الأحد 2016/11/13

آخر تحديث: 08:07 (بيروت)

قدسيا والهامة:عودة ملتبسة الى "حضن الوطن"

الأحد 2016/11/13
قدسيا والهامة:عودة ملتبسة الى "حضن الوطن"
دخل فرع "الأمن السياسي" إلى المنطقة برفقة موظفين من البلدية، لمسح كافة العبارات الثورية عن الجدران (انترنت)
increase حجم الخط decrease
تحت ادعاءات "مصلحة البلد" و"سلامة المدنيين والممتلكات الخاصة" يستمر النظام في تلميع صورة "المصالحة" التي جرت في بلدتي الهامة وقدسيا، في ريف دمشق. وتبدو "المصالحة" منافية لجميع مبادئ مليشيات النظام وأجهزته الأمنية، وجرائمهم المتكررة بحق المدنيين، فيما يُعتبر محاولة لتسويق "التسوية"، ودفع المناطق المُحاصرة لاتخاذ الطريق ذاته.

ولايزال الغموض مسيطراً على مصير المنشقين والمطلوبين للإحتياط والمتخلفين عن "الخدمة الإلزامية"، فسياسة النظام القمعية لا تغيب ضمن التفاصيل، مهما جاهد لاخفائها. فشلت قبل أيام محاولة لاعادة تفعيل عمل المشفى السابق، وقامت قوات النظام بتفتيش المستودعات الإحتياطية التابعة له، بالإضافة إلى مصادرة ما تبقى من الأجهزة الطبية. كما صادرت معدات أحد المشاريع الخدمية التي كانت تعمل في مجال الخياطة.

وقام فرع "الأمن السياسي" قبل يومين، بالدخول إلى المنطقة برفقة موظفين من البلدية، لمسح كافة العبارات الثورية عن الجدران وكل ما يمت للثورة بصلة من مخطوطات وأعلام وغيرها.  وتزداد وتيرة الانتشار الأمني بشكل تدريجي، عن طريق تكثيف التجوال بالعربات الأمنية التي عمدت في الأيام السابقة لتفتيش بعض المنازل الخاصة بحجة شكوك حول وجود سلاح فيها.

وبعد عملية تجويع المدنيين، من أطفال وعجائز ومرضى، ومنع الغذاء والدواء عن المنطقة في سياسة "التجويع والتركيع" التي أخرجت مقاتلي المعارضة من المنطقة في 13 تشرين الأول/أكتوبر، بات النظام يُمثل دور الحمل الوديع مطبقاً سياسة "هذا هو ما نريده لكم، وها هي معاملتنا لكم لدى عودتكم إلى حضن الوطن". فورشات طوارئ الكهرباء والمياه، باتت تجوب المنطقة لإصلاح الأعطال التي أحدثها القصف بالبراميل المتفجرة، والتي تسببت بنسبة أضرار تجاوزت 90 في المئة. وقامت قوات النظام بإعادة تأهيل كافة الطرقات التي قامت بإغلاقها منذ بداية الثورة حتى تاريخ آخر حصار، فأزالت حاجز "الساتر الترابي" الفاصل لقدسيا مع "مساكن الحرس" و"ضاحية قدسيا"، إضافة إلى فتح أهم معبر حيوي وهو طريق الصفصاف.

وبعد انهاء كافة التجهيزات الأمنية التي تضمن دخولاً آمنا لأجهزة النظام، كان قد أُعلِنَ رسمياً في منتصف تشرين الأول/أكتوبر عن فتح الطرقات، وإدخال كافة المواد الغذائية والتموينية والطبية، ودخل بعد ذلك إلى المنطقة محافظ ريف دمشق مع مفتي "الجمهورية"، برفقة ضباط رفيعي المستوى من "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة"، عُرف منهم العميد قيس فروة من مرتبات "الحرس الجمهوري"، بالاضافة إلى قائد مليشيا "الدفاع الوطني" وعدد من ضباط "الأمن الداخلي" والفروع الأمنية. وكان في استقبالهم "لجان المصالحة" وعدد من الشيوخ الموالين للنظام.

طويت صفحة "السلاح الخارج عن سيطرة الدولة" على حد وصف النظام، والتي هي في الواقع انهاء للثورة بعد نضال مسلح ودموي دام أكثر من 5 أعوام. ورقصت الهامة وقدسيا على دماء شهدائها ونسيت بطولة ابنائها، بتوجيه وإدارة "وجهاء" المنطقة و"كبارها" و"لجان المصالحة" وعشرات العملاء للنظام وشيوخ الدين الموالين. ليتضح أن ذلك كان حصيلة خطط ومراحل متسلسلة، نجحت بمساندة موالي النظام وأدت إلى سقوط المنطقتين بقبضته.

وهُجّرَ من الهامة وقدسيا، في "اتفاق المُصالحة" من لم يرغب في "تسوية وضعه" مع أجهزة النظام، فتغيرت ملامح المنطقة بشكل تام، وباتت تفتقد ابناءها الذين انتفضوا ضد النظام، بينما تعيش البقية فيها، حالة خوف من غدر النظام واتباعه.

خطة النظام اقتضت "تسوية وضع" المدنيين والمتخلفين والمنشقين عن قوات "الجيش"، ومن تبقى من حملة السلاح الذين قاتلوا في صفوف الجيش الحر سابقاً. "تسوية وضع" المتبقين في المنطقة من المدنيين، كانت أمراً ملحاً لتنفيذ خطة "المصالحة"، فقال وفد النظام المفاوض إنه غير مسؤول عن أي شخص يتم اعتقاله في حال لم "يسوي وضعه". العملية اقتضت خروج جميع الأهالي إلى "مقصف الروابي" سابقاً، والمتخذ كمقر أمني لقوات النظام في الوقت الراهن. وحضر ممثلو ستة فروع أمنية، في "الروابي"، عرف منها "السياسية" و"الأمن العسكري/215". وتدور البطاقات الشخصية "الهويات" للقادمين إلى المقر الأمني، بين محققي الفروع الأمنية، مع تدوين معلومات مفصلة عن الحاضرين، لكل فرع على حدة.

واستغرقت عملية الإستجواب ساعات لدى كل مندوب أمني، وتضمنت التحقيق في أمور شخصية وعامة. وبقيت بطاقات هويات كثيرة لدى بعض الفروع الأمنية، قبل أن يعود أصحابها ويتسلموها بعد أسبوع.

ومن لا يمتلك أوراقاً شخصية، تُتخذ بحقه الإجراءات ذاتها، ولكن بروتين أطول، فتم احتجاز البعض لما يقارب 8 ساعات، إلى حين انتهاء جمع المعلومات منهم. وجميع من خضع لهذه التحقيقات في نقطة الروابي، تسلم ورقة تسمى "تسوية وضع"، وأهم ما تنص عليه؛ السماح لصاحبها بالتحرك من منطقته إلى العاصمة دمشق حصراً. وبعد 3 أيام من تسليم أوراق المصالحة، طلب وفد النظام من "لجنة المصالحة" جدولاً مفصلاً بأسماء كافة المتخلفين والمنشقين عن قوات النظام، وذلك لتنظيم أوراق تسمح لهم بحرية التجول. فيما أعطت "لجنة المصالحة" وعداً لهؤلاء المطلوبين للخدمة الإلزامية، أنها ستسعى لأن تكون خدمتهم ضمن منطقتهم، وذلك بعد ستة شهور من دخول "المصالحة" حيز التنفيذ.

وفور انتهاء موضوع "التسوية" عمدت قوات النظام إلى وضع حواجز على مداخل بلدة الهامة ومدينة قدسيا، إضافة إلى تواجد حاجز في محيط "جامع الصحابة" ناحية كروم المصري، تحت عنوان الحفاظ على المنطقة وتأمينها وتأمين سكانها. ويتناوب على تلك الحواجز عناصر من الشرطة و"الأمن الداخلي"، ويتواجد بالقرب منهم على بعد أمتار قليلة، حاجز "لجان" من أبناء المنطقة. الحواجز صارت شبه مشتركة بين النظام واللجان، رغم أنها منفصلة إسمياً.

وتزامنت جميع تلك الخطوات مع تعليمات أطلقتها "لجان" النظام، لتأكيد عدم وجود أي عمليات مداهمة أو اعتقال عشوائي، وعدم السماح ﻷي مسلح من قوات النظام أو مليشياته، بالتجول بزيه العسكري أو بسلاحه. إلا أن ذلك لم يمنع من دخول العديد من أعوان النظام إلى المنطقة، من "شبيحة" جبل الورد و"مساكن الحرس الجمهوري" والجادات، ممن كانوا يقتلون ويقنصون أهل المنطقة حتى قبل أسابيع قليلة.

المسرحية الأكبر، كانت لدى دخول بعض العناصر بسلاحهم إلى منطقة الهامة، قبل اسبوعين، ومن ثم إخراجهم منها تحت مسمى "السعي لعدم هدم المصالحة". كما تمّ إخراج سيارة تتبع لـ"الأمن العسكري" من الهامة أيضاً. حتى أن الشبيحة قاموا بإخلاء سبيل شاب كانوا قد اعتقلوه على الحاجز المتموضع في مدخل الهامة.

مسرحيات "المصالحة" لم تتوقف عند ذلك، إذ جرت عمليات تفتيش لمقار الجيش الحر السابقة، بحضور ممثلين عن "لجان المصالحة" وعدد من "الملثمين"، لتسليم كافة الأسلحة المتبقية في المنطقة والتفتيش عن الأسلحة المخبأة من أسلحة رشاشة وقناصات. وتستمر عمليات التفتيش ﻷي مكان يشك به من قبل النظام، في أي وقت كان، مع تواجد ممثلي "لجان المصالحة". ذلك، فضلاً عن مصادرة معظم الأجهزة الطبية والمخزون الطبي المتواضع، وبعد تجريد المنطقة من كافة أسلحتها، وتهجير خيرة شبابها من الذين كانوا يقفون كعقبة في وجه مشاريع مماثلة.

كاميرات القنوات الموالية للنظام وكوادرها وعمال الكومبارس، كان لهم حضور كبير لاجراء المقابلات التلفزيونية، احتفالاً بـ"عودة المنطقة إلى حضن الوطن". فحرصت تلك المحطات، بعد تهجير المعارضة، على تلميع صورة "المصالحة" ووصفها بأنها "مُسامَحَةٌ" وأن القيادة "عفت" عن الجميع. صورة باتت تتكرر بشكل شبه يومي، سعياً من النظام لإتمام مشروعه في انهاء الثورة في بقية مناطق ريف دمشق.

الصفقة تمت بعد شراء الناس بلقمة عيشهم التي حرموا منها لسنة ونصف السنة، فتهافتوا لشراء المواد الغذائية والمأكولات والأطعمة والخبز. فالهامة وقدسيا نالتا نصيبهما من الطعام أخيراً، كجائزة ترضية، تقديراً لهما على خطوة "المصالحة الوطنية".

ورغم ذلك، تعيش المنطقة حالة ترقب لمصير مئات المتخلفين وعشرات المنشقين عن قوات النظام، وسط وعود وعهود لا تكاد تطفئ خوف الأهالي الدفين من عمليات الغدر والمداهمات العشوائية، بعدما كان يحميهم طيلة سنوات خمس، مئات الشبان الذين وهبوا أنفسهم ومستقبلهم وأملاكهم، لحرية باتت حلماً بعيداً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها