الأحد 2016/12/04

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

حي الميدان الدمشقي:ليس بالتطهير الطائفي وحده ينتصر النظام

الأحد 2016/12/04
حي الميدان الدمشقي:ليس بالتطهير الطائفي وحده ينتصر النظام
عملية تغيير بنيوية أخرى تتم ببطء في الميدان، تتعلق بهندسته وإعادة تركيب حاراته وشوارعه الرئيسية بحسب المقتضيات الأمنية (المدن)
increase حجم الخط decrease
يعتبر حي الميدان أحد أبرز الأحياء الدمشقية التي ناهضت النظام في بداية الثورة السورية. ولإخماد الحراك فيه، أوكل النظام المهمة إلى الفرع "235 أمن عسكري" المعروف باسم "فرع فلسطين"، وأطلق يده في عمليات التشبيح والاعتقال والقتل، بما يضمن إبقاء الحي بعيداً عن الثورة.

وبينما يقوم النظام بفرض تغيير ديموغرافي في ريف دمشق المعارض له، فإن عملية تغيير بنيوية أخرى تتم ببطء في الميدان، تتعلق بهندسته وإعادة تركيب شوارعه الرئيسية بحسب المقتضيات الأمنية. وقسّم "فرع فلسطين" الحي إلى  قطاعات عن طريق اغلاق بعض الأزقة بشكل تام بسواتر ترابية واسمنتية أو عبر نشر الحواجز الأمنية في الشوارع الرئيسية. وفي الوقت الذي تنتشر فيه دوريات راجلة في الطرق الفرعية، تنتشر اخرى جوالة على الطرق الرئيسية والحيوية. ويحق لتلك الدوريات اعتقال من تريد من رجال ونساء وأطفال، تحت مسمى قانون "مكافحة الإرهاب".

قطاعات الحي الرئيسية الأهم بالنسبة للنظام، في حي الميدان، هي التي تقع بمحاذاة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتشكل معها خطوط تماس، ومنها منطقة القاعة (الإسكان العسكري) والتي تنتشر فيها قوات النظام بشكل مكثف. وعدا عن المقار الأمنية والعسكرية في القاعة، فإن سطوح أبراجها وبعض الشقق المطلة منها على جنوب دمشق، تستخدم كمرابض لراجمات صواريخ والرشاشات الثقيلة والمتوسطة والقناصات، في حين تتولى "الجبهة الشعبية-القيادة العامة" السيطرة على كتلة الأبنية المقابلة لجامع البشير عند مدخل مخيم اليرموك. ويسيطر "فرع فلسطين" على كتلة الأبنية القريبة من مداخل حي التضامن، والتي يحيط بها الفرن الآلي وجامعا العزيز والماجد. وتقطن كتلة الأبنية هذه غالبية من نازحي الجولان، وهي مغلقة من جميع أطرافها بالكامل عبر سواتر ترابية، ويتم دخولها من خلال بوابة حديدية، بعد عمليات "التفييش" عند المفارز الأمنية.

جميع القطاعات السابقة تقع في محور التماس مع أحياء دمشق الجنوبية التي تتقاسمها فصائل معارضة وأخرى إسلامية متطرفة كـ"داعش". وتخضع تلك المناطق "الحدودية" من حي الميدان، لقيود أمنية مشددة، ويفرض على سكانها عمليات تفتيش دورية للمنازل، ويتوجب على السكان ملء استمارات تتضمن معلومات تفصيلية، بالإضافة إلى التدقيق لدى الدخول والخروج منها، في حين يتعرض الزوار إلى تدقيق مضاعف، وتقوم المفارز أحياناً باستدعاء المُضيف ليشرح سبب الزيارة ومدى معرفته بضيفه. ذلك عدا عن استباحة الممتلكات الخاصة والمنازل خصوصاً الفارغة منها والمهجورة، ممن اعتقل أصحابها أو قتلوا أو هربوا،  لتصبح سكناً لضباط الأمن وقوات النظام والشبيحة والمليشيات.

وتتموضع عربات عسكرية في محيط هذا المحور، بالإضافة إلى إغلاق جامع البشير، الذي غدا موقعاً تستخدمه المليشيات لتنفيذ إنتهاكاتها بحق الناس. ويصعب احصاء عمليات الاعتقال التي تمارس في هذه المنطقة "الحدودية"، بسبب خوف السكان المحليين من العبور بالقرب منها، ما يجعل من معرفة أخبارها أمراً صعباً.

ويُعزل هذا المحور بشكل تام عن أحياء دمشق الجنوبية بسواتر ترابية يتعدى عرضها ثلاثة أمتار، وتمتد من الثكنة العسكرية المقابلة لجامع سفيان الثوري، وحتى قسم اليرموك، وكذلك بسواتر اسمنتية متقطعة محصنة بشكل كبير تفصل مداخل مخيم اليرموك عن محيطه. والسواتر الإسمنتية معززة بدشم تتكون من اطارات سيارات محشوة بالرمل.

وإلى الشمال من المحور السابق، تقع منطقة جنوبي "المتحلق الجنوبي"، وهو الذي يقسم الحي إلى شمالي وجنوبي. وباستثناء طريق المهايني، فجميع الطرق الفاصلة بين منطقة نهر عيشة والكورنيش، مغلقة بشكل تام، بما فيها طرق مؤسسة "كفالة الأيتام" وذلك المحاذي لمدرسة عارف النكدي. وجميع الطرق المؤدية إلى سوق أبو حبل مغلقة ما عدا الطريق المقابل لساحة الثريا والقريب من جامع مازي. وما بين سوق أبو حبل ومنطقة الزاهرة، تمتد الشوارع الأكثر تعقيداً بالنسبة للنظام، ولذا عمد إلى إغلاق جميع الطرق هناك. ومن جهة الزاهرة جميع الطرق مغلقة ما عدا الشارع المحاذي لثانوية التوحيدي، وكذلك تلك المحاذية للمتحلق ما عدا حارة سيدرة وطريق مسجد زين العابدين.

شمالي المتحلق الجنوبي، معظم الطرق والأزقة بقيت على ما هي عليه، باستثناء الطرق الفاصلة مع منطقة الجزماتية شرقاً، فجميع الطرق مغلقة إليها إلا طريق المقبرة وبعض الطرق الفرعية من ناحية الكورنيش. في المنطقة الشمالية من الميدان تخف وتيرة التدقيق الأمني بشكل عام. ومع ذلك، فجميع الطرق شمالي الحي وجنوبه يتم اغلاقها بفواصل اسمنتية تحول دون عبور المركبات، والسالكة منها للمركبات فهي الشوارع والمداخل الرئيسة التي تتموضع فيها حواجز دائمة، تمارس فيها اشد عمليات التدقيق والتفتيش من قبل عناصر "فرع فلسطين". كما تحوز بعض المليشيات في الحي على امتيازات استثنائية مثل "كتائب البعث" المشهورة بتدني أخلاق عناصرها، والمدعومة بشكل مباشر من فرع "المخابرات الجوية".

ويتموضع حاجز لـ"كتائب البعث" على مدخل الميدان الشمالي، أول طريق الجزماتية. كما تنتشر حواجز مؤقته لمليشيا "الدفاع المدني" في محيط مقراتها الرئيسية في منطقة الغواص، عدا عن انتشار مراكز تطوعها وتلك الخاصة بـ"كتائب البعث" في مواقع ضمن الحي؛ كالمجتهد والجزماتية. وتتميز هاتان المليشياتان بحضور نسائي ملحوظ في صفوفهما، وسلطاتهما الواسعة والمبالغ المالية الكبيرة المعطاة لمنتسبيهما، عدا عن التعويضات والمكافآت الشهرية.

وتطبق كافة المليشيات والفروع الأمنية قيوداً على تجار ومهنيي الحي المعروف بمأكولاته وحلوياته الشعبية. وتتقاسم المليشيات فرض مبالغ مالية "خوّات" على حمولة كل سيارة تدخل الحي، مقابل حماية التجار من بقية المليشيات، عدا عن الخوّات العينية التي تتم جبايتها من المحلات والمطاعم. هذه الخوّات تؤخذ مقابل "حماية" التجار وحتى الناس العاديين من الاعتقال والخطف، من قبل مليشيات صديقة أو الفروع الأمنية. وكثيراً ما يقدم أصحاب المطاعم وجبات طعام مجانية لعناصر المليشيات، مرفقة بابتسامات عريضة تخبىء الحقد الدفين.

وعلى صعيد الخدمات العامة، فإن نصيب كل القطاع من الماء يكون بحسب من يستوطنه من عملاء النظام، فيما تنتظم الكهرباء بشكل مؤقت لساعتين ثم تنقطع ﻷربع على مدار اليوم، لتعود بعد ذلك متقطعة بنظام تقنين جديد كل فترة، وتكاد خدمة الإنترنت تكون معدومة بسبب التدقيق والرقابة الكثيفة عليها، بما في ذلك تجوال سيارات تشويش على الإشارة "راشدات" للتجسس والإختراق.

مساجد الحي التاريخية التي عاصرت الثورة وانطلق منها متظاهرو الحي، لا تزال تشكل مصدر قلق للنظام، وينتشر في محيط كل جامع، خصوصاً عند صلاة الجمعة، أمنيون للتدقيق بشأن المصلين الغرباء.

كل ما يدخل الحي بحاجة لترخيص أمني واستمارة وطوابع من "فرع فلسطين"؛ من فتح محل حلاقة، أو تعديل شباك منزل. كما أن التجول في الحي بين 33 حاجزاً أمنياً، عدا عن النقاط والمراكز والمقرات، يُجبر الأهالي على ابتلاع غيظهم ممن بات يقول لهم علناً: "ارحلوا.. فهذه البلاد لنا فقط.. نحن أتباع الأسد".

وبعد أن كانت العيون تتجه إلى تظاهرات الحي، والآذان تصغي لهتافات متظاهريه الذي قابلوا الرصاص الحي بحناجرهم، مطلع الثورة، بات نشطاء الحي مغيبين في أقبية السجون، أو نازحين إلى مناطق خارج سيطرة النظام من درعا جنوباً إلى إدلب شمالاً. ولمّا كان نصيب ابن الميدان المجاهد محمد الأشمر، النفي من سوريا، بسبب مناهضته الانتداب الفرنسي، فإن نصيب علماء الحي اليوم في ظل هيمنة نظام الأسد الإستبعاد أيضاً كالشيخ محمد راجح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها