السبت 2017/03/18

آخر تحديث: 18:15 (بيروت)

كيف تواجه "حماس" الدواعش في غزة؟

السبت 2017/03/18
كيف تواجه "حماس" الدواعش في غزة؟
من عرض عسكري لحماس في غزة (المدن-أرشيف)
increase حجم الخط decrease

يرد الاحتلال الإسرائيلي بين الفينة والأخرى على إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات "غلاف غزة"، عبر قصف مدفعي وجوي لمواقع في القطاع، وكان آخرها صباح السبت، عندما قصفت المدفعية الإسرائيلية مناطق متفرقة في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، رداً على صاروخ أُطلق من غزة وسقط في منطقة مفتوحة في "المجلس الإقليمي ساحل عسقلان"، من دون وقوع إصابات.

ورغم أن عملية إطلاق الصواريخ تُسجل ضد مجهول في كل مرة، على الأقل بالنسبة للرأي العام، إلّا أن هوية وتوجه الفاعلين باتت واضحة بالنسبة لـ"حماس" وحتى لإسرائيل، لاسيما وأن الحركة تواجه مُطلقي هذه الصواريخ بصمت وبعيداً عن الإعلام، والحديث يدور هنا عن مجموعات أو افراد يتبنون افكاراً سلفية جهادية أقرب إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وغالباً ما يقدمون على ذلك نكاية بـ"حماس" بُغية جر غزة إلى حرب من شأنها أن تخلق فوضى تؤدي إلى تحرر نشاط هذه الجماعات التي تواجهها "حماس" وتسجن عدداً من أفرادها.


نشاط تلك الجماعات فرض أسئلة ملحة: من هي هذه الجماعات؟ وكم تُقدر قوتها في غزة؟ ومن أين تحصل على صواريخها التي تُطلقها على اسرائيل من دون أن تتمكن الأخيرة من رصد أفرادها خلال عملية الإطلاق؟


يكشف صحافي من بين مجموعة ضيقة جداً تسمح لها "حماس" بالإطلاع على ما يقوم به جهاز "الأمن الداخلي" للحركة، الذي يتولى مهمة متابعة ملف الجهاديين ورصدهم، ويقول لـ"المدن"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن الصواريخ التي يستخدمها هؤلاء ليست لهم، وإنما لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، حيث يقومون بعمليات رصد ومتابعة دقيقة لمواقع صواريخ "القسام" المرزوعة تحت الأرض، وأثناء عمليات تبديل الحراسات الليلة بين عناصر "القسام" يقوم أولئك بالدخول إلى مواقع الصواريخ المثبتة والتي تنطلق رشقاتها بشكل أوتوماتيكي.


ويضيف المصدر، أن عناصر تلك الجماعات يقومون بزرع مؤقت لإطلاق الصواريخ خلال مدة زمنية معينة، كفيلة بالسماح لهم بمغادرة المكان مسافة كافية حتى لا يتم رصدهم من قبل طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لحظة إطلاق الصواريخ.


وتبدو "حماس" حريصة على عدم إشعال جبهة غزة مع الاحتلال في هذا الوقت، لأسباب ذاتية وأخرى متعلقة بغزة التي لم تفق بعد من هول الدمار والآلام التي خلفتها حرب 2014، فهي تُعرب عن انزعاجها الكبير مما تقوم به هذه الجماعات رغم أنها لا تشكل خطراً وجودياً عليها حتى الآن بحسب تقديرات الحركة، لكنها تلاحق عناصرها بشكل مستمر خشية تناميها والحيلولة دون قيامها بأفعال لا تُحمد عُقباها.


وحصلت "المدن" على أرقام تقديرية لعدد المعتقلين السلفيين في سجون "حماس" حالياً. وبحسب المصادر فإن العدد يتراوح بين 70 و 120 شخصاً يوصفون بالمتشددين جداً؛ كونهم متهمين بقضايا ترتبط إما بالتخطيط أو التنفيذ لتفجير اسواق واستوديوهات أفراح وأماكن عامة وصالونات نسائية ومقاهٍ، وكانت ذروة تلك المحاولات في أعوام 2013 و2014 و2015، ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقة بين "حماس" و"الجهاديين" منحى مختلفاً ووضع الطرفين في مواجهة صامتة.


وعلمت "المدن" من مصادر متطابقة أن عدد السلفيين المطلوبين لـ"حماس" يتجاوز 70 شخصاً، بيد أن مصدراً قيادياً في "حماس" بدا مُتحفظاً على ذكر الأرقام، بالرغم من إقراره بصعوبة تحديد أعدادهم في غزة، لأن بعضهم لا يوجد شيء ملموس لإدانته رغم الشكوك التي تحيط بأفكارهم وسلوكياتهم، فيما البعض الآخر تم عقد صفقة معه بأن يوقف نشاطه ويلتزم بيته.


وتكشف الاعترافات المُسجلة لتلك العناصر، والتي تُحاول "حماس" جاهدة أن تبقيها "سرية"، أن أحد الجهاديين المعتقلين إعترف بتلقي أوامر مباشرة من قيادات تابعة لـ"داعش" في سوريا. بالإضافة إلى أنها تكشف مخططاً لعملية انتحارية في أحد الأسواق العامة في غزة، حيث تتواجد نساء كُثر. وتمكن "الأمن الداخلي" من اعتقال شخص قام بزرع عبوة ناسفة في موقع تدريب لما يُعرف بـ"الجيش الشعبي" التابع للجناح العسكري لـ"حماس" في ديرالبلح وسط القطاع.


وبالنظر إلى الخلفية الإيديولوجية والسياسية لعناصر وقيادات هذه التيارات، فإن مشاربها تتعدد، فمنهم من بقي في إطار حركة "حماس" وهؤلاء يسمون في الحركة بـ"جلجلة"، لتمييزهم عن "الكل الحمساوي".


وقال مصدر إعلامي مُطلع في "حماس"، لـ"المدن"، إن بعض العقبات التي تقف في وجه الحركة  في عملية ملاحقة ومواجهة المتشددين، يكمن في أن بعض مطلقي الصواريخ هم من "الافراد المنفلتين" في الحركة الذين يُعارضون توجهات "حماس" السياسية وحتى دخولها معترك السياسة، ويقومون بذلك بشكل فردي وليس مُنظم.


ودأبت حركة "حماس" على عمل "مُناصحات فكرية" للعديد من العناصر المتشددة المعتقلة في سجونها خلال السنوات الأخيرة، وكانت ذروتها قبل نحو عامين عندما وصلت باكورة الاعتقالات في صفوفهم إلى "مئة" شخص، وقامت "حماس" بالإفراج عن بعضهم مقابل تعهدهم بإيقاف نشاطهم وتغيير سلوكهم، غير أنهم واصلوا ذلك عبر منصات الإعلام الاجتماعي، إذ يعبرون عن تأييدهم الدائم لـ"داعش" بشكل صريح.


وتتوزع هذه الجماعات بين فئة يقتصر دورها على الناحية الدعوية، وهي تعمل براحة كبيرة حسب أحد المطلعين، لكنها مرتبطة بشكل غير مُعلن بالتيارات الجهادية، ولديها ميول كبيرة لـ"داعش" تظهر بشكل جلي على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "فايسبوك". وهذه الفئة تصنف في إطار "الخلايا النائمة" وعناصرها كتبوا تعهدات بعدم إثارة المشاكل للحركة.  أما الفئة الثانية فتعتبر خلايا نشطة، وعناصرها غير معروفين بشكل واضح، ويقومون بالتخطيط وجلب أموال من مصادر متعددة، ويتواصلون مع قيادات من "داعش" خارج غزة. وإلى جانب تلك الفئتين، هناك فئة ثالثة توقفت عن نشاطاتها بعدما انكشف أعضاؤها لـ"حماس".


ويرى البعض أن تشدد "حماس" في مواجهة تلك العناصر أوقع عدداً من الأشخاص البريئين من فكر التنظيم المتطرف في سجونها. ومن أولئك الشاب خالد حرب (25 عاماً)، الذي اعتقلته الحركة قبل نحو ثلاثة أشهر بتهمة الانتماء إلى جماعة جهادية، لكن شقيقته هاجر حرب تقول إن العائلة لا تعلم ماهية التهمة، وتقوم بحملة مستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق سراحه. كذلك، يعتبر الشاب عاطف مصلح أحد أولئك، وتتقاطع رواية عائلته مع عائلة حرب في إنكار التهمة، واعتبار اعتقالهما تعسفياً.


الباحث والمختص بشؤون الجماعات الإسلامية حسن أبوهنية، قال لـ"المدن"، إنه لا توجد بيئات محصنة من تنامي "داعش" والتنظيمات السلفية الجهادية، مشيراً إلى وجود نحو ثماني جماعات سلفية جهادية في غزة تضم أكثر من ألفين من المنتمين إليها. ويعتبر أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في غزة يُنذر بناقوس الخطر تجاه مضاعفة المناصرين لهذه التيارات.


ويُقدر أبوهنية عدد فلسطينيي الضفة وغزة والخط الأخضر الذين خرجوا للقتال في صفوف "داعش" في سوريا والعراق وسيناء، بما لا يقل عن أربعمئة شخص، بينهم 250 شخصاً من غزة وحدها، مع العلم أن هذا العدد لا يشمل فلسطينيي الشتات والذين يعيشون خارج فلسطين وانضموا إلى التنظيم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها