 1953، خصصت مجلة "الكواكب" كعادتها في كل عام صفحتين للوجوه الجديدة، وحضر اسم عد الحليم حافظ ضمن هذه الوجوه، مع بطاقة تعريفية تقول: "من مواليد يونيو سنة 1929، هوى الغناء في سن مبكرة والتحق بقسم الآلات بمعهد الموسيقى. اكتشفه الأستاذ كمال الطويل فقدمه إلى الأستاذ حافظ عبد الوهاب، وقدمه حافظ عبد الوهاب إلى الأستاذ محمد عبد الوهاب. رياضته المفضلة البين بون (كرة الطاولة)، أحب المطربين إليه أم كلثوم وعبد الوهاب، وأحب الممثلين محمود المليجي وفاتن حمامة وجيمس ماسون وانغريد برغمان. سيظهره عبد الوهاب في فيلمه القادم الذي يبدأ تصويره في أكتوبر".

في الواقع، بدأ عبد الحليم حافظ مشواره باسمه الحقيقي عبد الحليم شبانة. درس في قسم التلحين التابع لـ"معهد العالي للموسيقى المسرحية"، وكان أحد خريجي الدفعة الأولى مع كمال الطويل، وأحمد فؤاد حسن وعلي اسماعيل، وعمل مدرساً للموسيقى بعد تخرّجه طوال أربع سنوات، ثم ترك التدريس ليلتحق بفرقة الإذاعة كعازف على آلة الأوبواه، غير أنه عاد وترك العزف ليحترف الغناء، وانطلق من خلال الإذاعة المصرية. إستعاد الدكتور نبيل حنفي مؤخرا هذه البدايات إنطلاقاً من جداول مجلة "الاذاعة"، وقدّم جدولاً بعناوين أغاني عبد الحليم شبانة التي ضاع أغلبها. بُثّت أولى هذه الأغاني في آذار-مارس 1951 ضمن حلقة من برنامج "ركن الأغاني الخفيفة"، وهي من كلمات محمد متولي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وعنوانها "يا ساكن وادي الأوهام". وتبعتها أغنيات أخرى ضمن هذا الركن في الأسابيع التالية، ثم تحوّل اسم عبد الحليم شبانة إلى "عبد الحليم حافظ" في حزيران-يونيو حيث غنّى المطرب الشاب من كلمات إبراهيم رجب وألحان كمال الطويل أغنية بعنوان "شكوى"، ونشرت المجلة بهذه المناسبة صورة له مع تعليق ينوّه بالأغنية الجديدة.

في صيف 1952، أبعد "الضباط الأحرار" الملك فاروق عن البلاد بعد تنازله رسميا عن العرش لصالح ولي عهد الأمير أحمد فؤاد، وأدار أمور الدولة "مجلس قيادة الثورة" المؤلف من ثلاثة عشر ضابطاً يرأسهم اللواء محمد نجيب، ثمّ ألغيت الملكية، وأُعلنت الجمهورية في الثامن عشر من حزيران 1953. خلال هذه الفترة المتقلّبة، عرفت الإذاعة مرحلة انتقالية خضعت فيها إلى رقابة من نوع جديد. في عدد من مجلة "الفن" يعود إلى نهاية آذار 1953، نقع على خبر يقول: "ألغت اللجنة جميع الأغاني العاطفية للمطرب عبد الحليم حافظ وعددها عشرين أغنية. وقد بكى عبد الحليم حافظ عندما علم بهذا القرار الذي قضى على كل ثروته الغنائية". تجاوز المطرب الشاب هذه النكبة، وواصل مشواره في الإذاعة المصرية، كما سجّل أعمالاً لحساب "محطة الشرق الأدنى"، ومنها "بتقوللي بكرة" و"صافيني مرة" و"يا ظالم" من ألحان محمد الموجي، وقصيدة "لقاء" من ألحان كمال الطويل.


في خبر يعود إلى مطلع 1954، قالت مجلة "الفن" أن محمد عبد الوهاب "قدّم الملحن الموجي تقديما جميلا، وقال إنه في امكانه أن يخرج إلى المحيط الفني الواسع إذا تخلّى عن إصراره على تلحين أغاني عبد الحليم حافظ وحده". وفي أيار-مايو، عادت المجلة، ونقلت خبرا يقول إن "محطة الشرق الأدنى" تعاقدت مع عبد الحليم لتسجيل وصلتين غنائيتين، "وقد تعهّد محمد بعبد الوهاب بتلحين وصلة واحدة منهما"، ويبدو أن هذا التعاون لم يتمّ. في نهاية ذلك العام، تحدّث الفنان الشاب إلى مجلة "أهل الفن" وقال: "قالوا انني تلميذ الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأنا أقول أن كل فناني العصر هم من مدرسة عبد الوهاب، وليس لعبد الوهاب أي فضل عليّ، فهو لم يقدّمني لأغنّي، بل استمع إليّ وأنا أغني وأعجب بي، ولم يحاول أن يلحّن لي مرة شيئاً ممّا أغني، بل فرضت موسيقى ألحاني، واندهش عبد الوهاب عندما عرف ان الذين يقدّمون هذه الموسيقى هم أيضاً لم يقدّمهم أحد، وليس لأحد أي فضل عليهم ليتقدّموا، لكن الجمهور كان دائما يدفعهم إلى الأمام بتشجيعه وتقديره لهم".

ارتبط اسم عبد الحليم بأسماء ملحنين من جيله، أبرزهم كمال الطويل ومحمد الموجي، وبات "نجم اليوم والمستقبل" كما قيل في مطلع 1955. جذب هذا النجاح منتجي الأفلام السينمائية، فظهر العام 1955 في أربعة أفلام، وهي بحسب تسلسل تاريخ عرضها "لحن الوفاء"، "أيامنا الحلوة"، "ليالي الحب"، ثم فيلم "أيام وليالي". في الفيلم الأول، غنى عبد الحليم من ألحان كمال الطويل "على قد الشوق" و"لا تلمني"، ومن ألحان الموجي "أحن إليك"، ومن ألحان حسين جنيد "احتار خيالي"، كما غنى مع شادية "تعالى أقولك" من ألحان منير مراد، و"أوبريت لحن الوفاء" من ألحان رياض السنباطي. وحمل الفيلم الثاني، ثلاث أغنيات من تلحين كمال الطويل، هي "الحلو حياتي"، "ليه تشغل بالك ليه"، و"هي دي هي"، إضافة إلى أغنية من تلحين الموجي، وهي "يا قلبي خبي". وضمّ الفيلم الثالث لحنَين لكمال
الطويل: "حلفني" و"كفاية نورك علي"، ولحناً للموجي: "أقول ما أقولش"، ولحناً لمحمود الشريف: "يا سيدي أمرك"، ولحناً للسنباطي: "فاتوني". شكّل الفيلم الرابع بداية للتعاون المثمر بين عبد الحليم وعبد الوهاب، وضمّ خمسة ألحان بديعة: "توبة"، "انا لك على طول"، "عشانك يا قمر"، "شغلوني" و"إيه ذنبي أيه".

في خريف 1955، نشرت "الكواكب" من جديد صورة عبد الحليم مع "الوجوه الجديدة"، وكتبت في التعريف: "كثيرون من الناس يعتبرون أنه قد التقى بالمجد من أول أغنية غناها، ومن أول فيلم ظهر فيه، ولكننا نرى أنه لم يصل بعد إلى ما نتوقّعه له من نجاح وشهرة، فهو ما زال صغير السن وأمامه مجال واسع لبلوغ غاية بعيدة من السمو في عالم الفن بشرط أن يبتعد عن الغرور".


واصل عبد الحليم صعوده إلى قمة المجد في العام التالي، وقام بدور البطولة في فيلمين جديدين: "موعد غرام"، ثمّ "دليلة". في آذار-مارس، أجرت مجلة "الشبكة" حواراً مطوّلاً مع "مطرب العام 1955"،  وكتب أمين عبد المؤمن في مقدّمة هذا الحوار: "كنت أعلم وأنا في طريقي إليه أنني مقبل على مطرب تعجب العذارى بصوته، وتبكي حتى النساء اللواتي وصلن إلى سن اليأس من أنينه، وتحفظ بنات المدارس أغانيه كما يحفظن جدول الضرب". رأى النجم الصاعد أن كمال الطويل هو من أخذ بيده وذهب به إلى الإذاعة حيث غنّى معه لوناً ونوعاً جديداً من الألحان. بعدها، كان اللقاء مع الموجي، ومعه أحس بتجاوب الناس معه. ثم جاء حافظ عبد الوهاب الذي رعاه في الإذاعة وهيّأ له فرصاً كثيرة، وتبعه الشاعر كامل الشناوي، أوّل من كتب عنه وسجّل مولده كفنان. في المقام الخامس، جاء عبد الوهاب الذي اثر بصوته وفنه في تكوين شخصيته، وهو المطرب الوحيد الذي تأثّر به.

أحدث عبد الحليم في العام 1955 "ثورة" في عالم الغناء كما كتبت الصحافة، ورأى أنصار الغناء القديم في هذه الثورة خروجاً صارخاً على الغناء الأصيل. بعد أكثر من عشر سنوات، استعاد أحمد أبو الخضر منسي هذه المقولة في كتابه "الأغاني والموسيقى الشرقية"، وفيه شنّ هجوماً لاذعاً على عبد الوهاب الحديث، وعلى المغنّين المحدثين "الذين فازوا برضى جمهورنا"، وعلى رأسهم عبد الحليم حافظ الذي "لهج بغنائه العامة، وتتبّعته قلوب الفتيات والنساء". رأى الكاتب أن عبد الحليم "صوت عادي فاتر بارد هزيل، عار من الحسن، فاقد اللين والحلاوة"، وأنه "يتكلّم بصوته ولا يغني، كمن أدركه كلل وإعياء، إلا ما وُسمت به أغانيه من الخلاعة والتخنّث".

نجحت الثورة التي أحدثها عبد الحليم، وسيطر بفضلها على ساحة الغناء في النصف الثاني من الخمسينات، وتربّع على عرش الغناء الرومانسي في الستينات، وحجب نجمه العديد من الأصوات القديرة التي ظهرت من قبله من بعده. حافظ النجم على تألّقه في سنواته الأخيرة قبل رحيله المبكر عن هذه الدنيا، وترك سلسلة طويلة من الأغاني لا تزال حية في الذاكرة والوجدان، وهو اليوم وجه من أبرز وجوه هذا "الزمن الجميل" الذي يحنّ الكثيرون إليه، مع أنّه ولّى وانقضى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها