الأحد 2016/01/10

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

سوريون على الحدود التركية: في انتظار رحمة المهربين

الأحد 2016/01/10
سوريون على الحدود التركية: في انتظار رحمة المهربين
العُرف بين المهربين تجاه النازح: "دعه يتذوق الأمرّين كي يدخل تركيا، وبعدها نطلب السعر المناسب". (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
يفرش أبو محمد وزوجته، المسنّان، الأرض تحت شجرة زيتون قد تقيهم المطر، ببقايا ألواح كرتون وأوراق. ينتظران صوت المهرب وإعلانه أن الطريق قد أصبح آمناً، لتسهيل عملية مرورهم إلى تركيا، بطريقة غير شرعية، عبر "التيل". و"التيل" هو نقطة عبور مؤقتة، يؤمنها المهربون في السياج على الحدود.

وكانت تركيا قد أصدرت قراراً يعتبر مدينة كلّس الحدودية مع سوريا، منطقة عسكرية، وأغلقت حدودها في وجه السوريين الهاربين إليها. التضييق التركي على دخول النازحين السوريين إلى أراضيها، جاء بعد استقبالها لنحو 2.2 مليون لاجئ، يعيش منهم نحو 250 ألفاً في 25 مخيماً، بحسب منظمة "هيومن رايتس واتش". كما أن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يشترطان على تركيا إغلاقاً تاماً للحدود مع سوريا، للتحكم بعملية اللجوء إلى أوروبا.

آخر الإجراءات التركية للحد من دخول السوريين إلى أراضيها، كان في كانون الأول/ديسمبر 2015، عبر وضع كتل خرسانية على الحدود، تزن الواحدة منها سبعة أطنان، ويبلغ ارتفاع الواحدة منها أربعة أمتار. بالإضافة إلى حفر خندق يبلغ عمقه خمسة أمتار، وعرضه أربعة أمتار، على طول الحدود السورية-التركية.

أبو محمد وزوجته، من محافظة دير الزُّور، وصلوا إلى مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا، شمال غربي حلب، بعد شهر من انتظار حصولهم على ورقة من "ديوان الحسبة" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية". فالتنظيم منع الخروج من مناطق سيطرته، إلا بموجب سبب مقنع، كمرض أو زيارة. أبو محمد المسن، اختار المرض كسبب للرحيل، وبعد أن تمكن من إقناع "ديوان الحسبة"، استطاع الوصول إلى الحدود التركية، ليقف أمام معاناة لا تقل عن معاناته في دير الزُّور. فهذا يومه العاشر على الحدود: "من مهرب إلى مهرب، ووعود كاذبة وسعر خيالي، 100 ألف ليرة سورية، للعبور إلى تركيا. وبالرغم من موافقتي على السعر، إلا أن الطريق مغلق". (الدولار يساوي 380 ليرة).

المطر والوحل، وأصوات الاشتباكات بين المعارضة المسلحة وتنظيم "الدولة" في القرى الحدودية، عوامل أخرى، في زيادة معاناة المنتظرين على الحدود. يقول أبو محمد: "لولا حصول ابني على إقامة في ألمانيا، وطلبه منا الذهاب إلى تركيا، والتسجيل في السفارة الإلمانية هناك لاستكمال إجراءات لمّ الشمل، لما خرجت من دير الزُّور، فلم يبقّ من العمر بقية".

ولا يختلف حال أبو محمد عن غيره من السوريين، ففي نقطة التجمع بين كروم الزيتون في انتظار العبور إلى الجانب الاخر من الحدود، ثمة سوريون من مدن مختلفة، أغلبهم من مناطق سيطرة تنظيم "الدولة".

فادي أب لطفلين أحدهما يبلغ من العمر أربع سنوات، والآخر يغفو في حضن والدته التي تستقر خلف شجرة زيتون، فوق كيس كبير. يقول فادي: "هذا كل ما استطعنا تجميعه من بيتنا قبل النزوح، بعدما سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على مدينة أبو قلقل، فلا نعلم من هم وهل يريدون تهجيرنا أم لا. التنظيم أخبرنا أن هذه القوات ستُهجر الأهالي من المنطقة وتحرق منازلهم، وطلبوا منا النزوح إلى تركيا". يتابع فادي: "هذا يومي السابع على الحدود التركية وطفلي الصغير مريض. واضطررنا من أجله للنوم في فندق في مدينة إعزاز البارحة، وأخبرنا المهرب عن وجود طريق عسكري نستطيع الدخول منه اليوم".

كمال شاب ثلاثيني، رحلته استغرقت شهراً ونصف الشهر، من مدينة درعا في أقصى الجنوب السوري، إلى مدينة الميادين في دير الزُّور، ومن ثم إلى الرقة، وبعدها إلى ريف حلب الشرقي الذي يسيطر عليه تنظيم "الدولة". ومن هناك جاء عبر مدينة أحرص الفاصلة بين مناطق المعارضة ومناطق "الدولة"، بعدما انتظر على معبرها ليومين، حتى تأكد التنظيم من عدم إنضمامه لأي فصيل معارض في درعا. يقول كمال: "ركبت سيارات نقل المازوت من درعا إلى مدينة الميادين، ومن ثم إلى مدينة الرقة، وبعدها إلى مدينة الباب. وعلى أغلب حواجز التنظيم إتهمتُ بالانضمام للجيش الحر، أو بموالاة النظام. واستغرب عناصر التنظيم من أني لا أملك هاتفاً جوالاً، فقد سبق وبعته لتأمين كلفة الطريق". كمال يريد الوصول إلى تركيا، كي يتسلم حوالة مالية من أقاربه في السويد، حتى يتمكن من السفر بواسطة مهربين، إلى أي دولة أوروبية. يقول: "هذا يومي الثاني على الحدود التركية، وكل شخص ألتقيه يدعي أن الطريق الذي يعرفه صالح للعبور، لأفاجأ عند نقطة التجميع أن لجميع المهربين نقطة العبور ذاتها، ويتحكمون بالعباد". كمال يؤكد أن العُرف بين المهربين تجاه النازح: "دعه يتذوق الأمرّين كي يدخل تركيا، وبعدها نطلب السعر المناسب".

أبو محمد من دير الزُّور، وفادي من ريف حلب الشرقي، وكمال من درعا، وغيرهم كثيرون، يفترشون الأرض تحت سماء ماطرة، ينتظرون رحمة المهربين وأسعارهم الخيالية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

مقالات أخرى للكاتب