الإثنين 2016/11/28

آخر تحديث: 15:16 (بيروت)

المعارضة ترفض "المصالحة" في التل

الإثنين 2016/11/28
المعارضة ترفض "المصالحة" في التل
عدم الرضوخ لـ"المصالحة" بات أشبه بإعلان حرب في المنطقة (انترنت)
increase حجم الخط decrease
ربما تُشكّلُ مدينة التل في ريف دمشق، هذه الأيام، أكبر مصادر قلق النظام، بعد الفشل الذي شهدته مفاوضات "المصالحة" والتي حقق النظام في بدايتها بعض المكاسب. وعلى الرغم من القصف بالبراميل والقذائف ومحاولات اقتحام مليشيات النظام للمدينة، تكررت اجتماعات لجان التفاوض، إلا أن حصيلتها باجماع معارضة المدينة، كانت رفض الخروج وتسليم التل للنظام وقبول مخططه في التغيير الديموغرافي.

وفد النظام أبدى لامبالاة شديدة وسط تصعيد القصف أثناء انعقاد جلسات التفاوض. وخلال جلسة الأحد، استهدفت مليشيات النظام المتمركزة في وادي موسى، محيط مسجد الدعوة وأعلى منطقة الروس، بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة. وكانت جلسات سابقة قد بدأت بإصدار أوامر لقصف المنطقة بالمدفعية الثقيلة، وانتهت باصدار أمر القصف بالبراميل المتفجرة، عندما لم تفضِ جولة التفاوض إلى نتيجة ترضي وفد النظام.

صباح الإثنين، تمكنت المعارضة من اسقاط طائرة استطلاع لقوات النظام، واحترقت محطة الكهرباء نتيجة الإشتباكات الدائرة وقصف البراميل على المنطقة. واستهدف قصف البراميل المتفجرة الأجزاء الغربية للتل، ما دفع لجنة التفاوض إلى إلغاء اجتماع مع وفد النظام، بعد يوم واحد على أخبار غير مؤكدة عن توصل الطرفين إلى اتفاقية تضمن "وقف إطلاق النار، وإعادة فتح طريقي التل ومنين بالكامل أمام المدنيين، وخروج رافضي تسليم السلاح بسلاحهم الفردي، وتسوية أوضاع المطلوبين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية باستثناء من أعلنوا انشقاقهم عبر وسائل الإعلام". كما نص الاتفاق على تشكيل لجنة مؤلفة من 200 شخص، تُنتخب من أهالي التل لحماية المدينة، وتكون تحت أمرة الأجهزة الأمنية للنظام، الذي تعهد بدوره بعدم دخول قواته أو مليشيات الشبيحة إلى داخل المدينة، إلا بوجود بلاغ عن سلاح في مكان محدد، ويكون ذلك بمرافقة اللجنة المذكورة.

إعلاميون موالون للنظام، ووسط رفض وفد أهل التل شروط التسوية، نشروا شائعات عن سيطرة قوات النظام على مسبح سومر، وكذلك عن قبول مقاتلي المعارضة بـ"التسوية حرصاً على سلامة المنطقة"، إلا أن المعارضة نفت الأمرين جملة وتفصيلاً.

التل المُحاصرة منذ عام ونصف، في ظل ظروف إنسانية كارثية، تحتضن آلاف النازحين من مناطق سيطرة النظام في ريف دمشق، باتت عرضة للقصف اليومي بالبراميل المتفجرة والمدفعية وقذائف الهاون من قبل قوات النظام المتمركزة في منين والمنتشرة في محيطها. الضغط العسكري لقوات النظام جاء تتويجاً للحصار والتجويع، مع دعم وجهاء و"لجان مصالحة" المنطقة كي يضغطوا على المعارضة للخروج من التل.

لا جديد في الأمر، فخطة النظام المرسومة لإفراغ ريف دمشق بالكامل، تتم وفق خطوات صغيرة باتت مكشوفة، بعدما طُبّقت في مناطق محررة أخرى. في البداية تخرج مسيرات شعبية مدنية تدعو لها "لجان المصالحة" و"رجال دين" و"وجهاء من المنطقة"، شعاراتها: "لا للعنف لا للدمار والقتل"، و"نعم للأمان والاستقرار"، ويروّج النظام لها على أنها "الحاضنة الشعبية" و"أهلنا في التل يقفون ضد الإرهاب والمسلحين حفاظاً على الممتلكات العامة وتأييداً لمسيرة المصالحة".

المعادلة اختلفت في التل، وزادت تلك المسيرات معارضي النظام في المدينة اصراراً وتصميماً على التمسك بأرضهم، رغم ضغط بعض المدنيين الذين جيّشتهم "لجان المصالحة" بعبارات "السلام" التي يتخذها شيوخ النظام ذرائع لهم.

وعندما لم تأخذ المسيرات الصدى الذي أراده النظام لها، عمدت قواته إلى فتح طريق حرنة الشرقية، لمحاصري التل، كـ"ممر إنساني". إلا أن حرنة ليست سوى سجن مؤقت آخر يشبه سجن التل الكبير. كما أن نزوح أهالي التل إلى حرنة الموالية، إن تم، سيضمن للنظام عدم استهدافها من قبل المعارضة.

"جبهة فتح الشام" وفصائل أخرى في التل، رفضوا الرضوخ لشروط "المصالحة" مع النظام، وثبت مقاتلوهم على الجبهات مع قوات النظام، وصدّوا محاولة اقتحامها من محاور متعددة. هذا الصمود أدى إلى فشل المفاوضات، وانقلاب غالبية الفصائل على "المصالحة"، وتصديهم لهجوم جديد من مليشيات "درع القلمون" وفرق "الحرس الجمهوري" و"القوات الخاصة".

إلا أن عدم الرضوخ لـ"المصالحة" بات أشبه بإعلان حرب في المنطقة، وهو الحل الوحيد الذي يفرضه النظام في حال عدم القبول بـ"التسوية". الأمر الذي تسبب في تصعيد وتيرة القصف على المدينة، بكافة أنواع القذائف والأسلحة، والبراميل المتفجرة، للتمهيد لمحاولات اقتحام جديدة.

وفي الوقت الذي تخوض فيه معارضة التل اشتباكات عنيفة مع مليشيات النظام في وادي موسى، نقلت "تنسيقية مدينة التل" رسالة من أهالى المدينة، خاصة المتخلفين عن الخدمة والمنشقين والمطلوبين للاحتياط والأجهزة الأمنية، جاء فيها: "نحن اخوانكم نناشدكم بعدم خذلاننا وتركنا لوحدنا في قبضة أجهزة النظام التي ستعمل لسوقنا وزجنا لقتال أهلنا رغماً عنا بعد رحيلكم". كما أصدرت معارضة المدينة بياناً أكدت فيه الوقوف ضد مخططات النظام والثبات في أرضها و"عدم قبولنا سيناريوهات النزوح إلى الشمال السوري حفاظاً على مدينتنا وأهلنها من قبضة النظام الأمنية".

ويبقى التساؤل قائماً؛ إلى ماذا سيؤول مصير مدينة التل، وإلى متى ستصمد المعارضة فيها في ظل نقص إمدادات الدعم والذخيرة والطعام والمستلزمات الطبية؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها