السبت 2017/12/16

آخر تحديث: 22:58 (بيروت)

دور السينما السعودية... هل تخترع حياة جديدة؟

السبت 2017/12/16
دور السينما السعودية... هل تخترع حياة جديدة؟
لم يعد ممكناً عزل الناس عما يجري في العالم
increase حجم الخط decrease
في 11 كانون الأول/ديسمبر 2017، وافقت وزارة الثقافة والإعلام السعودية على افتتاح دور السينما في المملكة مطلع العام 2018... وأعاد القرار إلى الأذهان مرحلة الثلاثينات من القرن الماضي، والتي شهدت بداية دخول صالات السينما إلى السعودية، مع قدوم مجموعات من الخبراء الغربيين للعمل في شركة كاليفورنيا العربية للزيت التي تحول اسمها لاحقًا إلى "أرامكو"، فأدخلوا دور السينما إلى مجمعاتهم السكنية المغلقة في مدينة الظهران في المنطقة الشرقية، واستمروا على ذلك حتى بداية السبعينات. كانت دور العرض تجارية، لكن ليست بتلك الحداثة التي كانت في المدن العربية الأخرى مثل بيروت والقاهرة.

تطرح عودة دور السينما إلى الربوع السعودية الكثير من الجدل، فهي تصل بعد حضور خجول من الثلاثينات حتى السبعينات، وانقطاع في بدايات الثمانينات، وبعدما شهدت السينما نفسها، تبدلات جذريّة في المعايير والشكل والمضمون واللغة، وبات كل بيت (في السعودية أو غيرها) يمكن أن تكون لديه سينما فردية أو عائلية من خلال آلة عرض أو عبر الإنترنت. تبدّل مسار السينما في العالم، التي ساهمت في اختراع أنماط الحياة (وحتى ساهمت في ترويج الكثير من الأمور السيئة)، فكان العشاق يتعلمون القبلة من تقليد النجوم، وكذا تسريحة الشعر والأزياء واللحظات الرومنسية، وعتمة الصالات لها وقعها وكذا حركة الصورة في الأفلام والموسيقى، وفي هذا السياق لا ندري كيف سيكون المشهد في السعودية؟

يروي الباحث خالد زيادة في كتابه "مدينة على المتوسط"(دار الشروق)، وهو يتحدث عن تأثير السينما في مدينة طرابلس اللبنانية "صارت السينما ذات تأثير أعمق في حياتنا وسلوكنا ومشاعرنا، صارت السينما في وسط الستينات طقساً اجتماعياً محليّا، كان الشباب من الجنسين يضربون مواعيد اللقاء داخل صالات السينما في عروض الساعة الثالثة. وفي العروض المسائية بعد التاسعة مساءً، كان الأزواج يقضون سهرة تمتد إلى وقت يقترب من منتصف الليل، فأسهمت في تنظيم توقيت جديد للمدينة وايقاعها الليلي الذي لا يخلو من الحركة"... فهل يكون الواقع على هذه الصورة في السعودية؟ فهل ستكون الصالات مختلطة؟ وما هي الافلام التي ستعرض؟

يدرك أي مراقب أن أي صالة سينما من دون نساء، هي بحكم الميتة، أو تتحول إلى "ذكورية" مقيتة. أحسب أن عودة دور السينما الى السعودية ستساهم الى حد ما في بث جزء من أنماط الحياة الجديدة في الأمكنة، واحسب أيضاً أن السعوديين ليسوا خارج تأثيرات السينما العالمية، فكل جهاز لابتوب يحتوي "غرفة بملايين الجدران"، تعرض شتى أنواع الأفلام عبر الانترنت. لم يعد ممكناً عزل الناس عما يجري في العالم أو عما يعرض في دور السينما العالمية. لكن الأهم من السينما نفسها، هو في حركة الناس في المكان خارج قيد زمرة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

على أن السينما السعودية لها مسارها، المختلف نسبياً عن الصورة النمطية التي رسمناها لها منذ عقود. ففي العام 1950، أنتج أول فيلم سعودي حمل عنوان "الذباب" وكان من بطولة الممثل السعودي حسن الغانم. الفيلم أنتجته شركة "آرامكو" وكان الهدف منه توعوياً صحياً من مخاطر الذباب الذي كان ينتشر في المملكة وينقل الأمراض. ويروي حسن الغانم في أكثر من مقابلة صحافية أنّ مكبرات الصوت كانت تذيع أن الفيلم سوف يعرض في هذه الساحة أو تلك. وفي الستينيات والسبعينات، لم يكن هناك سوى بعض الأفلام التسجيلية، التي كانت تنتجها شركات النفط في المنطقة الشرقية للتوثيق. أما البداية الحقيقية للإنتاج السينمائي السعودي فكانت عام 1966 حيث أنتج فيلم "تأنيب الضمير" للمخرج السعودي سعد الفريح، من بطولة الممثل السعودي حسن دردير.

وبحسب الناقد السينمائي الفرنسي، جورج سادول، في كتابه "تاريخ السينما في العالم"، فإن السعودية كانت العام 1965 الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها رسميًّا كلَّ شيء عن السينما، على الرغم من وجود الصالات داخل المجمعات السكنية للموظفين الغربيين مثل موظفي شركة (أرامكو)، والتي كانت تعرض أحدث الأفلام وقتها. وأشار سادول إلى اتفاقيات أجراها الملك فيصل في العام 1966 إبان افتتاحه للتلفزيون حينذاك مع شركات أميركية لبناء شبكة من دور السينما يرتادها السكان العرب. ويضيف سادول: "افتتحت الصالات السينمائية السعودية خلال السبعينات عبر الأندية الرياضية على وجه التحديد للرجال فقط، وفي بعض السفارات الأجنبية والبيوتات الشهيرة خصوصًا في جدة والطائف ولكن بشكل عشوائي تفتقد فيه التنظيم والتهيئة اللازمة للمشاهدة".
 


وتطور مستوى الإنتاج السينمائي في السعودية فنيًّا، إلى أن وصل إلى محطة العام 1976، حين قدم المخرج السعودي، عبدالله المحيسن، فيلمه "اغتيال مدينة"، الذي تناول الحرب الأهلية اللبنانية ومدى الضرر الذي ألحقته بمدينة بيروت الجميلة، وحاز حينها جائزة "نفرتيتي" لأفضل فيلم قصير، ليعرض في مهرجان القاهرة السينمائي العام 1977. إلا أن هذا التطور، واجه عقبة خطيرة، تسببت في تعطل مسيرته بل وإنهاء وجود دور السينما في السعودية. انتشرت بعض الأفلام، التي قيل إنها كانت سببًا في توجيه اتهامات لقطاع السينما بأكمله، وتتضمن مخالفات شرعية و"ثقافات انحلالية" لا تتوافق مع نظام الدولة، وهو ما كان سببًا رئيسيًّا في البدء التدريجي لإغلاق دور السينما. وكانت الذروة مع موجة الغضب التي اجتاحت التيار الإسلامي السعودي بعد أحداث احتلال الحرم المكّي واستيلاء أكثر من 200 مُسلّح على الحرم خلال فترة حكم الملك خالد بن عبدالعزيز 1979. وانتهى وجود صالات السينما بشكل تام في السعودية في حقبة الثمانينات. (غابت السينما وبدأ مارد التطرف يتمدد وصولا تنظيم القاعدة وبن لادن).

وفي مهرجان القاهرة السادس 1982، فاز المخرج السعودي عبدالله المحيسن، عن فيلم "الإسلام جسر المستقبل" الذي صوّر في أفغانستان إبان فترة الحرب مع الاتحاد السوفياتي، بالجائزة الذهبية. وفي العام 2013 حصل فيلم "حرمة" للمخرجة السعودية عهد كامل، على الجائزة الذهبية لمهرجان بيروت السينمائي، وفي العام نفسه، أعلنت أكاديمية العلوم والفنون الأميركية ترشيح "وجدة" ضمن 71 عملًا مرشّحًا لجائزة أوسكار، كأول فيلم سعودي، ثمّ بدأت المملكة بتقديم ترشيحاتها للأوسكار. ففي أغسطس 2016 اختير الفيلم الكوميدي الرومنسي "بركة يقابل بركة" لتمثيل المملكة في جوائز أوسكار 2017 عن فئة أفضل فيلم أجنبي. وهكذا تسبب كسر الحظر واقعياً، في تصاعد الجدل بشأن إعادة دور السينما مرة أخرى، وأثيرت مسألة تأسيس دور عرض سينمائية مُجددًا، عقب إعلان ولي العهد محمد بن سلمان "رؤية المملكة 2030"، مُشيرًا إلى أنها ستتضمن إطلاق مشروع أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية من نوعها على مستوى العالم.


ومنذ القرار بالسماح بفتح دور سينمائية في السعودية تعددت الآراء بين الحديث عن فرص العمل والانفتاح وبين معايير الرقابة الصارمة ومقصها الذي يشوّه الافلام. بالطبع المسألة لاتزال في البدايات، ولا يمكن أن نتوقع "ثورة حريات" سريعة في بلد يعيش مجتمعه تحت قبضة المطاوعة منذ عشرات السنين.

الفيلم الذي سيفتتح دور السينما السعودية الجديدة:
نشر الممثل السعودي والمستشار في وزارة الإعلام، عبدالإله السناني، في حسابه في "تويتر"، لقطة من الفيلم الهوليوودي "ولد ملكاً". وكتب السناني فوق المقطع أن أحداث الفيلم تدور حول زيارة الملك فيصل لبريطانيا العام 1919. وأضاف أنه من المتوقع الانتهاء منه في شباط/فبراير المقبل وبدء عرضه في دور السينما العالمية، بعد أن يقدم العرض الأول في السعودية. يذكر أن الفيلم يسلط الضوء على حياة الملك فيصل بن عبدالعزيز، لاسيما مرحلة زيارته التاريخية إلى بريطانيا في العام 1919.
وقد بدأ تصوير "ولد ملكاً" في تموز/يوليو الماضي في بريطانيا، وبقيت المراحل الأخيرة منه في الرياض.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها