السبت 2015/05/02

آخر تحديث: 15:28 (بيروت)

تنظيم الدولة يلاحق الصوفيين ويتهمهم بـ"الشعوذة"

السبت 2015/05/02
تنظيم الدولة يلاحق الصوفيين ويتهمهم بـ"الشعوذة"
التنظيم لم يفشل بخسارة القاعدة الشعبية فحسب، إنما نجح باستعدائها
increase حجم الخط decrease
قاد تنظيم "الدولة الإسلامية"، حملة شرسة على مشايخ الصوفية ومريديهم في سوريا، واللذين لم يعرف عنهم التدخل في الشأن السياسي. يقول أحد مريدي الطرق الصوفية: "كان همّ شيوخنا تربية النفوس، وتزكيتها دون الدخول في الصراعات والتجاذبات السياسية التي تفسد علينا ديننا وحياتنا وتشوه نفوسنا".

ويرى بعض المراقبين أنّ ما يقوم به التنظيم ليس بجديد، ويندرج ضمن خطة أمنية محكمة قائمة على إسكات أي صوت معارض، أو يحتمل أن يكون معارضاً. يقول المعلم عبدالقادر من ريف حلب الشرقي: "تنظيم الدولة وريث شرعي للجهاز الأمني العراقي القائم على قمع أي صوت لا يمجد السلطة الحاكمة، ويسير في فلكها. بل تفوق التنظيم عليها بإلباس أفعاله صفة القدسية الدينية". ويرى عبدالقادر أن الخطة بدأت عندما كان التنظيم فصيلاً كشأن بقية الفصائل، ويتهم التنظيم باغتيال الشيخ محمد سعيد الديبو، في منبج والمعروف بقربه من المنهج الصوفي.

ويلاحظ أنَّ تنظيم الدولة أشد عنفاً تجاه التجمعات والتنظيمات والأحزاب ذات الصبغة الدينية، فحارب "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"حزب التحرير". وتشدّد ضد الصوفية لما لها من أرضية شعبية، بعد أن ترك لها حافظ الأسد هامشاً من الحرية، كونها لا تتدخل بالسياسة، ويمكن استخدامها لمواجهة السلفية الجهادية.

يقول مقاتل من "تنظيم الدولة" في ريف حلب، ويدعى أبو علي: "منذ مئات السنين لا يُعرف عن الصوفية سوى البدع، ومهادنة سلاطين الظلم والطغيان، ما جعلهم مقربين منهم، ولهم الحظوة والجاه، كشأن أحمد حسون، والبوطي، ورجب ديبو وغيرهم". ويضع التنظيم كل الصوفية في خانة المهادنين للحكام، ويعدّهم مسؤولين عن تعطيل الجهاد، وإفساد الدين.

ولا يميز التنظيم بشكل عام بين مشايخ الصوفية، فهو يعدّهم جميعاً فئة ضالة مبتدعة، أدخلت في الدين أشياء ليست فيه، وبالتالي وجب على "الدولة الإسلامية" تطهير الأرض من شرورهم. والصوفية على تنوعها سيطرت على الشارع السوري المتديّن، قبل ظهور بوادر السلفية الجهادية في بدايات الثورة السورية.

ووصل الأمر لوصف السوريين من قبل "تنظيم الدولة" بـ"القبوريين"، ويقول الشيخ حسن من ريف حلب الشرقي: "يتهمنا تنظيم الدولة بالبدع والشرك دون دليل شرعي، ويرفض الدخول معنا في مناظرات شرعية، ومشكلته أنه يحسُب المشعوذين على الصوفية". في حين يقول المنتسب لـ"تنظيم الدولة" أبو محمود: "الأضرحة والمزارات التي فجرها أبطال الخلافة خير دليل على شركهم وتوسلهم بالأموات، وطلبهم المدد ممن لا يملك ضر أو نفع نفسه". ووصل الأمر لاتهام الصوفية بشرب الخمور في موالدهم.

ومعلوم أنّ الصوفيين في سوريا متعددو المشارب ومتنوعون، فمنهم من يحمل فكراً صوفياً دون أن يُلزم نفسه بشيخ معين، وهم الغالبية، ومنهم من يلتزم إحدى الطرق الصوفية كالنقشبندية أو الشاذلية أو الرفاعية أو القادرية..

وقد ضيق التنظيم على مشايخ الصوفية المعروفين في مناطق سيطرته، فاغتال بعضهم، وصادر أموال آخرين. يقول أحد سكان مدينة منبج: "ما أن أحكم التنظيم سيطرته على منبج، حتى قام بالاستحواذ على محلات لشيخ الطريقة الرفاعية محمد أبو زبيبة، بدعوى أنها أملاك أوقاف". ومنع التنظيم أيّ نشاط لرجالات الصوفية، فأنزلهم عن منابرهم، وتوعد آخرين بالقتل كالشيخ الحوت، والشيخ محمد مشهود، من منبج.

ودفعت هذه المضايقات مشايخ الصوفية للهجرة هرباً من شرور التنظيم ومضايقاته، كما يقول أحد مريدي الشيخ الخزنوي: "توعد التنظيم كل من يثبت انتماءه للطريقة النقشبندية الخزنوية بالموت، حتى أنه رفع شعار: اثنان لا تتردد في ذبحهما الشبيح والصوفي". فغادر مشايخ الخزنوية ورفاعية الشيخ عبد الغفور والشاذلية، إلى تركيا. بل ونصحوا مريديهم القادرين على الهجرة بالمغادرة حتى لا يُفتنوا بدينهم.

وكانت تركيا وجهة غالبية الصوفيين السوريين، حيث وجد مريدوها صدراً رحباً من الأتراك. ويقول المدرس عمر من ريف حلب: "معروف أنّ الصوفية انتشرت وازدهرت في بلاد الشام نتيجة رعاية الدولة العثمانية سابقاً للزوايا والتكايا، وتقريب السلطان العثماني لمشايخ الصوفية". وربما هذا ما يفسر اختيار شيوخ الصوفية لتركيا، ويزور المريدون مشايخهم الآن في تركيا، ويقيمون الموالد والأذكار فيها بعد أن غدت ممنوعة في سوريا، حيث لم يعد بالإمكان إقامة أي مولد من موالد الصوفية مهما كان نوع الذكر.

ومن لم يهاجر كان مصيره السجن، ومنهم حسام الحسين من الرقة، أو الإعدام مثل محمد حسين المغط، بعد أن اعتقله التنظيم لأيام. ويخلط التنظيم بين الطرق الصوفية، ولا يفرق بين رجالاتها، رغم أنّ المعتدلين والمتمسكين بالكتاب والسنة يمثلون أكثرية الصوفية. يقول الشيخ أبو عمر من ريف حلب الشرقي: "لا يميز التنظيم بين صوفي ملتزم بأحكام الشرع، وصوفي غارق بالبدع والشركيات"، وهذا الخلط سبب رئيس لقسوة التنظيم على الصوفية.

وما يلفت الانتباه، أنَّ إعدامات التنظيم بحق مشايخ الصوفية، أو المريدين، تأخذ وصفاً آخر عند التنظيم.ويقول الطالب الجامعي من ريف حلب الشرقي محمد نور: "لا يكتفي التنظيم بإعدام رجال الله الصالحين، بل يقوم بتشويه سمعتهم ووصفهم بالمشعوذين"، و"كثير ممن قطع التنظيم رؤوسهم بتهمة السحر لا علاقة لهم بالسحر إنما هم من الصوفية، ووجه لهم هذه التهمة لأنه لا خلاف على أنّ حكم الساحر في الإسلام ضربة سيف، ولا تقبل له توبة، ومنهم رجل أعدم في ريف منبج، ومحمد توفيق عجان الحديد الذي أعدم مؤخراً في مدينة الرقة". بينما لا يجيز الإسلام قتل صاحب البدعة، هذا إذا اعتبرنا الصوفية أصحاب بدع.

قيام التنظيم بملاحقة الصوفية التي يمتد عمرها لمئات السنين في سوريا، دليل على أنَّ التنظيم ماض في بناء دولته القائمة على اللون الواحد سياسياً وفكرياً واجتماعياً ودينياً. وسياسة اللون الواحد وقمع المخالف بالحديد والنار، أبرز العوامل التي ستفتت التنظيم كما يرى الشيخ ياسين من ريف حلب: "التنظيم لم يفشل بخسارة القاعدة الشعبية فحسب، إنما نجح باستعدائها".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها