السبت 2023/06/24

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

الأميرة المسجونة في برج لا يصِله رجل

السبت 2023/06/24
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "نابولي في باريس"، يعرض متحف اللوفر، حتى مطلع العام المقبل، مجموعة من ستين لوحة تعود إلى متحف كابوديمونتي، أشهر متاحف نابولي وأعرقها. تجمع هذه المجموعة لوحات تحتلّ موقعاً رفيعاً في ميدان الفنون الكلاسيكية، منها ثلاث زيتيات تمثّل قصصاً ميثولوجية، وهي "داناي" بريشة تيتسيانو، "آتالانتا وهيبومينيس" بريشة غويدو ريني، و"ابولون ومارسياس" بريشة خوسيه دي ريبيرا.

في لوحة تيتسيانو، تحضر صبيّة حسناء عارية تتمدّد على فراش أبيض وثير، محدّقة باتجاه الأعلى. يخرق الأفق المتلبّد وميض لامع، تتساقط منع قطرات لامعة فوق الصبية. وعند الطرف الآخر من الفراش، يقف طفل عار مجنّح يحدّق كذلك باتجاه هذا الوميض، حاملاً بيده اليسرى قوساً صغيراً، رافعاً ذراعه اليمنى، وباسطا راحة اليد، في حركة تعبّر عن الدهشة. يقف هذا الطفل فوق ملاءة حمراء تشكّل غطاءً للفراش كما يبدو، ومن ورائه، ينفتح الأفق على منظر طبيعي مكوّن من سهل أخضر وبحر أزرق تعلوه سماء صافية.

الحسناء العارية هي داناي، أميرة آرغوس التي سجنها أبوها الملك في برج لا يصل إليه رجل، خوفا من أن تحبل بحفيد يغتاله وفقا لما جاء في الوحي. غير أن زيوس، سيّد الآلهة والبشر، تخطّى كل عائق، وفاجأ الأميرة الأسيرة بمطره الذهبي الخصب، فحبلت منه، وولدت بيرسيوس، البطل الذي وصفه هوميروس في الكتاب الثاني من الإلياذة بـ"المتفوّق على البشر كلّهم" (14، 320). والطفل المجنّح الذي يقف في الجانب المقابل من داناي هو كيوبيد كما يُستدلّ من القوس الذي يحمله، وكيوبيد هو إله الحب الروماني الذي عُرف في العالم اليوناني باسم إيروس، وهو صاحب السهام التي كان لها تأثير سحري على كل من تصيبه، يجعله يقع في حب جارف لا خلاص منه.

استعاد تيتسيانو هذه القصة في عدة زيتيات، وصلنا منها ستة تتبنّى تأليفاً واحداً جامعاً، واللوحة المحفوظة في نابولي أقدم هذه اللوحات، وهي تعود إلى الفترة الممتدة بين 1544 و 1546، وتتميّز بحضور كيوبيد الذي يغيب عن الزيتيات الخمس الأخرى، تاركاً مكانه لخادمة متقدّمة في السن تهبّ لالتقاط الذهب المتساقط فوق جسد داناي النضر.

آتالانتا وهيبومينيس
في لوحة غويدو ريني التي أُنجزت بين 1620 و1625، يحضر شاب أمرد عار يتقدّم نحو الأمام وهو يلتفت برأسه إلى الوراء، متطلّعا باتجاه صبية حسناء عارية تنحني من خلفه، وهي تمدّ ذراعها اليمنى باتجاه الأرض لتلتقط ثمرة ذهبية صغيرة، حاملةً بيدها اليسرى ثمرة أخرى مشابهة. والصبية هذه هي آتالنتا، ابنة ايازوس ملك آركاديا. بحسب الرواية المتوارثة، كان هذا الملك يرغب بشدة في أن يكون له أطفال من الذكور، وعندما ولدت له زوجته آتلانتا، اغتاظ من ولادتها، فألقاها على قمة جبل لتموت، غير أن الربّة آرتميس حمتها، وأرسلت دُبّة لترضعها، فبقيت تحت رعاية الدببة، وحين كبرت وجدها بعض الصيادين، فدرّبوها لتكون صائدة ممتازة.

عُرفت آتالنتا بمهارتها في الصيد، كما عُرفت بسرعتها العجيبة في الجري، ولعدم رغبتها في الزواج، وضعت شرطاً على كل من يريد أن يقترن بها، وهو أن ينافسها في الركض، فمن سبقها تزوجته، ومن فشل في ذلك يُقتل. هام بآتالانتا أمير مقاطعة بيوتيا اليونانية، ويُدعى هيبومينيس، فقبل التحدّي، وذهب ليسابق آتالنتا، وساندته في هذا السباق الربّة أفروديت، فألقت تباعاً ثلاث تفاحات ذهبية أمام آتالنتا خلال المبارزة، فانحنت الأميرة لتلتقط تلك التفاحات، وأدّى ذلك لخسارتها للسباق وزواجها من هيبومينيز.

في الكتاب العاشر من ديوان "التحوّلات"، استعاد أوفيد هذه القصة ونظمها شعراً. بحسب هذه القصيدة، انجذبت العذراء "بالتفاحة المتوهّجة، والتقطت الذهب/ الذي يتدحرج على الأرض/ فتجاوزها هيبومينيس"، غير أنها عادت و"استدركت بقفزة سريعة/ الزمن الذي أضاعته بوقفتها هذه". و"تأخّرت مرة ثانية بتفاحة/ رُميت أمام قدميها/ لكنّها لحقت به وتجاوزته كذلك". ويبدو أن لوحة غويدو ريني تصوّر تحديداً هذا المشهد من القصة، حيث تحمل الفاتنة العذراء تفاحة بيد، وتنحني لتلتقط بيدها الأخرى تفاحة ثانية مماثلة.

أبولون ومارسياس
نصل إلى لوحة خوسيه دي ريبيرا، وهي من نتاج 1637، وتمثّل شاباً أمرد يتطلّع باتجاه رجل عار قيّد مصلوباً على الأرض. إلى جانب هذا الرجل المقيّد، تحضر قيثارة ملقاة على الأرض، وفي الطرف الخلفي من الصورة، يظهر ثلاثة أشخاص يتابعون الحدث وهم يندبون. الشاب العاري هو ابولون، إله الشمس وربّ الموسيقى، وهو من كبار الآلهة، وأحد أسياد الأولمب الاثني عشر. والرجل المقيّد أرضا هو "مارسياس السيلينوسي الذي تقول عنه أسطورة فريجية أن أبولون سلخ جلده ونشره معلّقا في ساحة السوق"، كما كتب هيرودوت في الكتاب السابع من موسوعته التاريخية.

كان مارسياس من فصيلة الساتير التي تتميّز بذيل وأذني الماعز، وعثر خلال تجواله في الحقول على ناي صنعته الربة أثينا، فتحدّى ابولون الذي استهر بقيثارته التي لا تفارقه، وتنافس معه في مسابقة موسيقية، "وعندما خسر المباراة في العزف أمام أبولون أُنزل به العقاب"، كما روى أوفيد في الكتاب السادس من "التحوّلات". "صرخ مارسياس قائلا/ لماذا تقتلعني من نفسي/ آه وندماه/ آه لا يستحق الناي أن أدفه هذا الثمن الباهظ/ وعلى الرغم من صرخاته/ سُلخ جلده عن جسمه كله/ ولم يعد إلا جرحاً/ يسيل دمه من جميع الجهات".

تستعيد اللوحة هذا المشهد، الذي يتابعه ثلاثة أشخاص وهم يندبون بوجل. ويمثّل هؤلاء "آلهة الأرياف، آلهة الغابات/ والستير اخوته" الذي بكوا جميعاً مارسياس، كما كتب أوفيد. "وبكاه معهم جميع الرعاة"، ومن دموعهم وُلد نهر، و"هو النهر الذي يُسمّى مارسياس/ اصفى الأنهار في فريجيا".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها