الأربعاء 2017/10/11

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

محمد دحلان..أخطبوط يلهو في سوريا وتونس ومصر

الأربعاء 2017/10/11
محمد دحلان..أخطبوط يلهو في سوريا وتونس ومصر
يعامل دحلان في الإمارات كأحد "شيوخ" الأسرة الحاكمة (Getty)
increase حجم الخط decrease
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تحقيقاً حول القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، وصفته فيه بأنه "قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط"، كاشفة عن دوره في تخريب الثورات العربية، ومشيرة إلى الدعم "السخي" الذي يحظى به في كل تحركاته من "صديقه الحميم"، ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.

وقال مراسل الصحيفة في بيروت بنيامين بارت، وهو كاتب التحقيق، إن شبح "أبو فادي"، كما يعرف دحلان بين الفلسطينيين، يحوم من جديد في سماء غزة، وإن اسمه على كل لسان وأمواله تشغل كل الأذهان، معتبراً أنه أحد الفاعلين الرئيسيين في لعبة جيوسياسية كبيرة تشارك فيها مصر والإمارات وجهات فلسطينية.

ولتحقيق مآربه في غزة، يقوم دحلان منذ بداية الصيف الحالي بمناورات بدعم مالي إماراتي ومباركة مصرية للعودة إلى القطاع، في ظل حديث عن تقاسمه السلطة مع الإسلاميين بحيث يتولى هو الإدارة المدنية للقطاع ويحتفظ الإسلاميون بالمهام الأمنية.

وقد دفع احتمال عودة دحلان إلى السياسة المحلية الفلسطينية غريمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى الإعلان عن تولي حكومته السلطات التنفيذية في القطاع، وذلك بمبادرة من حركة "حماس"، التي يبدو أنها تلعب على التنافس بين قطبي حركة "فتح"، مما يعني أن دحلان خسر هذه الجولة لصالح عباس، لكن لا شك في أنه لم يقل كلمته الأخيرة.

والمتتبع لتحركات دحلان خلال السنوات الثلاث الأخيرة يجد أنه قابل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرات عديدة، وشارك في مفاوضات في الخرطوم لبناء سدّ على النيل، ونفذ مهمات سرية لدى الجنرال خليفة حفتر في ليبيا الذي يتهم بأنه هو من يمده بالأسلحة والمرتزقة، وساهم في تأسيس حزب معارض سوري جديد في القاهرة، إضافة إلى ما ينقل عن بعض العارفين به في فرنسا من أنه حضر خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض في مايو/أيار الماضي.

دحلان وابن زايد
ويعود الفضل في الصعود المذهل لدحلان إلى كونه المستشار المقرب والصديق الحميم لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، القائد الفعلي للإمارات، منذ تواري أخيه غير الشقيق الشيخ خليفة بن زايد عن الأنظار بعد إبعاده عن السلطة على أثر إصابته بجلطة دماغية، وبفضل هذا الغطاء السياسي الذي يحظى به دحلان والشيكات الإماراتية المفتوحة التي توفر له وتقديم بن زايد له كـ"شقيق"، غدا أبو فادي لاعباً في حلبة الكبار.

وهو يعامل، حسب ما نقلته لوموند عن دبلوماسي عربي في باريس "كشيخ من الأسرة الحاكمة، أي معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بسيارات الليموزين"، أما المهمة التي كلفه بها "ولي نعمته" فهي عمل كل ما في وسعه للتأثير على إعادة عملية شرق أوسط ما بعد "الربيع العربي"، وذلك حسب رغبة ابن زايد المتمحورة حول نفوره من ثلاثي الإسلاميين وإيران وقطر.

وبحسب تقرير "لوموند" الذي ترجمته "الجزيرة" إلى العربية، إن لدى دحلان شركة أبحاث في أبوظبي تُسمّى "الثريا"، وهي مركز دراسات اقتصادية، ضمن سلسلة مؤسسات يمارس من خلالها أنشطته، وتنقل عنه قوله إنه يملك مكتباً في أبوظبي وآخر في القاهرة وآخر في أوروبا، لكن دحلان يقول إنه طوّر أعماله لوحده، نافياً أن يكون مستشاراً لابن زايد، وزاعماً أنه "مجرد صديق للأسرة الحاكمة"، لكن الصحيفة تنبه إلى أن من يفتش في الموقع الإلكتروني لـ"إنترناشيونال كومبني بروفايل"، وهي وكالة لتقييم مخاطر القروض، يجد أن "الثريا" هي شركة تابعة لمجموعة "الإمارات الملكية القابضة"، المملوكة لأسرة آل نهيان.

في أبو ظبي، وجد دحلان تجمعاً لرموز الأنظمة القديمة التي أطاحت بها الثورات العربية، من أمثال رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق ومحمد إسماعيل المستشار الأمني لسيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إضافة إلى أحمد صالح ابن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وقائد حرسه الجمهوري.

لم يضيع دحلان الوقت في تأمل تقلبات التاريخ، بل بدأ يعمل بجد لمواجهة صعود الإخوان المسلمين الفائزين في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس بعد انتفاضات عام 2011، كما دشن ولي نعمته الإماراتي دبلوماسية سرية وتحريضية خشنة، وجعل من دحلان إحدى دعائم هذا التوجه المضادة للثورة.

حقائب الأموال في غزة
استثمر دحلان في وسائل الإعلام المصرية لصالح الإمارات، حيث ساهم في إنشاء قناة "الغد" التي يديرها عبد اللطيف الميناوي الصّحافي المقرّب من نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والذي يتوق لعودته، وفي مقابل ذلك قدمت له السلطات المصرية خدمات، فسمحت مثلا لزوجته جليلة، في أبريل/نيسان 2015، بدخول قطاع غزة عبر معبر رفح، في الوقت الذي أغلقت فيه إسرائيل معبر بيت حانون (إيريز) بضغوط من عباس. وبعد دخولها القطاع حاملة حقائب مليئة بالأموال مولت جليلة دحلان زواجا جماعيا لـ400 غزّي، وفي اليوم الموالي، ظهرت لافتات في شوارع غزة كتب عليها "شكراً الإمارات".

ويرى صحافي مصري مقرب من أجهزة الاستخبارات المصرية في تعليق على الموضوع لصحيفة "لوموند"، أن "السيسي ليس داعماً لمحمد دحلان على وجه الخصوص، بل يتواصل مع قادة فلسطينيين، لكنه يريد تحريك المياه الراكدة، ولا بد أن نعترف بأن دحلان رجل ذكي ومفيد بالنسبة للنظام المصري لأن لديه علاقات ويعرف الداخل والخارج من القطاع".

وبعد حديث مطول عن دور دحلان التخريبي في كل من ليبيا وسوريا وتونس، تستخلص الصحيفة من مشوار دحلان، أن صعود هذا الرجل عبر الجمع بين الطرق الدبلوماسية والأعمال التجارية والاستخبارات مؤشر على عودة سياسة الحكم من خلال "القبضة الأمنية" في العالم العربي، وهو نظام مرغت ثورات عام 2011 أنفه في التراب، لكنه قرر اليوم الانتقام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها