الإثنين 2014/12/15

آخر تحديث: 09:24 (بيروت)

ماذا يقرأ السيسي؟

الإثنين 2014/12/15
increase حجم الخط decrease


فاجأ الروائي المصري الشاب شريف عبد الهادي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي وأعطاه روايته "أبابيل" مع إهداء بسيط كتب فيه: "اخترت "أبابيل" تحديدا حتى اهديها لسيادتكم، إذ توجه للحاكم والمحكوم أهم رسالة على الإطلاق "العدل أساس الملك"، ثم أشار بأسهم إلى الإهداء المطبوع على الرواية "لا يمنع انهيار السماء على الأرض سوى أعمدة خفية اسمها العدالة، فإذا ضاع العدل انهار كل شىء".

شريف قابل الرئيس المصري كواحد من شباب مبادرة "اسمعونا... فيه أمل" التي تجمع المبادرات الشبابية وتحاول الوصول لصانعي القرار،  يوضح شريف لـ"المدن": "يحمل كل منا مبادرة فردية لخدمة المواطنين، وقررنا دمج مبادراتنا وطاقاتنا تحت مظلة أشمل وأعم، تدعو لضم كل المبادرات في مصر، وتصدير طاقة الأمل للمصريين بعيدا عن حالة الشجار والخلاف السياسي، والانقسام السائد بين أفراد الشعب، وبما إني كاتب ولي مبادرة ثقافية تهدف إلى زيارة شباب الكتاب لجميع القرى والنجوع والأقاليم ونشر الثقافة والتذوق الأدبي في كل مكان، فقد حرصت على أن أهدي الرئيس أحد أعمالي الأدبية، واخترت من بينها رواية "أبابيل" كأول رواية مصرية تناقش الفساد القضائي وبطء المنظومة القضائية في الفصل بين الناس وإنجاز المحاكمات في وقت سريع".

- هل تظن أنه سيقرأ؟
وعدنى بذلك.

لم يقصد شريف أى رسائل تتخطى معنى الإهداء نفسه، ولم يعترض أحد من العاملين في الرئاسة على تسليم الرواية للرئيس يدا بيد، ولم يسأله أحد عن فحوى الكتاب. لكن الرواية التى تتناول الفساد القضائي وبطء العدالة التي تجبر المواطن على أن يأخذ حقه بنفسه ربما لا تنال رضى الرئيس.. لكن هل يقرأ السيسي الروايات؟

بشكل عام غابت الثقافة عن كل برامج المرشحين للرئاسة فى السنوات الأربع الأخيرة، وبالتأكيد لم تكن حاضرة فى برنامج السيسي لأنه ببساطة لم يكن يملك واحدا، وهو أمر يتماشى مع النظرة إليها طوال الوقت، باعتبارها أمراً زائداً عن الحاجة.

 قبل أن يصبح رئيسا، قابل السيسي مجموعة من الأدباء الكبار، وبعد أن أصبح رئيساَ لم تختلف المجموعة كثيرا ولم تتجاوز جيل الستينيات مع استثناء بسيط كأحمد مراد ممثلا لجيل الشباب.

ربما يملك السيسي ثقافة عسكرية بحكم الدراسة التي نالها والتدريب الذي خضع له، في مصر وخارجها، لكن ثقافته العامة أمر محير فعلا، فما الذي يقرأه إن كان يقرأ، وفي أي المعارف، هل يقرأ الكتب السياسة والعسكرية، أم أن له ميولاً أدبية، هل قرأ ألف ليلة وليلة، أو "وصف مصر" لجمال حمدان، " 1948 ومزرعة الحيوانات" لجورج اورويل، و"الأيام" لطه حسين، أو حتى "باب الخروج" لعزالدين شكري...، هل قرأ شعر أحمد شوقي أم أحمد فؤاد نجم وأمل دنقل، أم يكتفي برباعيات الأبنودي؟ ما هي الكتب التي قرأها وأثرت في تنشئته الفكرية وشكلت رؤيته؟!

للأسف لم نسمعه حتى الآن متحدثا عن أحد الفنون البصرية كالسينما أو الفن التشكيلي، ولم يتحدث حديثا واضحا عن المسرح، حتى في المرات التي يجتمع فيها مع العلماء والمفكرين والفنانين، فإنه يتحدث حديثا عاما محيلا الأمر بكامله إلى ضفة من يتحدث إليهم.

في المجمل لم نسمع في عالمنا العربي عن رئيس قارئا للأدب، محبا للفن والموسيقى والسينما، كارها للرقابة وكل قيود التفكير. بل ربما لن يحدث في العالم العربيّ شيء من ذلك، فمعظمنا يعرف أنّ المسؤولين لا يقرأون، بل إن بعض زعماء الدول العربيّة بالكاد يفكّون الخطّ.

ربما لم يجتمع حسني مبارك مع الكتب إلا في معرض الكتاب الذي كان يفتتحه سنويا ثم أهمل الأمر تماما بعد أن ضايقه أحد المثقفين بسؤال لم يكن على هواه، ولم نسمعه مرة يستشهد بحكمة أو بيت شعر أو يتحدث عن طه حسين أو الحكيم أو نجيب محفوظ حديث القارئ الواعي، بل كان ملفتا توقف البعض عند النعي الذي رثى فيه مبارك نجيب محفوظ، فلاحظوا أنه لم يذكر كلمة واحدة عن أدب محفوظ ولا تحدث عن أي من قصصه ورواياته، وعقد كثيرون مقارنات بين الكلام العام المنسوب لرئيس مصر في رثاء محفوظ وبين ما قاله الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس وزراء فرنسا دومينيك دي فيلبان ووزير خارجية ألمانيا فالتر شتاينماير وسفير المكسيك في القاهرة.

وحده جمال عبدالناصر كان قارئًا نهمًا، مفتونًا بالاطلاع على أحدث إبداعات الكتاب المصريين والعرب والأجانب، كما كان من محبي الاستماع إلى أم كلثوم وعبدالوهاب، وعلى موقعه الرسمي قسم خاص يرصد الكتب التي قرأها في مراحل عمره، وجلها كتب سياسية أو عسكرية ففي فترة الدراسة مثلا قرأ: "الذئب الأسمر مصطفى كمال" لأرمسترونغ، و"مطلع حياتي" لونستون تشرشل، "استراتيجية الجو" لنورمان ماكمولان، و"لغز الرايخ" لو. وليمس، "قصة الغواصة" ل ج. جاكسون، و"الثورة الفرنسية" لهلير بيلوك، "الحرب الآلية" لماجور فولر، "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم. كما أن هناك شواهد كثيرة تقول إنه قرأ الكثير من أدبيات الإخوان المسلمين، لكنها لم تكن مقنعةً له في نهاية الأمر.

 كذلك يمكن القول الأمر نفسه بالنسبة للسادات الذى كانت تربطه بعالم الثقافة والآداب والفنون أواصر ووشائج.

أما محمد مرسي فقد حصر نفسه فى قراءات محدودة فرضتها عليه توجهات جماعته، ونظرته للثقافة لا تختلف كثيرا عن نظرة الجماعة التي ربما تعتبرها أمرا يستوجب المجابهة، وليس أدل على ذلك من اختياره لوزير للثقافة لا علاقة له بالثقافة على الإطلاق، حاول قدر طاقته "أخونة" الوزارة، لولا انتفاضة المثقفين واعتصامهم الشهير في مكتبه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها