الثلاثاء 2015/08/04

آخر تحديث: 16:23 (بيروت)

ما هو مصير بلدة صرين في ريف حلب؟

الثلاثاء 2015/08/04
ما هو مصير بلدة صرين في ريف حلب؟
انتقل الناس بين عشية وضحاها من حكم ديني متطرف إلى حكم إلحادي حاقد (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تَمرُّ بلدة صرين التابعةِ إدارياً لمنطقة عين العرب "كوباني" بريف حلب الشرقي، بأحلك أيامها نتيجة المعارك الشرسة التي جرت فيها مؤخراً، والقصف المكثف الذي تعرضت له من طيران التحالف الدولي.

شهادات أهالي صرين، تشير إلى أن "وحدات حماية الشعب" الكردية قامت بطردهم بشكل جماعي، قسرياً، وأطلقت النار على من رفض الخروج. الأنباء الواردة من صرين، تشير إلى مغادرة أكثر من سبعة آلاف مدني عنوة نحو مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في بلدة القبة، أو المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية".

تنظيم "الدولة الإسلامية" كان قد منع أهل البلدة من مغادرتها أثناء سيطرته عليها، ثمّ سيطرت "وحدات حماية الشعب" الكردية على مركز المدينة، بعد انسحاب عناصر التنظيم منها، قبل أيام.

انسحاب التنظيم من صرين، كان "تكتيكياً"، كما يقول أحد السكان: "أخبرنا عناصر التنظيم قبل انسحابهم أنهم سيعودون قريباً، وأنّ الانسحاب تمّ لتجنيب المدينة مزيداً من القصف"، ولكن جرت الرياح بما لا يشتهي التنظيم، إذ فشل باستعادة البلدة رغم هجومه العنيف بالمفخخات والانتحاريين.

ولا تأتي أهمية صرين من مساحة البلدة وكثافة سكانها، إذ البلدة ذاتها صغيرة نسبياً جغرافياً وسكانياً، يقول المحامي عمران من ريف حلب: "تنبع أهمية البلدة من موقعها الاستراتيجي شرقي نهر الفرات، إذ تعد صلة وصل للتنظيم بين الرقة وسد الشهداء، تشرين سابقاً، أهم موقع عسكري للتنظيم حيث مستودعات الأسلحة والذخيرة، ومعسكرات التدريب". ويتابع عمران بالقول: "كما يتبع للبلدة الصغيرة ما يقارب مئة قرية ما يزيد عدد السكان عن 80 ألف نسمة وغالبيتهم من العرب الذين أعلن كثيرون منهم بيعتهم لتنظيم الدولة".

وتعددت الأسباب التي دعت سكان المنطقة، للانتماء إلى التنظيم. ربما الفقر والنزاعات القديمة أبرز عوامل الإنتساب، وتعد عشيرة العون، أبرز المؤيدين للتنظيم، ويصل الولاء للذروة في قريتي الديكان وبوجاق. يقول الناشط حسن من ريف حلب: "نسبة الانتساب في القريتين تزيد عن 50 في المئة، حيث يلقبها السكان بقندهار، خلافاً لقرى أخرى مثل بئر شمالي وبئر البكار فلم ينخرطوا في تنظيم الدولة، رغم انخراطهم السابق بالجيش الحر ما جعل التنظيم يسعى للتضييق عليهم".

وتميزت المعارك في صرين وريفها، طوال الشهور الخمسة الماضية، بالشراسة. وقد استنزفت كثيراً من إمكانات الطرفين المادية والبشرية، يقول الناشط الإعلامي عادل من ريف حلب: "اشتعلت المعارك في المنطقة بعد استعادة قوات الحماية الكردية عين العرب، وأخذت المعركة أبعاداً خطيرة إذ تحولت الحرب لكسر عظم بعد أن أصبحت قضية وجود، وقد هجر الأكراد قراهم عندما رأوا التنظيم يحكم قبضته".

المقربون من التنظيم يؤكدون أن القوات الكردية لم تكن تستطيع التقدم في صرين وريفها، لولا الدعم اللامحدود من التحالف الدولي. فالقوات الكردية لا تمتلك أدنى حاضنة شعبية في صرين، فهي بلدة عربية ذات طابع عشائري بامتياز.

وتطرح التركيبة السكانية للمدينة إشارات استفهام حول مستقبل المدينة، وقدرة القوات الكردية على الثبات في أرض ذات غالبية عربية. يقول المحامي عمران: "ستتحول ناحية صرين لثقب أسود إذ ستتراجع القوات بمجرد غياب طيران التحالف، إنها أشبه بطعم للأكراد والتنظيم".

وأخذت المعارك طابع الصراع القومي، إضافة للصراع الديني. يقول أبو مصطفى من ريف صرين: "وجد المئات من أبناء صرين أنفسهم مضطرين لمبايعة تنظيم الدولة، فالغالبية انتسبت للتنظيم نتيجة كرهها القوات الكردية لا لحبها التنظيم، إذ تحولت المعارك في نظر كثيرين إلى معارك وجود". وتعتقد الغالبية الساحقة من السكان، أن سيطرة القوات الكردية على مناطقهم، ستؤدي لتهجيرهم وسلب أرزاقهم فلا سبيل أمامهم سوى الانضمام إلى التنظيم. وفعلاً حصل ما توقعه الأهالي فقد أمرت "وحدات الحماية" الكردية الأهالي بإخلاء البلدة.

ويقول موالون لوحدات الحماية إن الإخلاء تمّ لأسباب أمنية، ولا سيما بعد محاولة "الدواعش" استعادة البلدة، ما يؤكد وجود خلايا نائمة. وقد عثر على أسلحة ثقيلة وعربتي "ب إم ب" مخبأتين، ما يشير إلى نية التنظيم اقتحام البلدة عبر خلايا نائمة.

ولم تقتصر المعاناة على التهجير، رغم مرارته، إذ أجرت "وحدات الحماية" حملات اعتقال بحق الأهالي، وسط أنباء عن ارتكابها جرائم ضد المدنيين. يروي تيسير من قرية برخ بوتان: "أحرقت الوحدات منزل كل عائلة ثبت انتماء أحد أبنائها لداعش"، ولم تتأكد الأنباء حول صحة قتل بقية أفراد العائلة. ويتابع تيسير: "استخدمت قوات الحماية الأهالي كأجهزة كاشفة للألغام إذا أجبرتهم المشي في مناطق يتوقع وجود ألغام فيها زرعها تنظيم الدولة قبل انسحابه، وقتل أربعة شباب كانوا يركبون دراجتين ناريتين بهذه الألغام، كما اصيبت امرأة بجروح خطيرة وتأذت ابنتها بلغم أرضي أيضاً".

وقد قتل حتى الآن أكثر من عشرين مقاتلاً، من أبناء البلدة في المعارك، يقول أبو مصطفى: "نشعر أنَّ هناك خطة مبرمجة لترحيل العرب من المنطقة، ولن نسمح بتكرار ما حدث في سلوك وتل أبيض، إنها أرضنا ولن نموت وندفن إلا عليها وفيها". وستعزز عقيدة "وحدات الحماية" وممارستها من رفض الحاضنة الشعبية العربية لها، يقول الناشط أبو صالح من ريف حلب: "انتقل الناس بين عشية وضحاها من حكم ديني متطرف إلى حكم إلحادي حاقد، وليس أدل على ذلك من قتل القوات الكردية أحمد الزغير، فقط لأنه قال استغفر الله عندما سمعهم يسبون الذات الإلهية أثناء تمشيط المنطقة". وتترك مثل هذه الحوادث أثراً عميقاً في مجتمع عشائري متدين بالفطرة.

ويذهب منتقدو التنظيم بعيداً في تحميله مسؤولية ما أصاب العرب السنة في سوريا وانقلابه على ثورة أهلها. وتصل الاتهامات إلى حد اتهام التنظيم بالمشاركة في رسم حدود الدولة الكردية لكون هذه الدولة ستشكل عامل احتقان وأزمة في المنطقة. يقول قيادي سابق في الجيش الحر: "المتتبع لسير المعارك في الحسكة وعين العرب وكل الأماكن التي تحتوي مكوناً كردياً يلحظ أنَّ التنظيم يشعل المعركة ويتقدم بداية ثم يُطرد التنظيم ومعه العرب ليكون للقوات الكردية الكلمة الفصل". وقد تراجع التنظيم في الحسكة مؤخراً، بعد أن كاد يسيطر على المدينة، فهل تكون صرين كمثيلاتها أم ستشذ عن القاعدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها