الخميس 2017/06/01

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

لماذا زار الأمير محمد بن سلمان موسكو؟

الخميس 2017/06/01
لماذا زار الأمير محمد بن سلمان موسكو؟
توجد سلسلة كاملة من "نقاط الخلاف التي تحمل طابعاً مبدئياً" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
صبيحة زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى موسكو، استضافت وكالة "نوفوستي" الروسية الرسمية، أكثر من خبير روسي في شؤون الشرق الأوسط، لاستطلاع آرائهم حول الزيارة. فنقلت عن مدير مركز الشرق الأوسط في المعهد الدولي للأبحاث الإستراتيجية الرسمي فلاديمير فيتين، قوله إن المطلوب لتصبح التسوية في سوريا حقيقة واقعية، أن يُقدِم السعوديون وموسكو وطهران وأنقرة، على "تنازلات متبادلة والخروج بحلول ترضي الجميع". وقال إن المهمة الرئيسية للسعوديين والأميركيين كانت تتمثل في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وإقامة سلطة جديدة، ولكن بما أن هذا لم يحصل، فسوف يعمل السعوديون ما في وسعهم الآن لكي تصبح القوى المرتبطة بهم هي الأكثر نفوذاً في هذه المناطق أو تلك من سوريا. و"إذا ما حصلت تجزئة سوريا، فإن السعوديين سوف يسعون لمد نفوذهم على جزء معين منها، لكي يسيطر عليه الذين تدعمهم".

كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الإستشراق الروسي بوريس دالغوف، قال: إن الرياض حاولت  أكثر من مرة استخدام طاقاتها المالية والإقتصادية كأداة للضغط على موسكو، بما في ذلك في قضية التسوية السورية وسواها من الصراعات. وأضاف دالغوف أن مثل هذا العرض "المربح على المستوى الإقتصادي"، ينبغي أن يترافق مع تنازلات أو تغيير في موقف روسيا السياسي "يكون مربحاً للسعودية". هذه هي سياسة السعودية، وهي معروفة برأيه، ولا تُطبق مع روسيا فحسب، بل تطبق مع دول أخرى أيضاً مثل مصر، على سبيل المثال. وإذا ما أخذنا بالإعتبار، أن موقف الرياض من الأزمة السورية على نقيض كلي مع موقف روسيا، فإن استراتيجيتها قد تتمخص عن خطوات ما على الصعيد الإقتصادي، إلا أنها خطوات تستثير بعض المخاوف السياسية. ولهذا فإن جميع الإتفاقيات، التي قد يتم التوصل إليها مع المملكة العربية السعودية "يجب التمحيص بها بدقة شديدة"، بحسب دالغوف.

وفي اليوم التالي لزيارة الأمير محمد بن سليمان، نشرت "نوفوستي" مقالة للأستاذ المساعد في قسم البوليتولوجيا في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، كيفورك ميرزيان، بعنوان "لماذا زار الأمير محمد موسكو؟ إنهم يدعون روسيا إلى الناتو العربي". وقال ميرزيان إن الأمير محمد بن سلمان وبغض النظر عما يشغله من مناصب، إلا أنه، هو مَن سيخلف والده في الحكم. فالأمير، على قول ميرزيان، هو الرجل الثاني في الدولة، والذي أُوكلت إليه "مناقشة المسائل الأهم في الدولة، والتي يتوقف عليها، إلى حد كبير، بقاء النظام السعودي".

وإذ يشير ميرزيان إلى أن النفط كان من المسائل الأساسية على طاولة المفاوضات، يقول إنه إذا كان انخفاض سعر النفط بالنسبة إلى روسيا، يهدد بتخفيض الإنفاق فحسب، فإنه في المملكة السعودية "يُعرّضُ للخطر العقد الإجتماعي نفسه بين آل سعود والمجتمع، وهوالعقد الذي يضمن الملك وفقه تدفق الدولارات النفطية على السكان، مقابل الحصول على ولائهم". ولهذا السبب ساعدت الرياض موسكو على تمرير فكرة تخفيض الكوتات. موسكو اعتبرت في حينه أن نفوذ بوتين العالمي لعب الدور الأساسي في التوصل إلى الإتفاق على تخفيض سقف إنتاج النفط، وهو التعاون، الذي أطلقت عليه أجهزة الإعلام العالمية تسمية التحالف النفطي.

ويقول هذا الخبير إن ثمة آفاقاً واسعة لتعميق التعاون الإقتصادي بين الطرفين، لا في مجال النفط فحسب، فالطرف السعودي ينوي المشاركة في تطوير أحد المطارات في موسكو، على سبيل المثال. إلا أنه يستدرك بالقول إن مثل هذا التعاون مستحيل من دون تعميق التعاون السياسي الموازي له، إذ توجد سلسلة كاملة من "نقاط الخلاف التي تحمل طابعاً مبدئياً"، كما هي الحال في سوريا.

ويقول ميرزيان، إن موسكو تؤيد التسوية السياسية للأزمة السورية بمشاركة جميع الأطراف الداخليين والخارجيين، وعلى أساس الحقائق الموجودة؛ "انتصارات الأسد العسكرية والسياسية". إلا أن روسيا ليست موافقة سوى على التسوية السياسية، التي ترمي بإيران خارج سوريا. وبما أن طهران تحقق نفوذها عبر نظام الأسد بالذات، فإن الرياض تؤيد معادلة "سوريا بدون الأسد"، حسب ميرزيان. لكن هذه المعادلة غير قابلة للتطبيق الآن، و"السعوديون لا يقبلون بمعادلة أخرى، ولذلك هم يؤيدون مواصلة الحرب الأهلية السورية من خلال تمديد أمد المفاوضات السياسية في جنيف، وتمويل مختلف المجموعات التي تحارب الأسد بما فيها المجموعات الإسلامية الراديكاليية".

نقطة الخلاف الثانية مع الرياض، هي السياسة الإقليمية حيال إيران، كما يؤكد ميرزيان؛ فليس سراً أن السعودية تخطط لإقامة تكتل إقليمي لاحتواء إيران، بل وطرد نفوذها من الشرق الأوسط ككل. وفي إطار هذا التخطيط بالذات "استأجرت" الرياض دونالد ترامب، ودفعت له، مقابل المشاركة في هذا الإحتواء لإيران. 350 مليار دولار على شكل محفظة تجارية-استثمارية. وتدعو السعودية إلى إقامة "ناتو عربي". وتشير كل الدلائل إلى أن الأمير محمد قد ناقش أيضاً مشاركة روسيا في هذا المشروع، على قول ميرزيان. ويؤكد أن موسكو ليست متحمسة لهذا المشروع. أولاً، لأن الكرملين لا يريد الإختلاف مع إيران، على الرغم من أن روسيا قد لا تعجبها بعض جوانب سياسة إيران الإقليمية مثل موقفها من إسرائيل. لكن على صعيد العلاقات الثنائية، ليس لدى موسكو وطهران أية اسباب للتناقضات الجدية، وذلك خلافاً للعلاقة مع الرياض، التي "تدعم الجماعات الإرهابية السنية المختلفة". وهذا هو السبب الثاني، الذي يجعل الكرملين يقف موقفاً سلبياً من أي مشاريع استراتيجية ثنائية مع شريك كالمملكة.

الثقة بالشركاء السعوديين هي، كما يرى الخبراء الروس، تقارب الحد الأدنى، حتى وفق معايير الشرق الأوسط، بحسب ميرزيان.

ويؤكد ميرزيان، أن جميع الدلائل تشير إلى أن الرياض سوف تقوم بمحاولة أخرى لإقناع موسكو، وذلك حين يزور الملك سلمان بن عبد العزيز موسكو. ويشير الرجل إلى ترحيب الرئيس الروسي بوتين بالزيارة العتيدة للملك سلمان، وبأنها "ستشكل حافزاً جيداً لتطوير العلاقات بين الدولتين"، إلا أن مثل هذا "الحافز" من المشكوك فيه أن يفضي إلى ضم روسيا إلى "الناتو العربي"، أو تغيير موقف موسكو في سوريا.

تنفرد روسيا بالموقف الذي تتخذه في الشرق الأوسط، برأي ميرزيان، فهي القوة الخارجية الوحيدة، التي لها علاقات عمل مع جميع بلدان المنطقة: الأعداء في ما بينهم. وهي لا تنوي إعادة ترتيب المنطقة والأنظمة هناك وفقاً "لما ترغب به"، كما أنها لا تطمح إلى دور الزعامة في المنطقة. بل إن بوسع الكرملين، حالياً، أن يقوم على نحو مثالي، بدور الوسيط في الكثير من "الأزمات التي غرقت بها السعودية" بما في ذلك الأزمة اليمنية، التي يتولى شأنها الأمير محمد بالذات، والتي "يتوقف على النجاح في الخروج منها مستقبله، إلى حد كبير". كما يمكن لموسكو أن تلعب دور عامل التوازن في هذه الأزمة، أي من دون أن تقف على نحو مكشوف إلى جانب أي من طرفي النزاع، وتستطيع مع ذلك، دعم السعودية مثلاً من خلال مدها بالسلاح؟ وهكذا يتبين برأي ميرزيان، أن الرياض في الوقت الراهن بحاجة إلى موسكو، أكثر مما موسكو بحاجة إلى الرياض.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها