الإثنين 2015/01/19

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

السيسي ومرسي.. اللعب بالنار

الإثنين 2015/01/19
السيسي ومرسي.. اللعب بالنار
مرسي قال في المرافعة، بإنه كان يعلم بمسؤولية السيسي عن قتل المتظاهرين. (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
جاءت مرافعة الرئيس المعزول محمد مرسي، للدفاع عن نفسه، أمام محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، الأحد، في ما يُعرف إعلامياً بقضية "التخابر"، كمناسبة لتجديد الجدال عن الفترة الأكثر غموضاً، ما بعد ثورة 25 يناير 2011. المرافعة ارتبطت بكيفية عزل قادة المجلس العسكري القديم؛ المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، في ظل التغيير الذي طال قيادة القوات المسلحة كالبحرية والدفاع، والإبقاء على قيادات أخرى مثل نائب وزير الدفاع لشؤون التسليح محمد العصار، ومسؤول الشؤون القانونية في المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين. تضمنت تلك الفترة أيضاً تعيين مدير المخابرات الحربية آنذاك عبد الفتاح السيسي، وزيراً للدفاع، أبقى عليه مرسي، أو عجز عن إزاحته، فتعامل معه تعامل المضطر.

مرسي قال في المرافعة، بإنه كان يعلم بمسؤولية السيسي عن قتل المتظاهرين، كما ورد في تقرير تقصي الحقائق الثاني عن ثورة يناير، الذي نَسَبَ إلى مدراء الفنادق المحيطة بميدان التحرير، قولهم بإن أشخاصاً من جهات سيادية، يحملون "كارنيهات" المخابرات الحربية، استأجروا غرفاً علوية، وكان معهم أسلحة.

لم يجب مرسي عن هذه التساؤلات، رغم توافر فرصة للحديث له، الأحد، قرابة ساعتين. كما لم يجب أحد غيره عنها، رغم توافر الفرص في محافل عديدة. قليل من المعلومات التي كشفتها مصادر إخوانية، قريبة الصلة من المؤسسة العسكرية، ربما تفكك بعضاً من هذه الألغاز، في إطار توضيح حقيقة ما جرى، وأي من السيناريوهات المتداولة هو الأرجح، سواء في مرحلة ما بعد تولي مرسي للرئاسة، وحتى تعيين السيسي وزيراً للدفاع، أو بعد ذلك.

أولى هذه المعلومات تفيد بأن تقارير المخابرات الحربية، التي كانت ترسل إلى القيادات الميدانية العليا في وحدات الجيش، كان يذكر فيها الرئيس مرسي بعبارات على شاكلة "مرسي وجماعته"، محذرة من حصول جماعة الإخوان على أسرار الأمن القومي المصري، ووصولها لما أسموه "التنظيم الدولي للإخوان"، الأمر الذي توقف بعد تعيين مدير المخابرات وزيراً للدفاع.

وبحسب مصادر إخوانية لـ"المدن"، فإن نسخاً من هذه التقارير وصلت إلى قيادات الإخوان، وكانوا على علم بها، وذلك عن طريق بعض الكوادر الإخوانية الموجودة في الجيش، أثناء فترة تجنيدها سواء بصفة ضباط أو مجندين. وخاصة لأن مرحلة التوتر المعلن بين الجيش والإخوان لم تبدأ إلا في مارس/آذار 2012، عقب إعتزام الإخوان طرح مرشح لهم، حيث كان هناك كثير من شباب الإخوان داخل الجيش غير معروفين لقادتهم، إلا بعد تزايد التباعد في وجهات النظر.

في الوقت نفسه، كان المجلس العسكري بقيادة طنطاوي وعنان، قد أصدر إعلاناً دستورياً مكملاً، قبل انتهاء التصويت في المرحلة الثانية بساعات. الإعلان عُرف بين القوى السياسية بـ"المُكبِّل" لأنه يهمش صلاحيات الرئيس القادم، ويجعل للبلاد رأسين عملياً.

المعلومات المتاحة، رجحت وجود مخططين للإطاحة بطنطاوي وعنان، الأول؛ أن السيسي تلاعب بقيادة الجيش والرئيس مرسي، بأن صور لكل منهم أنه يحميه من الآخر في ظل صراع مكتوم بينهم، حتى تمكن من إقناع مرسي والإخوان بأن مصلحتهم معه. فمن هو القادر على الحلول في منصب وزير الدفاع؟ في فترة اهتزت فيها صورة المؤسسة العسكرية، بشدة، بعد الثورة. هذا فضلاً عن أن السيسي هو مدير المخابرات التي نعتت مرسي باسمه دون لقب رئيس، معطوفاً على جماعته الإخوان المسلمين. وبالتالي هو وحده القادر على إيقافها، وهو ما تم بالفعل بعد تعيينه وزيراً للدفاع.

أما المخطط الثاني، فيشير إلى وجود صيغة توافقية تمت بين مرسي والجيش، بغرض إنهاء هذا الوضع "الشاذ"، بين صلاحيات المجلس العسكري والرئيس الجديد، شريطة ضمان خروج آمن لقيادات المؤسسة العسكرية والحفاظ على مكتسبات المؤسسة العسكرية التاريخية، وعدم الإخلال بالتوازنات والأعراف داخلها، مقابل انهاء هذه الحالة بشكل سلس. ولم يكن لمرسي أن يغير أو يلغي الإعلان الدستوري أو يطيح بقيادات الجيش، دون توافق معها، أو تعاون من داخل النواة الصلبة لتلك المؤسسة الراسخة. وفي كلتا الحالتين، كان السيسي هو الأوفر حظاً، سواء بفرضه على مرسي من قبل طنطاوي، أو من خلال تلاعبه بالطرفين، لاسيما أنه كان في تشكيلة مجلس الدفاع الوطني المعلن عنه آنذاك.

من ناحية الإخوان، يبدو أنه لم يكن هناك بديل عن القبول بتولي السيسي لمنصب وزير الدفاع، وفق منهج الإصلاح وعدم الصدام.

ووفقاً لمصادر قريبة الصلة من الجيش، تحدثت لـ"المدن"، فإن القيادات الوسيطة، كما العُليا، كانت متوجسة من مرسي، وفي نفس الوقت لم ترَ بديلاً آمناً له، بمعنى أنه يمكن التفاوض معه والضغط عليه، كونه لا يتبنى نهجاً ثورياً أو يتسم بالرعونة. وهو أمر لم يتوفر في فلول الحزب الوطني ولا في التيارات الشبابية والمعارضة التقليدية، والتي لا يملك أي منهم، قواعد وحجماً كبيراً كالإخوان. لذا فقد كانت الرؤية الأساسية هي الإبقاء على مرسي، تحت ضغط دائم، الى حين توفير بديل من داخل المؤسسة العسكرية، لمرسي والمعارضة في آن واحد، وخاصة أن مكتسبات المؤسسة العسكرية لن تمس، وستحظى بما تريد في أي دستور قادم.

ووفقاً لمصادر قريبة الصلة من بعض مساعدي مرسي، أثناء رئاسته، فإن قيادات الإخوان ومرسي كانوا على علم من أكثر من مصدر، وبشكل مؤكد، من الرؤية السلبية لقيادات الجيش القريبة من السيسي، تجاه الجماعة، على إعتبارهم غير جديرين بالمكان الموجودين فيه. الأمر وصل إلى حدّ تأكد الإخوان من كونهم مراقبين حتى في القصر الجمهوري. إلا أن فكرة الصدام "لم تكن واردة"، وكانت البدائل كلها تدور حول فكرة الإحتواء أو التدجين، أو البحث عن حل من داخل المنظومة نفسها، وهو ما لم يتسنَ للجماعة أو لمرسي، في ظل ضعفهم وعدم قدراتهم على بناء شراكات أو تواصل مع أجهزة الدولة أو التيارات الأخرى.

لذا فإن تفسير مرسي، الأحد، بأنه لم يرغب بـ"الإساءة إلى المؤسسة التي ينتمون إليها، والحفاظ عليها، حتى تكون قوية ومصانة"، هو تطبيق عملي لفكرة عدم المواجهة أو الصدام مع مؤسسات الدولة، وخاصة الأمنية منها، ومحاولة احتوائها أو إرضائها، أو التفاهم معها، كمنهج مسيطر قبل 3 يوليو/تموز 2013.

المشهد في صورته النهائية، يوضح سياسة اللعب بالنار، التي أقدم عليها الإخوان، بعد تأكدهم بأنه لا فكاك من قبضة المجلس العسكري إلا من داخله، فكان الإختيار "الإجباري"، على رئيس جهاز المخابرات الحربية، الذي يُشكل وعي قادة الجيش عبر تقاريره السرية والخاصة. وفي حسابهم أن يتمكنوا من الإطاحة به أو تدجينه أو تحييده. إلا أن تلك المحاولات ذهبت أدراج الرياح، فلا هم دجنوا الجيش، ولا أستطاعوا أن يتخلصوا من سيطرة السيسي على مقاليد الأمور. وفي الوقت نفسه لم يكن مرسي يتعامل بشفافية مع الشعب، في ظل حالة ثورية يعيشها المجتمع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها