الإثنين 2017/03/27

آخر تحديث: 15:02 (بيروت)

"موصل الجديدة" مأساة جديدة

الإثنين 2017/03/27
"موصل الجديدة" مأساة جديدة
الدمار في الموصل (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

منذ بدء المعارك في الساحل الأيمن من مدينة الموصل، كانت صعوبتها وتزايد الخسائر متوقعاً فيها، مقارنة بمعارك الساحل الأيسر. وذلك لأسباب عديدة تم تناولها في مقال سابق عن خصوصية هذا الساحل. بالإضافة إلى الحصار الداخلي الذي فرضهُ داعش على السكان وعدم السماح لهم بالخروج منه، فالمعارك تحصل في الأحياء المكتظة بالسكان. معظم هذه الأحياء قديمة، وتعتمد البناء الشرقي في بيوتها المتراصة بعضها بالبعض. مما يجعل استهداف أكثر من بيت بضربة واحدة، سهلة، ومحتملة وإيقاع أكبر عدد من الضحايا. ولسوء حظ سكان حي "موصل الجديدة" أن غالبيتهم تجمعوا في مكعب سكاني واحد، بعدما أفرغ داعش بعض البيوت لاتخاذها كمراكز دفاعية ضد الهجمات وكذلك نشر القناصة على الأسطح.

وهذا ما تسبب بمجزرة حقيقية وقعت في الحي قبل أيام باستهداف المدنيين بضربة جوية نفذتها الطائرات الأميركية. راح ضحية هذه العملية أكثر من مئة شخص الى حد الآن. بحسب شهود العيان من سكان الحي هناك العشرات من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال...

تباينت إحصائيات الضحايا من وكالة عالمية إلى أخرى، ومن ومصدر محلي إلى آخر. وصلت بعضها إلى أكثر من مئتي شخص. وما يؤكد وقوع هذه المجزرة ومقاربة إحصائيات الضحايا للواقع هو متابعة الوكالات العالمية المعروفة عبر مراسليها المتواجدين على أرض الحدث. تلك الفرق الأجنبية التي ترافق القوات العراقية المشتركة وقوات التحالف منذ البداية، فلَم يستطع الجانب العراقي أو الأميركي إنكار الواقعة لأنها وِثقت بالصوت والصورة. فيما يحاول الجانب الأميركي التملص من مسؤوليته المباشرة عن الحادث بتصريحه أنهم قصفوا الهدف بناء على طلب عراقي. وهذه أكثر جزئية محيّرة في الموضوع. فكيف تقوم القوات الأميركية بتنفيذ عملية واستهداف موقع بحسب طلب عراقي دون التأكد بأجهزتها "الذكية" من تفاصيل الهدف؟

 

تعلمُ القوات العراقية والتحالف سياسةَ داعش جيداً باتخاذ المدنيين كدروع بشرية، ومع ذلك تصرّ هذه القوات اللجوء إلى القصف الجوي المكثف، الذي يبدو أنه عشوائي وفقاً للنتائج، كحلٍّ بديل للمعارك على الأرض.

معروف جيداً أن حرب الشوارع والمُدن، هي من أصعب الحروب ويكون المدنيين عرضة للخطر فيها أكثر من أي حرب أخرى. ولكن وعبر سلسلة معارك مشابهة في البلد، لم يثبت أن القصف الجوي هو الخيار الأمثل لمحاربة الإرهاب. لم ننسَ بعد ما حدث في معارك الفلوجة عام 2004، وكيف ما زال المدنيون يعانون من آثار الهجمات بالصواريخ المحملة بالاشعاعات. ومع خراب المدينة وتسويتها أرضاً في بعض مناطقها لم يمنع القاعدة/ داعش من إعادة تنظيمهم مرة ثالثة ورابعة بعد ذلك!

المؤسف في الأمر أن تأتي بعض الأصوات العراقية، التي تعتبر نفسها ناشطة في مجال الحقوق والحريات، مقللةً من شأن الواقعة وتقارن عدد الضحايا بضحايا "مجازر" أخرى وقعت في العراق. أو تحاول أن "تسّفه" من أخطاء القوات العراقية وقوات التحالف العسكرية المتكررة، وإحالة سبب وقوع عدد كبير من الضحايا إلى سياسة داعش، المعروفة مسبقاً!

وكأن تحديد أهمية مجزرة متوقفة على عدد الضحايا أو بمن ارتكبها.

رغم أن القوات العراقية والتحالف صرحت بفتح تحقيق في الحادث، لكن يبدو أن ثمة قصوراً في الأوساط العراقية والعالمية في فهم كيف يعمل عناصر داعش. وأنّ خيار القصف الجوي ليس الحل دائماً في محاربة مجاميع يائسة لا خيار لهم سوى القتال إلى آخر نفس مهما كلفهم من ضحايا. داعش لا يهمه عدد الضحايا من المدنيين، بل يعتبر أنه يخدم أجندتهم. ويبدو أن القوات المشتركة بحاجة إلى خطة عسكرية محكمة تفوق توقعات داعش لتقليل الخسائر بين عناصرها والمدنيين.

الساحل الأيمن لا يعاني فقط من القصف والقذائف ورصاص القناصة، بل من الجوع وشحة المياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية أيضاً، بسبب الحصار المفروض عليه. وهناك احتمالية وقوع حوادث مماثلة أو مجاعة أو انتشار وباء مع تهدّم بيوت كثيرة واضطرار أكثر من عائلة إلى التجمع في بيت واحد، إن طالت المعارك أكثر من هذا.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها