الأربعاء 2017/03/22

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

لماذا تتواجد القوات الروسية في عفرين؟

الأربعاء 2017/03/22
لماذا تتواجد القوات الروسية في عفرين؟
نشر القوات الروسية في عفرين، خطوة استباقية، تهدف إلى تعطيل محاولات "درع الفرات" للتقدم (انترنت)
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي تجد فيه المعارضة المسلحة على اختلاف توجهاتها، مساحة للمناورة وشن هجمات برية ضد النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية" في جبهات مختلفة من ريف حماة ودرعا ودمشق وريفها، أغلقت الأبواب في وجه "درع الفرات" المدعومة تركياً لمنعها من مواصلة عملياتها العسكرية بعد استعادة مدينة الباب في ريف حلب الشرقي.

أهداف "درع الفرات" المُعلنة، بعد سيطرتها على الباب، هي الوصول إلى منبج وضفتي الفرات الأعلى، والتوغل بعد ضفة الفرات الشرقية في ريفي عين العرب والطبقة، التي كان من المقرر أن تكون منطلق العمليات نحو الرقة. بالإضافة إلى استعادة السيطرة على القرى والبلدات العربية التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، مطلع العام 2016 على جانبي الطريق الدولي حلب–غازي عينتاب في ريف حلب الشمالي. وتتزعم "وحدات الحماية" تحالف "قوات سوريا الديموقراطية"، وهي تمثل الجناح العسكري لحزب "الاتحاد الديموقراطي".

آمال "درع الفرات" تبدو سراباً حتى الآن، بسبب تحالفات "قسد" الوثيقة مع اللاعبين الثلاثة الأكثر فاعلية في الشمال السوري؛ روسيا وأميركا والنظام، وجميع هذه الأطراف تريد حصار النفوذ التركي في الشمال كي لا يتمدد أكثر.

خسرت "درع الفرات" الطريق الأول باتجاه الرقة، في التفاهم الروسي-التركي، الذي جرى حول معركة الباب، وتقاسم الحصص في ريف حلب الشرقي بينها وبين النظام. وسمح الوقت الطويل الذي استغرقته معركة الباب، لـ"قسد" بتعزيز قدراتها العسكرية في منبج، وإثبات جدارتها في قتال التنظيم في ريف الرقة الشمالي ضمن عملية "غضب الفرات". وهو ما عزز التحالف بينها وبين الولايات المتحدة التي منعت بشكل مباشر أي عمل عسكري لـ"درع الفرات" بدعم تركي، لآن ذلك ببساطة يُعكّر صفو معركة الرقة.

وبعد أن أوصدت الأبواب في وجه "درع الفرات" جنوب وشرق مدينة الباب، بدأت فصائل المعارضة تفكر في استعادة مناطقها التي خسرتها لحساب "قوات سوريا الديموقراطية" في الغرب؛ تل رفعت وأكثر من 10 قرى، ومطار منغ العسكري. واستجابت تركيا لرغبة المعارضة، وبدأت بالضغط العسكري على "قسد" عبر استهداف مواقعها في ريف حلب الشمالي، بالمدفعية والصواريخ منذ بداية أذار/مارس.

وتزامن هذا الضغط العسكري منذ منتصف أذار، مع الحديث عن مبادرة ومفاوضات بين "درع الفرات" و"قسد" بهدف إخراج الأخيرة من المناطق التي تحتلها، ودخول المعارضة إليها بكامل سلاحها وعتادها العسكري. ويشرف على التفاوض بين الطرفين "لواء المعتصم" وهو أحد الفصائل المعارضة التابعة لبرنامج التدريب الذي ترعاه وزارة الدفاع الأميركية.

المعارضة تقول إن المفاوضات لم تسفر عن نتائج حتى اللحظة، وتؤكد أنه في حال تم إفشال العملية فإن الحل العسكري هو الخيار الذي ستركز عليه، إذ لا يمكن أن يستمر تجاهل هذا الاحتلال والتشريد لعشرات آلاف المدنيين من أبناء المناطق التي تحتلها "قسد".

وتمكنت "قسد" من تعزيز قدراتها العسكرية في ريف حلب الشمالي، في عفرين وريفها، بعدما اتصلت جغرافياً بمناطق سيطرتها شرقي الفرات، من خلال تقدم مليشيات النظام في مناطق "داعش" في ريف حلب الشرقي في شباط/فبراير 2017. وأصبح بمقدور "قسد" نقل معدات وذخائر متنوعة، وبكميات كبيرة إلى عفرين، بخلاف الفترة السابقة التي كانت تعتمد فيها في عفرين بشكل كبير على عمليات التهريب لتأمين السلاح والذخائر من مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي.

بدت قوة ترسانة "قسد" واضحة خلال المواجهات التي جرت في أكثر من موقع غربي وجنوبي مارع. وقتل صباح الأربعاء جندي تركي في الريحانية التركية في عملية قنص نفذتها "قسد"، وردّت المدفعية التركية بقصف مواقع "سوريا الديموقراطية" في ريف عفرين.

القوة المتنامية لـ"قسد" في عفرين وتل رفعت، لا يبدو أنها كافية في وجه تصعيد تركيا، التي وجهت لها ضربات مدفعية موجعة مؤخراً من قواعدها في ريف حلب الشمالي. ولم تنفع كذلك خدعة "المصالحة" مع النظام التي روجت لها "قسد"، والادعاء بتأمين عودة المُهجرين إلى قراهم وبلداتهم، لإيقاف المعارضة.

ودفع ذلك بـ"قسد" إلى إبرام اتفاق مع روسيا، يسمح لقواتها بالانتشار في موقعين قرب عفرين. ولكن ما الفائدة التي تحققها "قسد" من التواجد العسكري الروسي في عفرين على تخوم "درع الفرات" شمالي حلب؟ هل وحدها الأهداف المعلنة، التي تم تلخيصها في التدريب ومراقبة "وقف إطلاق النار" كافية لتفسير هذا التقارب؟ أم أنها أبعد بكثير مما هو معلن؟

الاتفاق بين روسيا و"قسد"، تضمن تصريحات متناقضة بين الطرفين. فـ"قسد" أكدت أن الاتفاق يتضمن إنشاء قاعدة عسكرية في جنديرس، وروسيا نفت أن يكون لديها نية بإنشاء المزيد من القواعد العسكرية في سوريا. المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب" الكردية ريدور خليل، أعلن الإثنين، أن روسيا "بصدد إقامة قاعدة عسكرية في شمال غربي سوريا وتدريب مقاتلي الوحدات". لكن وزارة الدفاع الروسية قالت إنها "لا تعتزم إقامة أي قواعد عسكرية جديدة في سوريا". وأضافت أن فرعاً "لمركز المصالحة" الذي يتفاوض على هدنات محلية بين الأطراف المتحاربة في سوريا يوجد في محافظة حلب قرب عفرين. لكن الواقع على الأرض مختلف عن التصريحات الروسية.

وسبقت الخطوة الروسية في عفرين، اجتماعات دورية منذ مطلع العام 2017، مع "وحدات حماية الشعب" الكردية في المدينة. وتمحورت اللقاءات حول بحث مستقبل المدينة عسكرياً، في ظل التطورات العسكرية المتسارعة في الريف الحلبي، والتدخل العسكري التركي المباشر، وتحقيق عملية "درع الفرات" أهدافها الأولية. وربما توصل الطرفان أخيراً إلى اتفاق يضع عفرين تحت الحماية الروسية.

التواجد العسكري للقوات الروسية أصبح واقعاً، ولا يقتصر على موقع واحد، بل على موقعين؛ الأول في جنديرس على بعد 20 كيلومتراً تقريباً من عفرين إلى الجنوب الغربي بالقرب من أطمة في ريف إدلب، والثاني في معسكر الطلائع في كفر جنة شمال شرقي عفرين على بعد 11 كيلومتراً تقريباً بالقرب من قطمة التي تسيطر عليها "درع الفرات".

المتحدث باسم "لواء المعتصم" مصطفى سيجري، أكد لـ"المدن" أن نشر القوات الروسية بالقرب من مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، خطوة استباقية، تهدف بالدرجة الأولى إلى تعطيل أي محاولة من قبل "درع الفرات" للتقدم واستعادة مناطقها المحتلة، أو التفكير بالتقدم إلى عفرين التي تدخل في نطاق المنطقة الأمنة التي تسعى تركيا لإنشائها. سيجري قال: "دخول القوات الروسية إلى عفرين كان من دون تنسيق مع تركيا".

المعارضة في "درع الفرات" بالغت قليلاً في خطورة الانتشار العسكري الروسي في عفرين، لكن ما أثار مخاوفها هو احتمال تطور هذا التواجد ليشمل إعادة تأهيل وتشغيل مطار منغ العسكري، وبذلك تصبح آمال المعارضة في استعادة مناطقها شبه مستحيلة، في ظل انشغال تركيا بالعديد من الملفات والضغوط الخارجية والداخلية وهي على موعد مع استحقاق الاستفتاء.

ما الذي سيترتب على الوجود العسكري الروسي في عفرين؟ هل سيكون مقدمة لتنامي وجودها العسكري هناك، وتمدده نحو مناطق المعارضة؟ أم سيكون التواجد الروسي مفتاح الحل الذي عجزت عنه تركيا، وهو أمر مستبعد كما يقول مراقبون، أي الضغط على "قسد" كي تسلم المناطق العربية التي سيطرت عليها مطلع العام 2016 في ريف حلب الشمالي بدعم جوي روسي مباشر إلى أصحابها الأصليين؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها