السبت 2016/11/19

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

فيروز في "غابة الضوء"

السبت 2016/11/19
increase حجم الخط decrease
دعا محافظ بعلبك، بشير خضر، للاحتفال بعيد الاستقلال وعيد ميلاد السيدة فيروز في بعلبك، حيث ستضاء القلعة بالعلم اللبناني وصورة عملاقة للنجمة القديرة. غنت فيروز في بعلبك لأوّل مرة سنة 1956، وكان لها قبل هذه الانطلاقة إطلالات نادرة على المسرح، وهذه الإطلالات مجهولة، ولا نعرف عنها سوى القليل. 

في العام 1980، تحدّثت الإذاعية الراحلة ناهدة فضلي الدجاني إلى "المجلة"، وقالت: "تربطني بفيروز صداقة متينة. السبب، اننا تربينا معا. وهذه الصداقة قصة قديمة العهد. فأثناء دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت، كنت مسؤولة عن اللجنة الفنية في "العروة الوثقى"، كما كنت مسؤولة عن تقديم الحفلات. يومها كانت فيروز في بداية انطلاقتها، وصدفة سمعت أغنية لها، فأحسست أنها تقول شيئاً جديداً. شيء لم أعهده في فنّاني ذلك الوقت. وكوننا كنا نحضّر لتقديم أحدى الحفلات في مسرح الجامعة الأميركية، عقدت النية على الاتصال بفيروز. وبعد تفتيش عنها، وجدتها في كواليس الإذاعة اللبنانية مع عاصي الرحباني الذي كان يومذاك يرتدي الشورت، وكان هناك منصور الرحباني الذي كان في بدلة الشرطة، وسألتهم الاشتراك في حفلة "العروة الوثقى" في مسرح الجامعة الأميركية، وتمّ الاتفاق بيننا. وبعد انتهاء الحفلة نشأت صداقة متينة بين الثلاثي وبيني".

بحسب هذه الرواية المتأخّرة زمنياً، جرى هذا الحفل في العام 1951، وقدّمت فيه فيروز لوحة غنائية للأخوين رحباني عن "الخير والشر"، كما قدمت بعض الأغاني مثل "ماروشكا" وغيرها.

في العودة إلى صحافة السنوات الأولى من الخمسينات، يتّضح أن فيروز شاركت في مسرحية غنائية للأخوين رحباني حملت عنوان "غابة الضوء"، وذلك في شهر أيار/مايو 1952. تحت عنوان "ليلة فنية في كلية البنات الأميركية"، كتبت مجلة "الإذاعة" في العدد الصادر في أول حزيران/يونيو من ذلك العام: "كانت ليلة السبت الماضي من أروع ليالي الموسم وأجملها، فقد شهدت قاعة الاحتفالات في الـ"جونيور كوليج" نخبة ممتازة من الطبقة الراقية جاءت لتحضر حفلة الجامعة السنوية، وكان في مقدمة الحاضرين دولة رئيس الوزراء الأستاذ سامي بك الصلح وبعض النواب والوزراء والصحافيين. وعلى مدخل القاعة كنا نرى فتيات في عمر الزهور وجمالها يستقبلن الجماهير والابتسامة اللطيفة الناعمة لا تفارق وجوههن، ثم يرشدن كل صاحب بطاقة إلى مكانه مع كلمة ترحيب رقيقة تكفي لأن تجعله سعيدا في تلك الليلة. ورُفع الستار في المرة الأولى عن مسرحية "غابة الضوء"، وهي أسطورية شعرية من تلحين الأخوين رحباني. واشتركت بالتمثيل والغناء فيها إلى جانب طالبات الجونيور كوليج المطربة ذات الصوت الساحر الحالم فيروز. و"غابة الضوء" تنحو إلى الشعر التجريدي، وتحمل السامع إلى أفق ينفتح وراء حدود الكلمة، وزاد في روعتها جمال القائمات بالأدوار التمثيلية فيها، وكلّهن من طالبات الصفوف العليا، كما أثار التصفيق الحاد انسجامهن الشديد في تأدية الرقصات الإيقاعية المهذبة". بحسب محرّر "الإذاعة"، كانت المسرحية "صورة فنية ترويها الحركات والخطوات على امتداد أصوات ناعة أليفة، ولم يكن بين هذا الحشد الكبير من الفتيات الجميلات سوى أربعة من الجنس الخشن أسعدهم الحظ فظهروا إلى جانب تلك الباقة الأنيقة المعطرة من الفتيات.

تذكر ناهدة فضلي الدجاني، أن فيروز قدّمت على مسرح الجامعة الأميركية في العام 1951 لوحة غنائية للأخوين رحباني عن "الخير والشر"، ويتضّح انّ هذه اللوحة هي "غابة الضوء"، وقد جرى عرضها في أيار/مايو 1952. في العام 2001، نشر هنري زغيب نصّ هذه اللوحة الغنائية في كتابه "طريق النحل"، وكتب في التعريف بها: "مسرحية شعرية غير منشورة كتبها الأخوان رحباني وقدّماها في الجونيور كولدج سنة 1945"، ونخال أنهما كتباها في تلك السنة، وعرضاها بعد سبع سنوات. يذكر هذا التعريف القصير أربعة أسماء شاركت بهذا العرض، وهم هشام نشابة في دور "ريّان"، عاصي الرحباني في دور "أنكيدو"، لمياء كيلاني في دور "ميناسيا"، وناهدة فضلي الدجاني في دور غير محدّد. لا يرد اسم فيروز في هذه اللائحة، والأرجح أن التأريخ الخاطئ للعرض حجب اسم المطربة الشابة التي بدأت مشوارها في الإذاعة اللبنانية عام 1950.

تتألّف هذه المسرحية الشعرية من ثلاثة فصول، وديكورها كما تصوّره مؤلفاها: "مشهد غابة، بعض أشجار يمكن الاختباء خلفها. على جانب المسرح زنبقة كبيرة. آلهات يرقصن". تقول الراقصات: "إننا آلهات السحر/ موحيات الرؤى والصور"، ويدخلن في حوار، ثم يدخل "ريّان"، ويدخل في حوار مع ثلاث صبيات هنّ أسما، شيراز، نهاد، وسعاد. يدور الحديث حول "مطرح فتان/ ساحر الضوء"، واسمه "غابة الضوء". تطلّ الآلهات من مخابئهن، وعلى رأسهنّ "ميناسيا إلهة الضياء/ ميناسيا موحية الغناء"، ثم يدخل أنكيدو، فتسأله ميناسيا: "كيف وجدت الأرض أنكيدو؟/ وكيف أهلوها المعاميد؟"، فيجيبها: "الأرض يا فائقة الحسن/ جميلة كأنها العيد"، "عشقتها لو لم يكن فيها/ للشرّ أعوان وتمجيد"، والناس فيها "قطعان إيمانهم بالحق مفقود". ثمّ تسأله عن الحب وعن حاله، فيقول: "جيّاش/ مرنّح الأشواق عربيد/ تنقصه عاطفة مثلى/ ينقصه صفو وتخليد". ثم يضيف: الحب مشتاق إلى الطهر"، وتردّد الآلهات من بعده: "إلى الطّهر/ إلى الطّهر". ترقص الآلهات حول الزنبقة الكبيرة، فتتساقط أوراقها، وتظهر فتاة. تقول لها ميناسيا: "انهضي وليملأ الضياء/ عيناك بالبهاء/ قلبَك بالرجاء/ إنهضي رسولة الصفاء". تسألها الفتاة: "من أنا/ وما أنا؟"، فتجيبها:"أنت صدى الطّهر هنا/ الحلو من أحلامنا"، ثم تدعو أنكيدو إلى مرافقتها في المسير، وتقول له: "سميّها ضياء/ فهي بالصفاء/ رفّت أمانيها"، وتردّد الآلهة: "إسمها ضياء/ إسمها ضياء/ إسمها ساخر/ هانئ النداء". وتلعب فيروز دور "ضياء" كما يبدو.  

يبدأ الفصل الثاني، وفيه "قوم يسمرون"، ويضمّ هذا القوم "الأميرة" و"نديم" إلى جانب نهاد وسعاد وشيراز. يبرز أنكيدو من جديد، ويخبر الأميرة أنه كان مع ضياء، ويحدثها عن أحواله، فتقول: "لله ما أغربه/ قلبا وما أعجبه"، ثم تتوارى عن الأنظار. تعود ضياء، ويطلّ "ريّان"، ويقول لها: "فتّشت عنك حائرا/ من موضع لموضع/ وصوتك الرفراف/ أحلى همسة في مسمعي". ثم يضيف: "ضياء نادانا الهوى العذري/ فلم تميلين إلى الهجر؟"، ثم يحدثها عن غابة الضوء حيث كانت توجد "زتبقة نديّة" لها شذا مثل شذاها. يخرج ريّان، ويدخل أنكيدو، ويدخل في حوار مع نديم عن الحب والهوى والسكر، ثم يطلب من ضياء أن تُبعد عن ريّان، فتردّ قائلة: "ريّان فتّان حبيب/ وقد حنا قلبي إليه/ في وجهه صدق عجيب/ أنكيدو لا تقسُ عليه".

في الفصل الثالث، يبوح أنكيدو بحبّه إلى ضياء، ويقول: "قد مات فيّ الإله"/ "هذي الألوهة عبء/ ناءت به كتفاه"، ثم يدخل ريّان "العاشق الولهان"، ويحدّثه عن حبّه لضياء، وكيف أنه جاء كي يمحو "من قلبها الأشجان". يستطرد أنكيدو: "عجيب كيف تهواها/ ولا تدري خفاياها"، ثم يكشف عن السر، ويخبره بأن ضياء هي نفسها تلك الزنبقة النشوى التي كانت تزهو على الأعشاب، وأن آلهات الغاب جعلن منها "عذراء جميلة" وأنها "أُرسلت للأرض رمز الطهر عربون الفضيلة"، ويدعوه إلى نسيانها. تعود ضياء، ثم تظهر ميناسيا، وتدخل في سجال مع أنكيدو، وتدافع عن حب ضياء لريّان، فيسألها: "لم تهوَ ريّان ولا تهواني/ ما الفرق بين حبّه وحبّي؟". وتجيبه: "حبّك جوعُ ذات/ أخذ بلا عطاء/ وحبّه التفات/ بالوهب بالسخاء".

في الختام، يمضي أنكيدو، ويتحوّل إلى سنديانة رحيبة الظلال تظلّل المتعبين وتحضن العاشقين، وتهلّل الآلهات لحب ضياء وريّان: "ها صار في الأرض حبّ/ مرنّم الصفاء/ ها صار في الأرض حبّ/ تُظلّه السماء".    
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها