السبت 2017/10/07

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

أسد اللات

السبت 2017/10/07
أسد اللات
أسد اللات كما كان منصوبا عند مدخل متحف تدمر.
increase حجم الخط decrease
في العام 1977، اكتشف علماء آثار بولنديون في تدمر، تمثالاً ضخماً أطلقوا عليه اسم "أسد اللات"، وبات هذا الأسد رمزاً للمدينة الأثرية بعدما نُصب في المدخل الخارجي لمتحفها. في العام 2005، قام الخبيران بارتوش ماركوفسكي وروبير زوكوفسكي، بترميم وتثبيت هذه التحفة الفنية، وعادا إلى سوريا في 2016 ليتفقّدا ما تبقّى من هذا التمثال الذي عمد "تنظيم الدولة الإسلامية" إلى تدميره، ونجحا في ترميمه من جديد. 

سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على تدمر في أيار/مايو 2015، وقال يومها الأمير العسكري أبو ليث السعودي، في حديث إذاعي، إن التنظيم سيدمر المعابد و"الأصنام الوثنية"، وأضاف موضحاً: "في ما يخص المدينة التاريخية سنحافظ عليها، ولن تخضع إلى أي تدمير إن شاء الله". في تموز/يوليو 2015، عاد تنظيم "الدولة الإسلامية" ونشر صوراً لعناصره وهم يحطمون مجموعة من التماثيل المنهوبة من مدينة تدمر الأثرية، وقال في بيانه إن هذه التماثيل كانت محتجزة عند أحد المهربين، وأنه جَلَد هذا المهرّب عقاباً له. وفي المقابل، أعلن مدير الآثار والمتاحف في سوريا، مأمون عبد الكريم، إن تنظيم "الدولة الإسلامية" دمّر تمثالاً عمره 2000 عام في مدينة تدمر الأثرية، وقال ان تحطيم هذا التمثال المعروف باسم "أسد اللات" يُعتبر "أخطر جريمة" تُرتكب في حقّ تراث هذه المدينة.


اكتُشف هذا التمثال الضخم في "معبد اللات" في الحي الغربي من المدينة، ويتألّف من باحة مستطيلة يقع في وسطها حرم يتقدّمه رواق من ستة أعمدة. تذكر الكتابة المنقوشة على بوابة المدخل الرئيسي أن المعبد أُقيم بأموال الربة "اللات" خلال القرن الثاني الميلادي. و"اللات" ربة معروفة عند العرب، واسمها مذكور في الآية 19 من "سورة النجم" في القرآن الكريم: "أفرأيتم اللات والعزى". وللات تفسير الطبري "هي من الله، ألحقت فيه التاء فأنّثت، كما قيل عمرو للذكر، وللأنثى عمرة، وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للأنثى عباسة، فكذلك سمّى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدّست أسماؤهم، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العزى، وزعموا أنهن بنات الله"، "وذُكر أن اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقال بعضهم كان بالطائف". وفي تفسير ابن كثير: "كانت اللات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا اللات، يعنون مؤنثة منه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا".

بحسب ما نقله ابن الكلبي في كتابه "الأصنام"، كانت اللات معبودة في الطائف،"وكانت قريش وجميع العرب تعظّمها، وبها كانت العرب تُسمّى زيد اللات وتيم اللات، وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى". قال الشاعر عمرو بن الجعيد: "فإني وتركي وصل كأسٍ لكالذي/ تبرأ من لاتٍ وكان يدينها". وردّ الشاعر عمرو بن المنذر في هجائه: "أطردتني حذر الهجاء ولا/ واللات والأنصاب لا تئل". ظلت عبادة اللات منتشرة إلى أن أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله بالمغيرة بن شعبة، فقام بهدمها وحرقها، ونهى شداد بن عارضٍ الجشمي أهل ثقيف عن العودة إلى عبادتها، وقال: 
"لا تنصروا اللات إن الله مهلكها/ وكيف نصركم من ليس ينتصر
إن التي حُرقت بالنار فاشتعلت/ ولم يقاتل لدى أحجارها هدر
إن الرسول متى ينزل بساحتكم/ يظعن وليس لها من أهلها بشر"


كانت اللات ربة من ربات الجزيرة، كما كانت إحدى الآلهة المعروفة عند النبط وعند العرب الشماليين، وهي إلهة أنثى يُراد بها الشمس، وقد ذكرها المؤرخ هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، وقال ان النبط رفعوها إلى مقام أم الآلهة. رأى العالم روبرتسون سميث أنها الإلهة الأم لمدينة بترا، وتماثل الإلهة أرتميس عند أهل قرطاجة، ويبدو أنها كانت تماثل الربة أثينا عند اليونان في تدمر، كما يشهد التمثال المرمري الذي عُثر عليه في معبد اللات، وهو التمثال الذي يزاوج بين اللات وأثينا بشكل كامل. في هذا المعبد، عثر المنقبون البولنديون على أسد اللات الذي رمم وعرض في مدخل المتحف، والأسد رمز اللات ورسولها إلى البشرية كما تشهد تماثيل أخرى من تدمر. يعود أسد اللات إلى القرن الأوّل، أي إلى حقبة سبقت تشييد المعبد المُنشأ في القرن الثاني كما تقول المنقوشة على بوابته، وتظهر التنقيبات المتواصلة أن المعبد الحالي أقيم في الواقع فوق أطلال معبد أقدم، وأن معظم الزخارف والمنحوتات التي تزينه أعيد استعمالها في بناء أساسات باحاته الخارجية، كما أن أقدم الكتابات المكتشفة فيه تعود إلى أواقر القرن الأول قبل الميلاد.

كان أسد اللات أبرز معالم المعبد الأقدم، ويتميّز بحجمه الكبير، اذ يبلغ طوله 345 سنتمتراً، ووزنه 15 طناً، ويغلب عليه الطابع الحيثي، وهو الطابع الذي تميّزت به مملكة الحيثيين التي شملت الأناضول وجزءاً كبيراً من شمال غرب الهلال الخصيب. وقد نُصب ليحمي كل من يلجأ إلى هذا المعبد ويلوذ به، كما تؤكد الكتابة التدمرية المنقوشة على قائمته اليسرى: "إن الربة اللات تبارك كل من لا يسفك الدم في المعبد". بين قامتي الأسد، تظهر مهاة وديعة ترفع قائمتها اليمنى إلى الأمام، وترمز هذه المهاة كما يبدو إلى السلام والأمان في ظل حماية اللات.

دمّر "تنظيم الدولة الإسلامية" هذا التمثال الضخم، وحوّله إلى ركام كما تشهد الصور التي التقطت له بعد تدميره، ونجح العالمان البولونيان في إعادة جمع هذا الركام بعدما نُقل إلى العاصمة دمشق، كما نجحا في ترميمه من جديد، كما في سنة 2005، وذلك بإشراف "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) التي مولت أعمال الترميم.
 
يتابع المدير العام للآثار والمتاحف، مأمون عبد الكريم، اليوم، التنسيق مع "منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم" من أجل استقبال بعثات أجنبية أخرى لتقييم الأضرار التي لحقت بـ"لؤلؤة الصحراء" والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تنشر المنظمة كشفاً بالآثار التي دُمرت؟ وهل تفلح في إعادة بعضها الى ما كانت عليه، كما حصل لأسد اللات؟
 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها