الأحد 2016/12/11

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

عن "نوبل" التي اعترتها نازية وذكورية وكاثوليكية

الأحد 2016/12/11
عن "نوبل" التي اعترتها نازية وذكورية وكاثوليكية
من حفلة توزيع جوائز نوبل في استوكهولم، السبت، والتي غاب عنها بوب ديلان (غيتي)
increase حجم الخط decrease
للدورة الثانية على التوالي، تصدم أكاديمية نوبل للآداب العالمَ باختيارها فائزاً مثيراً للجدل(*). فالجدال الواسع الذي دار حول فوز الكاتبة الصحافية الإستقصائية، سيفتلانا ألكسيفيتش، لم يقتصر على الصحافة العربية فحسب، خصوصاً أن هناك مآخذ على أسلوبها في لغتها الأصلية. وهذا العام جاء اختيار بوب ديلان ليثير الجدل مرة أخرى.

خرج بوب ديلان من صمته "المريب"، بعدما حيّر أكاديمية جائزة نوبل والصحافة. خرج من صمتهِ بتصريح غير متوقع، بعد تلك السجالات الغامضة والتحليلات التي انشغلت بها الصحافة وردود أفعال القائمين على الجائزة. قَبِل ديلان الجائزة، بل صرح بأنه لا يملك كلمة يعبّر فيها عن شعوره بالشرف لحصوله عليها، لكنه لن يستطيع الحضور! وهكذا، كُرّم بالجائزة في غيابه وأدّت المغنية والشاعرة باتي سميث أشهر أغانيه.

معظم الانتقادات وجهت لاختيار ديلان لأنه ليس كاتباً أدبياً بمعنى الكاتب المتعارف عليه، حتى لو كان شاعراً. واتفق كتّاب معروفون في النروج مع هذه الانتقادات، والبعض صارت أسماؤهم تُذكر مؤخراً في الترشيحات مثل كارل أوفه كناوسجورد، صاحب ملحمة "كفاحي"، والأديب غزير الانتاج  يون فوسّه. لكن هل كانت جائزة نوبل للآداب مثالية دائماً؟

دائماً كانت هناك انتقادات واسعة حول الجائزة، وأخيراً حول تحول سياستها تجاه مفهوم الأدب، وكان البعض سعيداً بانفتاح الجائزة على الأجناس الأدبية المتعددة، لكنهم اقترحوا أن تستحدث جوائز أخرى غير الأدبية تشمل الفنون مثلاً..

تابعت الدول الاسكندنافية، النتائج، باهتمام، نظراً لارتباطها جغرافياً وثقافياً مع السويد، وكذلك لأن دول اسكندنافيا تتطلع إلى أن تعود إليها الجائزة يوماً بعدما أصبح من الصعب تحقيق ذلك منذ فوز الشاعر السويدي توماس ترانسترومر العام 2011.

وكانت الانتقادات قد وجهت أيضاً للأكاديمية آنذاك، إذ إن الجائزة تأخرت عليه والشاعر كان يعاني بوادر الزهايمر، ولم يتمتّع بلحظة الفوز. مثل هذه السلوكيات للجائزة، تجعل الكثير من الجيل الشاب يعلن عن غضبهِ لأنه في اختيار ديلان من أميركا، أضاع الفرصة على مجايليه من الروائيين المهمين أمثال: توماس بينشون فيليب روث وكورماك مكارثي. ويتساءلون، ترى متى تعود الجائزة إلى أميركا مجدداً بعد فوز الروائي جون شتاينبك العام 1962!

يبدو اهتمام النروج بهذه الجائزة، منطقياً، خصوصاً إذا علمنا أن الأدب النروجي لم يفز بها منذ الروائية سيغريد أوندست، صاحبة ثلاثية كريستين لافرانسداتر، العام 1928. في السنوات الأخيرة بدأ يظهر اسم الروائي والشاعر والمسرحي، يون فوسّه، بقوة، وفي كل سنة ينتظر الناس أن يحدث تغيير، لكن بلا جدوى!

والسؤال هنا هل مَن فاز بنوبل للآداب من النروجيين كانوا يستحقونها مقارنة بأعمالهم؟
 لحسن حظهم نستطيع أن نقول أنهم أخذوها عن استحقاق لأسباب كثيرة، منها عدم توسع الجائزة وقتذاك وانحسارها في الأدب الأوروبي، خصوصاً الشمالي، لعدم وجود ترجمات وفيرة لأدب الآخر كما يحدث الآن. ولأن هؤلاء الكتاب كان لديهم تخصص في الكتابة وأغلبها حول الرواية والقصة والمسرح، وهذا بحد ذاته يحتاج قدرة وموهبة كبيرتين، إذ إن المتعارف عليه هو طول النفس السردي للكتّاب النروجيين. كذلك جاء استحقاقهم بناء على إحداثهم بعض التغيير في مجتمعهم. لكن ما لا يدركه القارئ أنه كانت لهؤلاء الأدباء حياة شخصية تتنافى كثيراً مع مبادئ نوبل ودلالة اسمها.

الروائي والشاعر والمسرحي بيورنستيارنه بيورنسون، هو أول نروجي يحصل على جائزة نوبل للآداب العام 1903. كان نشطاً في مجال السياسة، وهو من كتب النشيد الوطني النروجي. إن المشاع عنه، هو نشاطه في مجال حقوق الفلاحين وحقوق الطفل والشباب من خلال أعمالهِ الأدبية وكذلك السياسية، لكن ما لا يعلمهُ البعض أنه في حياته الشخصية، لم يكن بالزوج المثالي ولا الرجل الداعي لحرية المرأة، وذلك من خلال معاملته لزوجتهِ التي رافقته من مدينة إلى مدينة. كانت تعمل لديه كمُبيّضة لمسوداتهِ بسبب خطّه الرديء. كان قد خصص لها حجرة صغيرة في العلية ومكتباً صغيراً مشتركاً مع حمام بدائي، تجلس هناك تعيد كتابة كل ما يكتبه. بينما يتنعم هو في غرفته الكبيرة المطلة على منظر خلاب في جبال جاوسدال حيث تحول بيته إلى متحف في ما بعد. علماً أنه كان يقدمها أمام الشخصيات الأدبية والفنية الكبيرة على أنها سيدة البيت. وكذلك سنعيد النظر في شخصهِ، إذا علمنا عن علاقتهِ الموتورة والغامضة مع هنريك ابسن رغم مصاهرة الإثنين، وظلت حادثة عدم حضور ابسن حفل زواج ابنتهِ من ابن بيورنسون، يذكر كدلالة على الخلاف. وفي عقده السادس، أقدم بيورنسون على علاقة سرية مع فتاة بعمر السابعة عشرة، يُقال إنها أثمرت طفلاً لم يعترف بهِ، ليصبح هذا الطفل في ما بعد شاعراً نروجياً وأباً لكاتبة نروجية معروفة.

أما الكاتب الأكثر جدلاً في قائمة الفائزين بنوبل للآداب النروجي، هو كنوت همسون صاحب رواية "الجوع"، الذي يعتبر رائد الأدب الرومانسي والمدرسة الواقعية بخطها الجديد في الأدب النروجي. في الحربين العالميتين، الأولى والثانية، أجهر همسون تعاطفه الشديد مع ألمانيا وكذلك دعمه للحزب النازي وهتلر، حتى انه أهدى ميدالية جائزة نوبل إلى جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر. وعندما مات هتلر قال عنهُ: "كان محارباً بطلاً". وكان يهاجم ابسن كثيراً، ويقول إن أفكاره هدّامة لأعراف المجتمع والقيم الأخلاقية، كما كان يهاجم الديموقراطية الأميركية ويؤمن باختلاف مستويات البشر. بعد محاكمات عديدة بتهمة الخيانة، تم شُخّص همسون بالجنون وأدخل مصحاً عقلياً ومات في عزلة، منبوذاً من الناس بتهمة الخيانة عن عمر يناهز 92 عاماً. ولم تشفع له جائزة نوبل التي وصمها بأفكاره النازية والعنصرية.

ولم تحبه الروائية النرويجية سيغريد، آخر الحاصلين على نوبل للآداب، بسبب مواقفه تلك من النازية التي عانى منها النروجيون، وهربت إلى أميركا مع دخول النازيين بلدها. لكنها في ما بعد تحولت جذرياً بأفكارها وصارت محافظة جداً واتجهت للتدين والتعبد الصارم بعد تحولها إلى الكاثوليكية. كانت ضد المكننة وتقدم المرأة، وترى أن الحياة الطبيعية للمرأة هي كما وصفت في الكتاب المقدس، ولاحقاً أثرّ هذا التحول في أفكارها وأعمالها الأدبية اذ أخذ طابع التوثيق التاريخي لحقبة دينية.

عندما نسمع كلمة "نوبل" نتذكر المثالية مباشرة، لكن يبدو أن هذه الجائزة لا تعترف بالمثالية بقدر ما هي مرتبطة بأمزجة القائمين عليها، إذ يبدو أن خلافاً نشب في الأكاديمية نفسها في شأن اختيار بوب ديلان هذه المرة، فتهجّم عليه أحد أعضائها ووصف سلوكه الغامض بعدم الرد على منحه الجائزة، بقلّة أدب، لكنه جوبه باستنكار السكرتيرة الدائمة، التي لا تخفي إعجابها المطلق بديلان وتدافع عن اختيار الأكاديمية له.

تجاهد السويد، كما هو واضح حتى في سياستها، في محاباة أميركا بشتى الطرق، فنراها السباقة بين دول اسكندنافيا في تبني الخط الأميركي في الأدب والفن. يمر الحفل، من دون حضور صاحب نوبل، مع قراءة كلمته التي أرسلها إلى الأكاديمية كشرط أساسي لقبول الجائزة، بينما نفكر في المفاجأة التي تنتظرنا في العام المقبل.  


(*) سُلمت السبت 10 ديسمبر/كانون الأول، جوائز نوبل للعلوم والاقتصاد والآداب، في استوكهولم، خلال حفلة غاب عنها بوب ديلان. بينما تسلم الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس جائزة السلام في أوسلو. وكان المغني الأميركي بوب ديلان، الذي مُنح جائزة نوبل للآداب هذه السنة، اعتذر عن حضور الحفلة بسبب "ارتباطات أخرى"، في خطوة أثارت استياء السويد واعتُبرت ضربة لأكاديمية الآداب ولمؤسسة نوبل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها