الأحد 2017/01/22

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

الباب: القصف الروسي لدعم النظام؟

الأحد 2017/01/22
الباب: القصف الروسي لدعم النظام؟
المعارضة مصرة على كسر الجمود الحاصل في جبهات القتال قرب الباب (المدن)
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي تبدو فيه عمليات "درع الفرات" متعثرة على مشارف مدينة الباب شمال شرقي حلب، جاء التقدم الجديد للنظام والمليشيات على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" جنوب غربي الباب، ليزيد في تعقيد المعركة التي بدأت قبل شهرين تقريباً، من دون أن تحقق مكاسب كبيرة على الأرض، لصالح المعارضة المسلحة التي تتلقى دعماً برياً وجوياً تركياً متواصلاً.

وسيطرت قوات النظام خلال الأيام القليلة الماضية على قرى وبلدات برلهين وشامر وعفرين واعبد وصفة مشيرفة ورسم العلم، كان "داعش" يسيطر عليها، وتقع على جانبي طريق حلب-الباب القديم، إلى الشرق من المدينة الصناعية في الشيخ نجار وكتيبة الدفاع الجوي "الطعانة 582". التقدم الأخير للنظام جعله على مسافة 10 كلم من مدينة الباب، إذا ما سلكت قواته الطريق الرئيسي. وتعد بلدة شامر جنوب غربي الباب آخر النقاط التي تقدمت فيها مليشيات النظام.

ولم تشهد البلدات السبع التي خسرها التنظيم معارك عنيفة، واقتصرت على مناوشات متقطعة بين النظام ومليشياته المهاجمة وبعض الجيوب التابعة للتنظيم التي حاولت منع النظام من التقدم. فلم يستخدم التنظيم السيارات المفخخة، ولا حقول ألغام تعيق تقدم المليشيات. التنظيم استهدف القوات المهاجمة بمفخخة واحدة في بلدة شامر لم تصل إلى هدفها، ولم تمنع سقوط البلدة التي أصبحت رأس حربة تنوي المليشيات التقدم من خلالها نحو مواقع جديدة شرقاً.

ويتجمع مقاتلو التنظيم في مواجهة فصائل المعارضة في "درع الفرات" في محيط الباب من الشمال والشمال الغربي، وفي جبهات الشرق القريبة من بزاعة وقباسين حيث المعارك على أشدها. بينما لا يتواجد في الجبهات الجنوبية والجنوبية الغربية لريف المدينة في مواجهة النظام إلا أعداد قليلة من مقاتلي التنظيم وفي معظمهم من أبناء القرى والبلدات نفسها، ولا يمتلكون أسلحة نوعية ثقيلة ومضادة للدروع كتلك التي يمتلكها عناصره في جبهاته ضد "درع الفرات".



المقاتلات الحربية الروسية كانت قد شنّت عشرات الغارات الجوية التي استهدفت بلدات ريف الباب الجنوبي، والجنوبي الغربي، التي يسيطر عليها التنظيم، كذلك ألقى الطيران المروحي براميل متفجرة على أكثر من موقع تابع للتنظيم. وشهدت البلدات المستهدفة بالعملية البرية وقرى أخرى بالقرب من المدينة الصناعية ومطار كويرس قصفاً مدفعياً وصاروخياً متواصلاً أدى إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين. كما تسبب التقدم البري للنظام والقصف الجوي والمدفعي المستمر على قرى وبلدات ريف الباب الجنوبي والجنوبي الغربي بتهجير الآلاف.

قصف النظام الجوي والمدفعي والصاروخي لم يقتصر على قرى وبلدات ريف الباب، وأطراف كويرس، بل شمل قرى وبلدات ريف حلب الجنوبي الشرقي التابعة لمنطقتي دير حافر ومسكنة، المعقلين المهمين بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والواقعتين على طريق حلب-الطبقة.

التحركات العسكرية الأخيرة للنظام، في ريفي حلب الشرقي والجنوبي، بدأت فعلياً مطلع العام 2017 بالتزامن مع "وقف إطلاق النار" بين النظام والمعارضة في عموم سوريا، وحلب خصوصاً، بغرض توسيع الطوق حول مدينة حلب التي باتت تحت سيطرته بالكامل، وتأمين المنشآت والثكنات العسكرية؛ مطار كويرس وكتيبة الدفاع الجوي في طعانة، بالإضافة إلى إبعاد خطر هجمات التنظيم عن المدينة الصناعية في الشيخ نجار والمحطة الحرارية شرقي المدينة.

وقد تكون أهداف العملية العسكرية للنظام وحلفائه أكبر، فهناك سيناريوهات متعددة من بينها التقدم باتجاه دير حافر ومسكنة، ومن ثم الاقتراب أكثر من الطبقة معقل تنظيم "الدولة" البارز. وتبدو المهمة سهلة في هذا المحور نظراً لضعف دفاعات التنظيم، وتتسم المنطقة بتباعد البلدات والقرى باعتبارها مناطق شبه صحراوية تتميز بقلة كثافتها السكانية. وإذا ما نجح النظام في التقدم في هذا المحور سيكون قد حقق ما لم يحققه خلال هجمات برية سابقة كان يرغب من خلالها الوصول إلى الطبقة، من محور خناصر وبادية حلب الجنوبية.

الاحتمال الآخر الذي لا يمكن استبعاده، هو محاولة التقدم من محور دير حافر باتجاه الضفة الشرقية لنهر الفرات، ومحاولة حصار التنظيم في الباب وريفها المحيط، وهنا يمكن القول إن العملية العسكرية التي تديرها روسيا تعتبر مكملاً لمعارك "درع الفرات" ومساندة لها. فإذا ما تمكن النظام وحلفاؤه من التقدم فعلاً نحو الفرات شرقاً انطلاقاً من ريف دير حافر سيكون قد هدد التنظيم بالحصار، وأجبره على الانسحاب باتجاه الرقة. ويستفيد النظام من تقدمه في هذا المحور من وصل مناطق سيطرته في حلب، بمناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تسيطر على الضفة الشرقية من أعالي الفرات وصولاً إلى الجزيرة السورية وأعاليها في الحسكة والقامشلي، حيث تتواجد مصادر الطاقة اللازمة لعودة دورة الانتاج الصناعي في حلب والتي يعول عليها النظام  كثيراً. فالنظام لا يستطيع انتظار حسم معركة الرقة "غضب الفرات" التي ستطول، وهو بحاجة ماسة للمشتقات النفطية التي تمنع المعارضة المسلحة عبورها من ريف حلب الشمالي.

وتتخوف المعارضة من التقدم الأخير للنظام جنوب غربي الباب، شرقي المدينة الصناعية، فمن المحتمل أن تستمر عمليات النظام العسكرية هناك نظراً لسهولتها، ومن الممكن أن يحقق النظام مزيداً من التقدم خلال الفترة القادمة من دون مقاومة تذكر من قبل التنظيم. ما يزيد من تعقيد معركة الباب، ووضع القوى المتصارعة؛ "درع الفرات" والنظام ومليشياته، في مواجهة مباشرة في الباب.

لكن بالنظر إلى خريطة العمليات العسكرية للنظام، يمكن القول إن مدينة الباب ليست هدفه في الوقت الحالي، نظراً لإشغاله محاور بعيدة عن المدينة، ولو كان يريد السيطرة على مدينة الباب فعلاً، ومنافسة "درع الفرات" لهاجم التنظيم في ريف المدينة الجنوبي باتجاه بلدة تادف الملاصقة تقريباً للباب، وفي هذا المحور لا يحتاج النظام لقطع مسافة طويلة، فهي على مسافة 5 كيلومترات من مواقع النظام شرقي كويرس.

القائد العسكري في "فرقة الصفوة" يحيى أبو البراء، أكد لـ"المدن"، أن الانسحابات الأخيرة الي نفذها تنظيم "داعش" لحساب النظام من مناطق جنوب غربي مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، تهدف إلى تعطيل معارك "درع الفرات"، وزعم أن ذلك يحدث بتنسيق مباشر بين النظام والتنظيم، فالأخير حصل في وقت سابق على مدينة تدمر ومعها كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي سخرها للدفاع عن معقله الباب، رغم أن التنظيم يعرف أنه لن يصمد طويلاً أمام ضربات المعارضة. فلذلك لجأ بالتعاون مع النظام إلى افساح المجال لمليشياته للتقدم أكثر باتجاه الباب وخلق عراقيل ربما تؤخر حسم المعركة.

وأوضح يحيى أبو البراء، أن معارك "درع الفرات" مستمرة مهما كانت الظروف، والمؤامرات، وقد تمت السيطرة على مواقع جديدة مؤخراً، كان آخرها بلدتا قباسين شرقي الباب وداغلباش غربها. والمعارك الآن ليست كسابقاتها، فالمعارضة مصرة على كسر الجمود الحاصل في جبهات القتال قرب الباب. وذلك بسبب من سوء الأحوال الجوية الماطرة والغائمة بشكل مستمرة منذ شهر تقريباً، والتي أعاقت العمليات العسكرية البرية التي تعتمد بالدرجة الأولى على إشغال المحاور والخواصر الرخوة وهي تتركز في  مناطق زراعية مليئة بالأوحال لا يمكن معها استخدام السيارات رباعية الدفع ولا حتى المدرعات.

ومع عودة التغطية الجوية التي يقدمها طيران "التحالف" لمعارك "درع الفرات"، من المتوقع أن تشهد الجبهات قرب مدينة الباب تغيرات سريعة خلال الايام القليلة القادمة، إذ شن طيران "التحالف الدولي" بين الخميس والسبت، أكثر من 70 غارة جوية، استهدف خلالها مقاراً وثكنات ومستودعات للتنظيم في الباب ومحيطها القريب. وتتسم الضربات الجوية التي ينفذها طيران "التحالف الدولي" بالدقة العالية، وتوجيه ضربات موجعة للتنظيم، بخلاف الطيران التركي الذي كان يشن عشرات الغارات الجوية غير المركزة يومياً ضد معاقل التنظيم. الضربات الجوية التركية تفتقر للدقة في أهدافها، كما أنها تسببت في حالات كثيرة في مقتل مدنيين في مدينة الباب والبلدات المحيطة بها.

تحمل الأيام القليلة القادمة الكثير من التطورات الميدانية في ريف حلب الشرقي، بالتزامن مع عودة الضربات الجوية لطيران "التحالف الدولي"، وإشعال النظام وحلفائه لجبهات القتال ضد التنظيم غربي وجنوبي الباب. العمليات العسكرية للنظام تستفيد من الضربات الجوية الروسية التي وصلت إلى بلدة تادف قرب الباب، وتسببت مؤخراً بمجزرة مروعة بحق المدنيين في سوق البلدة، ما يجعل المعارضة اليوم أكثر رغبة من ذي قبل في حسم معركة الباب تبعاً للمستجدات على الأرض لصالح النظام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها