السبت 2017/10/07

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

أسبوع الكتب الممنوعة: القارئ رقيباً

السبت 2017/10/07
أسبوع الكتب الممنوعة: القارئ رقيباً
منع أكثر من 11 ألف كتاب في الولايات المتحدة منذ عام 1984
increase حجم الخط decrease
جاءت الرواية المصورة "هذا الصيف الوحيد"، للكاتبة الكندية ماريكو تماكي، على رأس قائمة الأعمال التي تعرضت للمنع في العام 2016، فتم الاحتفاء بها في "أسبوع الكتب الممنوعة" الذي أقيمت فاعلياته مؤخراً في الولايات المتحدة وعدد من العواصم الأوروبية. الرواية تتتبع دخول فتاة إلى عالم المراهقين، إثناء الإجازة الصيفية مع والديها اللذين لا يتوقفا عن العراك، وكانت قد أثارت الكثير من الجدل، بعدما سحبتها إحدى المدارس في ولاية مينيسوتا من مكتبتها العام الماضي، إثر شكوى من أحد أولياء الأمور. ورغم أن الرواية قد نالت احتفاء واسعاً من النقاد، وفازت بأربع جوائز بين العامين 2014 و2015، إلا أن الشكاوى المتكررة من أولياء الأمور، وفي شبكات التواصل الاجتماعي، من المواضيع الحساسة وذات الطبيعة الجنسية التي تتناولها الرواية المخصصة لللفئة العمرية 12-18 سنة، قد دفعت الكثير من المدارس في ولايتي مينيسوتا وفلوريدا إلى سحب الكتاب من رفوف مكتباتها. 

لكن الأمر لا يقتصر على حالات الرقابة الذاتية للمكتبات المدرسية في الولايات المتحدة. ففي العام الماضي، سحبت دار"سكوليستك" الأميركية، من منافذ البيع، رواية مصورة أخرى بعنوان "كعكة عيد ميلاد لجورج واشنطن"، بعدما تعرضت لحملة واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي، اتهمت الكتاب بالإيحاء بصورة وردية للعلاقة بين العبيد وسادتهم قبل الحرب الأهلية الأميركية. وفي العام السابق، دفعت اتهامات مماثلة، تتعلق "بانعدام الحساسية التاريخية اللائقة في تصوير العبودية"، الكاتبة الأميركية إيملي جينكنس، إلى نشر اعتذار مكتوب عن رواياتها المصورة "حلوى فاخرة"، وأعلنت تبرعها بقيمة حقوق الكتابة إلى مؤسسة "نحتاج كتباً متنوعة".

وفيما ترصد رابطة "أسبوع الكتب الممنوعة"، التي تضم عدداً من المؤسسات الأهلية ودور النشر الأميركية المعنية بالحق في القراءة، منع أكثر من 11 ألف كتاب في الولايات المتحدة منذ العام 1984، هناك تقارير الرابطة الدورية والتي تشير إلى أنه في العقد الماضي، وفيما توقفت وقائع الحجب بفعل أحكام قضائية، فإن حالات الرقابة الذاتية في دور النشر والمكتبات والمؤسسات التعليمية راحت تزداد بفعل حملات منتقدة في الإنترنت. يستدعي أسبوع الكتب الممنوعة، وبيانات رابطته، حزمة من الدلالات المختلطة والمتناقضة. فعمليات المنع التي أصبحت مدفوعة بسلطة الرأي العام أو قطاع منه، لا بسلطة سياسية أو دينية كما في الماضي، تظل تهديداً لحرية التعبير والإبداع، والحق في الاطلاع. لكن، وفي الوقت ذاته، نجد أن التمكين الذي وفرته التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الكثيفة، قد أتاح دوراً متنامياً للقراء في تقييم ومراجعة الإنتاج الإبداعي، وكذا تحديد أولويات الناشرين، وهي أمور كانت مقتصرة على المتخصصين وشبكات ضيقة من العاملين في قطاع النشر. ومع أن توجساً نخبوياً من العامة، كان في كثير من الأحيان ملازماً لجهود الدفاع عن حرية التعبير في مواجهة الرأي العام، فإن معظم وقائع المنع خلال الأعوام الماضية، ارتبط أحياناً بتصوير الأقليات وتاريخ معاناتهم، وهو أمر حرمت أجيال من هذه الأقليانت من المساهمة فيه أو أبداء الرأي بخصوصه. وفي أحيان أخرى، ارتبط بخيارات أولياء الأمور في ما ينبغي لأطفالهم أن يطلعوا عليه وفي أية سن، وهو حق للبالغين، تؤطره القوانين، ولا يبدو أن هناك خلافاً عليه. إلا أنه مع الإقرار بالدور الإيجابي لدور تكنولوجيا التواصل في إتاحة حق النقد والاحتجاج والضغط على المشاع، وبالأخص للفئات المهمشة التي لطالما حرمت منه في السابق، فإنه لا ضمانة ألا تنقلب تلك الإمكانيات لصالح مزاج شديد المحافظة والقمعية، بل وضد الأقليات أيضاً.

سيأتي أسبوع الكتب الممنوعة في العام المقبل، بلائحة جديدة، لا يهم إن كانت أقصر أو أطول، إذ يبدو أن الهشاشة هي الصفة الأكثر جوهرية للحرية، إضافة إلى خضوعها للتجاذبات الدائمة بين حسابات إرضاء الرأي العام والحق في الاحتجاج من جانب، والرغبة في إطلاق حرية الإبداع إلى حدودها القصوى من جانب آخر. وهنا يتكشف أن معركة الحق في التعبير، حتى ولو اختفى رقيب السلطة السياسية والدينية، تظل بلا نهاية، وأنه وبفعل استمرارية تلك المعركة، تحتفظ الحرية بوهج جاذبيتها وعمق معناها، لا كحق مكتسب، بل كغاية لا يمكن الوصول إليها أبداً، وكقيمة تتحقق حصراً عبر الدفاع عنها والقتال لأجلها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها