الجمعة 2017/03/10

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

مقاطعة إسرائيل: معضلة الحريات الأكاديمية

الجمعة 2017/03/10
مقاطعة إسرائيل: معضلة الحريات الأكاديمية
فلسطين اسماعيل شموط
increase حجم الخط decrease
وقع أكثر من 250 أكاديميا وأستاذا جامعيا بريطانيا، بيانا يدين التعدي على حرية التعبير في الجامعات البريطانية، نهاية الشهر الماضي، بعد أن تدخلت إدارات ثلاث جامعات إنكليزية، لمنع فاعليات طلابية متعلقة بأسبوع مقاومة الإبرتهايد الإسرائيلي، الذي انطلق يوم الأحد الماضي.

ففيما امتنعت جامعة "إكستر" عن التصريح بإقامة الفاعلية التي نظمتها جمعية أصدقاء فلسطين، لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة، ورفضت جامعة "لندن" التصريح لفاعلية مماثلة، لأسباب إدارية تتعلق بموعد تقديم الطلب الذي فشل المنظمون في تقديمه في الوقت المناسب، بحسب إدارة الجامعة، ومنعت جامعة "سنترال لانكشير" إقامة فاعلية عن الحقوق الفلسطينية وحملة المقاطعة ضد إسرائيل، لأسباب تتعلق بمحتوى الفاعلية، الذي وصفها بيان الجامعة بأنها تخالف تعريفا جديدا لمعاداة السامية، وبالتالي ستكون غير قانونية. يشير بيان الجامعة إلى تبني الحكومة البريطانية مؤخرا لتعريف التحالف الدولي للهولوكوست، لمعاداة السامية، والذي بحسبه يمكن وصم معاداة إسرائيل والإحتلال والدفاع عن الحقوق الفلسطينية بمعاداة للسامية.

يأتي تبني حكومة المحافظين للتعريف الجديد لمعاداة السامية، كخطوة إضافية للتضييق على حملة مقاطعة إسرائيل، بعد أن مررت قانونا يمنع السلطات المحلية، من مقاطعة منتجات وخدمات الشركات الإسرائيلية العاملة في الأراضي المحتلة العام الماضي. لكن حركة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل في بريطانيا تعاني معضلات أسبق على تحركات الحكومة الأخيرة. فمنذ تأسيس إتحاد الجامعات والمعاهد البريطاني ( يو سي يو) عام 2007، صوت كونغرس الإتحاد، بأغلبية كبيرة، في كل مؤتمراته السنوية، على قرار بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، لكن القرار كان دائما ما يعطل من قبل اللجنة التنفيذية للاتحاد، لأسباب قانونية، وتعارضِه مع ما قيل أنه مبدأ الحرية الأكاديمية والحياد السياسي للجامعة.


 يتحاجج معسكرا النقاش حول مقاطعة إسرائيل، في الوقت نفسه، بمبدأ الحرية الأكاديمية، لتدعيم مواقفهما المتعارضة. فالرافضون لتبني الحكومة للتعريف الجديد لمعاداة السامية، وتوجيهها للجامعات للسيطرة على فاعليات مقاطعة إسرائيل، يرونها تعديا سافرا من طرف الحكومة على حرية التعبير داخل الحرم الجامعي، وتقييدا لقدرة الأساتذة والطلبة على الإعلان عن مواقفهم السياسية والأخلاقية في ما يخص قضية محل جدل. أما المعسكر الرافض للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، فأن خلافه مع المؤيدين لها، لا يتوقف عند تعريف معاداة السامية، بل والأهم تعريف الحريات الأكاديمية نفسها. فبالنسبة لهم، يتطلب البحث الأكاديمي والعلمي، حيادا سياسيا، أي أنه وإن كان من حق العاملين في الحقل الأكاديمي أن يعبروا عن آرائهم السياسية، فإن تلك المواقف يجب ألا تؤثر على عملهم وتعاونهم البحثي، وبالتالي، لا يجوز مقاطعة مؤسسات علمية وأكاديمية بعينها، أو منح غيرها تفضيلا ما، بناءا على مواقف سياسية. لا يعدم أصحاب ذلك التعريف، منطقا برغماتيا أيضا، فمهمة الأكاديمي تتطلب تحررا من الحاجة للتقييم الأخلاقي للأنظمة السياسية في العالم، وإلا لأصبح واجبا على الأكاديميين البريطانيين مقاطعة المؤسسات الأكاديمية البريطانية نفسها، بالإضافة لقائمة طويلة من الدول المتورطة حكوماتها في انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي.  


وبين الحرية الأكاديمية بوصفها تحررا من السياسة، وبين تعريفها كقدرة على ممارستها وتحررا من القيود المفروضة عليها، يتبدى جوهر الأشكالية، والتي ترجع إلى منطق أشمل لتقسيم المجالات في المجتمع الحديث، يتعدى الأكاديميا، ليشمل المهني، والديني، والإبداعي، والرياضي، وغيرها، وفصلها بعضها عن بعض، وعن السياسة بالأخص. فعلى الرياضة ألا تتداخل مع السياسة، وعلى الدين أيضا ألا يختلط معها أو مع المهني أو الأكاديمي مثلا، وهكذا. لا يقتصر وجود تلك التقسيمات على المستوى النظري، فالقوانين والقواعد المنظمة لعمل المؤسسات المهنية والأكاديمية والرياضية وغيرها، تفرض تلك التقسيمات لتعيين حدود كل مجال بشكل منفصل وإخضاعها جميعها للسياسي ضمنيا.

لكن ما تكشفه أزمة الحريات الأكاديمية البريطانية الأخيرة، هو أن حدود تلك المجالات، ليست نهائية ولا ثابتة، وأن غلبة السياسي فيها على غيره ليست مطلقة، وأن تلك الحدود هي موضوع لصراع دائم بين المنتمين لمجالاتها، وعمليات شد وجذب مستمرة لحفظ توازنات كلا من البرغماتي والأخلاقي فيها، كان لها في حالاتنا هذه، أن تتخذ قضية فلسطين كمحور لإثارة أسئلة الحريات الأكاديمية وحدودها، في بريطانيا وخارجها أيضا. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها