الأحد 2013/12/22

آخر تحديث: 03:22 (بيروت)

جنوب السودان: صراع لن يحسمه السلاح

الأحد 2013/12/22
جنوب السودان: صراع لن يحسمه السلاح
يملك كل أطراف النزاع حججاً ودعماً من شأنه إطالة أمد الصراع (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
قبل أيام من بدء العنف في عاصمة جنوب السودان، جوبا، عقد سياسيون بينهم رياك مشار نائب الرئيس وريبيكا أرملة الزعيم الوطني الراحل جون قرنق، مؤتمراً اتهموا فيه علناً حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت بالفساد المالي وتضليل الرأي العام. المشاركون كانوا من قوميات مختلفة ولم يدعوا لعمل عسكري، لكن بعد أيام بدأ إطلاق النيران في عاصمة الدولة الوليدة ولم يتوقف حتى الآن، ليسقط في أول يومين نحو 500 قتيل وينزح الآلاف. 
 
وقال شهود إن ميارديت رفض مصافحة أعضاء بارزين في الحزب الحاكم، خلال اجتماع مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان. ورد باتهامات لهم وفصل بعضهم.
 
ميارديت أصر لاحقاً في تسجيل بثه التلفزيون الوطني ان الأمر كان محاولة انقلاب عسكري "فاشل" من مشار، وهو ما فنده مراقبون، واعتقل "قيادات سياسية ووزراء" وليس جنرالات وقادة فرق، وفرض حظر التجول وقطعت الكهرباء عن العاصمة، وفي هذه الأجواء شهدت مناطق أوسع من البلاد مزيدا من العنف. 
 
وقد أدانت على الفور الجامعة العربية ما استنتجته من تصريح ميارديت عن "انقلاب عسكري فاشل"، بينما دعا الاتحاد الأفريقي للحوار، ثم مع تطور العنف دعا لهدنة لقرب أعياد الميلاد، فيما شدد الرئيس الأميركي باراك أوباما، في بيان مطول وبلاغي على رفض الانقلاب والحروب القبلية، قبل أن تهدد واشنطن انها ستوقف مساعدتها لأية حكومة تأتي عبر انقلاب. 
 
هذه اللغة التي لم تحمّل ميارديت أي مسؤولية عن الأحداث، اتجهت للتهدئة مساء السبت ودعت الخارجية الأميركية رئيس جنوب السودان للحفاظ على أرواح المواطنين الأميركيين، بعدما استهدفت صباح اليوم نفسه طائرتا إجلاء كانتا تقل بعض الرعايا الأميركيين من مدينتي جوبا وبور.
 
وقد قامت دول مثل أوغندا وكينيا والصين بإجلاء لرعاياها أو تأمين ترحيل لهم، مما قد يترك مواطني جنوب السودان وحيدين أكثر في مواجهة موت وفقر بسبب صراع سلطة ونفوذ. 
 
وبحسب مبعوث الأمم المتحدة الجمعة، فقد وافقت ريبيكا ومشار على اجتماع غير مشروط مع ميارديت، لكن مشار اشترط  السبت الإفراج عن محتجزين، قبل ان يضيف مطالب جديدة، بعدما قال في اتصال هاتفي بالثريا مع صحيفة "الانتباهة" الأحد إنه يريد  "تشكيل حكومة انتقالية بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي، تستوعب المعارضة وغيرها من الحركات المسلحة، وإجراء انتخابات مبكرة منتصف العام المقبل، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فيما واصلت قوات محسوبة عليه التقدم أو الإعلان عن إخضاع مناطق لنفوذها مع انشقاق آمري وحدات وإعلان موالاتها له.
 
  ورغم ان البعد القبلي حاضر في  كثير من معطيات الدولة الجديدة، التي بنى سياسيوها جزءا من شرعيتهم على تاريخ في الحرب الميدانية مع الشمال، فإن استنهاض الانتماء الإثني لم يكن سوى أداة متأخرة قد يلجأ لها المتحاربون من قادة يسعون للسلطة ويستخدمون الجماهير سلما لتحقيق هذا.
 نقلاً عن موقع بي بي سي 

سعي مشار بالأخص للسلطة ليس وليد اليوم، بل يعود للعام 1991 عندما قرر الأخير وبدعم من حكومة البشير المركزية الانقلاب على قرنق، وعندما رحل الأخير حاول مشار مجدداً الوصول للحكم دون جدوى ليحظى أخيراً بمنصب نائب الرئيس.
وقد ساعده الآن التخبط الذي تدير به حكومة كير البلاد والحديث غير الخافت عن الفساد الذي يلف أوجه صرف الميزانية وعوائد النفط عصب اقتصاد الدولة (والذي توقف إنتاجه في بعض الأماكن مثل ولاية الوحدة) وعقود الاتفاقات التجارية المبرمة من قبل الدولة منذ العام 2011. 
 
 لقبيلة الدينكا (بفروعها) نفوذ كأكبر القبائل بالبلاد، لكن القادة المعارضين لكير الآن (ومنهم دينق الور وريبيكا وهم من الدينكا أيضا) قبلوا بحكم انتمائهم لها وبحكم تاريخهم في القتال لاستقلال الجنوب جزءاً من السلطة وشاركوا في سنوات (2005 ما بعد اتفاق السلام وخلال المرحلة الانتقالية) في السلطة التي ينتقدونها حالياً. 
 
وبحسب بيان للشيوعي السوداني، فإن الوساطات الدولية قد تنجح في تهدئة أطراف القتال مؤقتاً، لكن الحل الدائم يجب ان يكون بالحوار لا التخوين أو التخويف بالقوة. ويرى التحالف العربي من اجل دارفور، المراقب للشؤون السودانية، أن انتشار السلاح قد يجعل العنف خارج عن السيطرة، وهذا متوقع حتى لو وافق الساسة على اتفاق سياسي دون حل جذري للخلافات وتحقيق في اتهامات الفساد.
 
ويملك كل أطراف النزاع السياسي حججاً ودعماً قومياً وسلاحاً من شأنه إطالة أمد الصراع، ومع إغلاق مطار العاصمة كان نداء منظمة الغذاء العالمي هو الأقسى وقعا لأن كثيراً من مدن البلاد تئن من الفقر وعدم التنمية.

وهجم مسلحون على مقر للأمم المتحدة كان يحتمي به مدنيون. وعلقت خدمة الهاتف المحمول لفترة، ولم يكن هناك تواصل إلا عبر إذاعات محلية تبث عبر موجات إف إم والهواتف الأرضية.

وعمل مراسلون متجولون على تغذية المتابعين الكترونياً كلما استطاعوا بمستجدات مفزعة على أرض الواقع، منها تراكم جثث القتلى في المشافي متواضعة الإمكانيات، بينما القتال يمنع حضور الطواقم الطبية أو نقل الجرحى. بما يعني ان فظاعات أخرى من جوع وقتل على الهوية أو موت مجاني قد تنتظر جنوب السودان إذا استمرت الفوضى.
 
increase حجم الخط decrease