الأربعاء 2016/12/14

آخر تحديث: 14:10 (بيروت)

2016: وقائع عام "حبس" أحمد ناجي..

الأربعاء 2016/12/14
2016: وقائع عام "حبس" أحمد ناجي..
لاتزال الفقرات التي حبس بسببها أحمد ناجي حرة طليقة –بل تتمدد-
increase حجم الخط decrease
يهنئنا "فيس بوك" بنهاية 2016. يعرض فيديو لأبرز صور العام المنقضي. نبدو سعداء، ويبدو كما لو كان عاما عاديا، في حين أنه لم يكن كذلك بكل تأكيد.

لو أردنا فيديو يعبر بحق عن أحداث 2016 سيبدو مختلفا تماما، سيكون في مقدمته صورة أحمد ناجى وراء القضبان، أو خارجا من قاعة المحكمة محاطا بحراسة الغلاظ، ولا يمكن أن يخلو من صورة لإسلام بحيري بقميص السجن الأزرق، ولا من صورة للشاعرة فاطمة ناعوت سعيدة بنجاتها من الحبس، ولا لتظاهرات الصحافيين اعتراضا على اقتحام نقابتهم، واعتقال زملائهم (يواجه نقيب الصحافيين حكما بالحبس لأول مرة في تاريخ النقابة). ولا يمكن أن يتجاهل عشرات الصور التي كانت أبسط أشكال التضامن مع كتاب وصحافيين ونشطاء ضاق بهم المجال العام في 2016، ودفعهم إما إلى برودة السجن أو اضطرهم إلى الهجرة وترك الوطن، أو حتى اختفوا قسريا لا يعرف أحد مصيرهم... قاعات المحاكم ستكون الصورة الأبرز في 2016 بكل تأكيد.

صبغ سجن ناجي وبحيري الحياة الثقافية في مصر. صحيح انه تخللت العام أحداث عادية كإعلان جائزة أو صدور كتاب، أو حتى عقد مؤتمر أو ندوة هنا أو هناك، لكن المناخ العام كما أظن لم يستقبلها كما كان يستقبلها من قبل، حدث شيء ما، شرخ ما، فقدت كثير من الأشياء معناها وبهجتها القديمة المعتادة، وأصبح الكتاب والمثقفون يتساءلون يوميا عن جدوى ما يكتبونه أو يقدمونه في بلد لن يفكر مرتين في قذفهم إلى السجن إن لم تعجب كتاباتهم عابر سبيل تزايدت ضربات قلبه وأثارت مشاعره المرهفة مشهد أو كلمة أو صورة أو كاريكاتير.


لذا ربما نستحق التهنئة على نهاية 2016 فقط لأننا نجونا، لكنه لم يكن أبدا عاما سعيدا، إنه عام السجن والحزن واليأس وفقدان الأمل..


يناير.. البراءة المغدورة!
في الأسبوع الأول من العام حصل ناجي على البراءة، وفي الشهر التالي قضى يومه الأول في السجن!
بعد معركة قانونية استمرت شهوراً، وبعد زيارات متتالية لقاعات المحاكم، مرافعات ودفاعات وتأجيلات قضت محكمة جنح بولاق برئاسة المستشار إيهاب الراهب ببراءة أحمد ناجي من تهمة "خدش الحياء العام"، وبراءة طارق الطاهر رئيس تحرير "أخبار الأدب" من تهمة "التقصير في أداء عمله" بسبب نشر فصل من رواية "استخدام الحياة" في "أخبار الأدب".

حيثيات هذا الحكم كانت مبشرة جدا، فقد جاء فيها "إنه من المقرر أن حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتوالد عنها لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارساتها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، بل تكون للمواطن الحرية أن يتنقل بينها يأخذ منها ما يأخذ ويلفظ منها ما يلفظ من دون أن يوضع له إطار أو قالب يحد من تكوين أفكاره ومعتقداته، كما أن طرح الأفكار والآراء والمعتقدات علانية يجعلها مجالا للبحث والتقييم من جانب المتخصصين بل والمجتمع أجمع فيأخذ منها الصالح ويطرح الطالح".

وقال الحكم إن الفصل المنشور "عمل أدبي من وحي خيال كاتبه" و"أن ما تضمنه ذلك العمل الأدبي من ألفاظ وعبارات ارتأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء به، هو في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة حاكها".

لكن تلك الحيثيات لم تشفع لناجي أمام النيابة العامة التي استأنفت الحكم، وعقدت جلسة الاستئناف الأولى يوم السبت 6 فبراير وتم تأجيلها لجلسة 20 فبراير.. لتبدأ وقائع المأساة الحقيقية.


فاصل.. البدايات تفسر كثيرا مما جرى
مع الساعات الأولى من بداية العام تعرض مقر دار "ميريت" للنشر للتفتيش واحتجز أحد العاملين بحجة إصدار كتب دون الحصول على أرقام إيداع، وهو ما نفاه محمد هاشم مدير الدار الذي يمارس المهنة منذ سنوات، معتبرا الأمر برمته "نكتة سخيفة". في اليوم نفسه زارت قوة من "المصنفات" مقر مؤسسة "التاون هاوس" بشارع حسين المعمار في وسط القاهرة، وأغلقت "القوة" التي انضم إليها موظفون من الضرائب ووزارة القوى العاملة! مسرح وساحة روابط للفنون الأدائية التابع للمؤسسة "لعدم توافر مخرج للطوارئ للمسرح".

خضع الموظفون للتحقيق، وحاول ياسر جراب مدير مؤسسة "التاون هاوس" أن يتواصل مع الجهة المسؤولة عن القرار لتوضيح الأمور، لكن الواضح أنه عجز عن تحديد الجهة التي اتخذت القرار من الأساس، ولا يزال المقر مغلقا حتى الآن.

محنة التاون هاوس كشفت عن بداية حملة تضييق على منافذ الثقافة في مصر، ليبلغ الأمر مداه مع نهاية العام بموافقة مجلس النواب، على قانون الجمعيات الأهلية بعد يوم واحد فقط من إعلان مجلس الدولة انتهاءه من مراجعة القانون، وهو القانون الذي سيكون "مدمرًا" للمجتمع المدني المصري، وتأثيره سيمتد للأجيال القادمة وسيحول المجتمع المدني "للعبة في يد الحكومة" كما قال المبعوث الأممي للأمم المتحدة، ماينا كياي، حسب ما نقله موقع "مدى مصر".


لماذا يقول كياي هذا الكلام؟ يكفى أن نطلع على مادتين فقط من القانون لنعرف السبب..
مثلا المادة 23 تحدد شروط جمع التبرعات للجمعيات اﻷهلية عبر إخطار الجهة اﻹدارية المنوطة وهي وزارة التضامن الاجتماعي قبل تلقي التبرعات أو جمعها بثلاثين يوم عمل وصدور الموافقة اللازمة لذلك، وتلتزم الجهة اﻹدارية بإخطار الجهاز بذلك، ولا يجوز صرف اﻷموال إلا بعد صدور الموافقةَ!


كما تشترط المادة 24 من القانون نفسه موافقة الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات اﻷجنبية غير الحكومية على التمويلات أو المنح أو الهبات من أشخاص طبيعييين أو اعتباريين مصريين أو أجانب من داخل البلاد أو خارجها. ويمتلك الجهاز مهلة 60 يوم عمل للرد على طلب التمويل. كان مشروع الحكومة قد اشترط الموافقة نفسها على التمويلات اﻷجنبية. وبينما اعتبر مشروع الحكومة عدم الرد خلال 60 يومًا بمثابة موافقة على الطلب، إلا أن المشروع الجديد اعتبر عدم رد الجهاز خلال الفترة بمثابة عدم موافقة! يعنى لن تكلف الحكومة نفسها حتى عناء الرد.
في السياق نفسه يأتي "تشميع" مكتبتي الكرامة بدار السلام وطره، لصاحبها المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، من عائد جائزة عالمية فاز بها، وتقدم لأهل المنطقة وبالتحديد الأطفال والمراهقين الكتب وكراسات الرسم والألوان وخامات الفنون اليدوية مجانا، وكالعادة لا أحد يفرج عن السبب.

"الدولة لا تحب جمال عيد" يفسر الكاتب عمر طاهر، ويبدو أنه التفسير المنطقي والوحيد.. حتى الآن.

فبراير الأسود 
في جلسة 20 فبراير المشؤومة كان أكثر المتشائمين يتوقع غرامة لناجي وبراءة لطارق، خاصة بعد حيثيات البراءة التي صدرت –ويا للمصادفة- قبل أيام من جلسة الحكم، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، وأصدر القاضي حكمه بحبس ناجي عامين وتغريم طارق 10 آلاف جنيه، وهي العقوبة الأقصى والأقسى في تلك الحالة، رفض القاضي البراءة الأولى، واقتنع بكلمات قرار الإحالة "نشر المتهم مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية، ولذة زائلة، وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق"!


ومن وقتها اختفى ناجي في دهاليز السجون، لم يظهر إلا مرات معدودة في استشكالات كان الهدف منها رؤيته أكثر منها طمعاً في الحصول على حكم بإعادة النظر في الحبس. 
عشرات المقالات والعرائض وقعت تضامنا مع ناجي، منها عرائض موقعة من أكثر من 120 فناناً عالمياً كلها تطالب السلطات المصرية بسرعة الإفراج عنه، وفتح المجال العام في مصر، لكن هذا لم يشفع له عند الدولة التي ربما لا تحبه أيضا، أو ربما تريد تأديبه.

لم تشفع لناجي أيضا شهادة ثلاثة من الكتاب الكبار، وهم صنع الله إبراهيم ومحمد سلماوي وجابر عصفور، بل إن الأخير نفسه أحيل وثلاثة صحافيين آخرين للنيابة بتهمة إهانة القضاء، بعد أن وصف النيابة بأنها "أشد من داعش" عقب الحكم بسجن ناجي!

الانتهاكات مستمرة
في مارس رفضت محكمة جنح مستأنف السيدة زينب، الاستئناف الذي تقدم به دفاع الكاتبة فاطمة ناعوت، على حكم حبسها 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان، بسبب تغريدة عن الأضحى! ولولا إنها كانت خارج مصر لسجنت وقتها. ( انتهت القضية مؤخرا بحبس ناعوت ٦ أشهر مع إيقاف التنفيذ).

وفى سابقة تاريخية اقتحمت قوات الأمن مبنى نقابة الصحافيين في مايو، وألقت القبض على صحافيين كانا معتصمين داخلها، القضية لا تزال أحداثها مستمرة حتى الآن، وربما تنتهي بحبس النقيب نفسه بتهمة إيواء متهمين!

لم يخل شهر تقريبا من قضية وزيارة للمحكمة حتى إن مؤشر الديمقراطية إحدى المؤسسات الحقوقية التي تصدر تقريرا دوريا عن الحراك الاحتجاجي رصد 1126 انتهاكا لحرية التعبير في 5 أشهر فقط من 2016، بمتوسط 250 انتهاكا شهريا وفى 5 أشهر فقط صدرت أحكام قضائية بسجن 184 مواطنا، وقبض على واحتجز أكثر من 857 مواطنا لأسباب تتعلق بحرية الرأي والتعبير، في حين فصل 71 مواطنا من أعمالهم ودراستهم للأسباب نفسها، ومنع 10 مواطنين من السفر وتم حظر نشر مقالات في صحف ووقف بث برامج وقنوات في 12 حادثا، بشكل كانت إحدى تبعاته تدني مصر في مؤشر حرية الصحافة العالمي من المرتبة 127 في 2010 للمرتبة 158. وبالتأكيد تقرير نهاية العام سيكون عامرا بالانتهاكات.


تقرير ختامي
سيظل حبس أحمد ناجي هو الحدث الأبرز في 2016 ليس فقط لسخافة التهمة وعبثية تفاصيلها، لكن أيضا لأنه بعد كل ما جرى لاتزال الفقرات التي حبس بسببها حرة طليقة –بل تتمدد- لتضع تحت مقصلتها كتابا ومبدعين جدداً، ربما سنراهم خلف القضبان قريبا في العام الجديد.


الفقرة 178 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 التي تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع  أو حاز بقصد الاتجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورا محفورة أو منقوشة أو رسومات يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت منافية للآداب العامة". ربما تحاكم تلك المادة أمواتا أيضا، ولم لا والنقاش حول تعديلها من حبس إلى غرامة بمجلس النواب وصل إلى حد المطالبة بمحاكمة نجيب محفوظ باعتباره خادشا للحياء العام!

اقترب ناجي من قضاء نصف المدة، ولازال حتى كتابة هذه السطور محتجزا داخل أسوار سجن مزرعة طره. والآن ينتظر موعدا جديدا مع المحكمة لنظر الطعن في 18 ديسمبر الجاري، أو عفوا رئاسيا لا تزال تفاصيله غير واضحة حتى الآن.. فهل يأتي الفرج في الأيام الأخيرة؟
هامش
لم يخل العام من فقد أيضا، وجلها خسارات فادحة، حيث رحل محمد حسنين هيكل، الكاتب الصحافي الأبرز، والشاعر فاروق شوشة، والعالم أحمد زويل، والكاتب علاء الديب، كما رحل من الفنانين: ممدوح عبد العليم، ومحمود عبد العزيز، ومحمد خان، وحمدي أحمد، وسيد زيان، ووائل نور، وزبيدة ثروت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها