الخميس 2014/03/27

آخر تحديث: 23:01 (بيروت)

بوليتزر 2014.. أمام 'إشكالية' سنودن؟

الخميس 2014/03/27
بوليتزر 2014.. أمام 'إشكالية' سنودن؟
من التظاهرات المتضامنة مع إدوارد سنودن (أ ب)
increase حجم الخط decrease
جدلٌ كبير يُثار حول جائزة "بوليتزر" العالمية للصحافة هذا العام. فالجائزة العريقة قد تُمنح لصحافيين نشروا تحقيقات وقصصاً إخبارية تستند بشكل رئيسي على معلومات سرّبها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، ليجد القيّمون على الجائزة أنّهم أمام أصعب قرار يواجههم منذ أربعة عقود على الأقل.

احتمالات الفائزين هذه، كشفتها صحيفة "بوليتيكو" منذ فترة قصيرة. إذ نشرت الصحيفة مقالاً للصحافي دايلان بيرس، بعنوان "إدوارد سنودن يلوح في أفق جائزة بوليتزر". ويعتبر المقال أن اللجنة المشرفة على الجائزة تقف اليوم أمام مشهدين متناقضين. فمن جهة قد يبدو الأمر "تكريماً لمقالات صحافية مبنية على  تسريبات غير قانونية، وقد يظهر وكأنه عمل سياسي بالدرجة الأولى، وهذا ما تحاول اللجنة تفاديه، خصوصاً أنّ هذه الجائزة لها طابع وطني بعيد من الاشكاليات السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة في الداخل والخارج".
ومن ناحية أخرى، "فإن تخطي قضية وكالة الأمن القومي وأعمالها التجسسية، يشكّل مخاطرة بسُمعة الجائزة، إذ سيظهر الأمر وكأن القيمين على بوليتزر يقفون إلى جانب الحكومة الأميركية بشكل متعمّد، بدلاً من مساندة وتكريم الصحافيين الذين يتعاطون مع تسريبات سنودن بمسؤولية، ويستفيدون منها للمساءلة عبر ما ينشرونه في كتاباتهم".

وفيما يصفها البعض بأنها "أوسكار الصحافة"، تُعدّ "بوليتزر" أرفع جائزة تُمنح للصحافة المكتوبة في الولايات المتحدة والعالم. أما الجهة التي تختار الفائزين فهي مجلس مستقل، تابع إدارياً لكلية الصحافة في "جامعة كولومبيا" في نيويورك. ومع "بوليتزر"، يتم تقدير الصحافي الفائز وتسليط الضوء عليه باعتبار أن ما كتبه ونشره كان الأبرز أو الأنفع للمصلحة العامة.

ومن هذه الخلفية تتضّح الصورة أكثر، ويصبح الجدل القائم مبرراً في ظل التساؤلات التي تقدمها صحيفة "بوليتيكو" حول جائزة هذا العام. فالقضية المطروحة يمكن أنّ تتلخّص في أسئلة على غرار: "هل يمكن منح الجائزة لصحيفتي "الغارديان" و"واشنطن بوست"، على خلفية نشرهما قصصاً إخبارية وتحقيقات تستند في الأساس على تسريبات مسروقة من ملفات حكومية، عبر الرجل الذي ينظر إليه كثيرون على أنه خائن؟ أم هل سينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، باعتبار أن قضية التسريبات هي القصة الصحافية الأكثر أهمية في هذا العام، إن لم نقل خلال العقد الجاري؟".

لعلّ هذه التساؤلات تعود أصداؤها إلى القرار التاريخي في العام 1972، حين منحت لجنة التكريم في "بوليتزر" الجائزة لصحيفة "نيويورك تايمز"، بعد نشرها تقارير مبنية على وثائق سرّبها المحلل العسكري السابق في الولايات المتحدة، دانيال إليسبرغ، من البنتاغون وتكشف استحالة تحقيق النصر في حرب فيتنام. بذلك يرتسم وجه التشابه هنا بين ما تواجهه اللجنة اليوم، وما حصل في السابق ضمن الحالة المذكورة. ففي العام 1971، قام إليسبرغ بتسريب حوالى سبعة آلاف وثيقة سرية من البنتاغون، وسلّمها لصحيفة "نيويورك تايمز". وتكشف هذه الوثائق كيف قام خمسة رؤساء أميركيين بالكذب المستمر على الشعب الأميركي حول حرب فيتنام. وعلى إثر ما قام به، تحوّل إلسبيرغ إلى لاجىء خارج الولايات المتحدة، وصدر حكم بسجنه 115 عاماً بتهمة التجسس والتآمر. كما وصفه مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون حينها، هنري كيسينجر، بـ"أخطر رجل في أميركا".

كثيرون اليوم يقارنون بين قضية إدوارد سنودن وما تعرض له دانيال إلسبيرغ سابقاً. وضمن هذا السياق، علّق إلسبيرغ، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" العام الفائت، على ما قام به سنودن باعتباره "لا يعدّ فعلاً خاطئاً... فبعد مرور أكثر من أربعين عاماً على الكشف عن وثائق البنتاغون السرية، ما زالت هذه التسريبات تمثّل شريان الحياة للصحافة الحرة في أميركا". ويخلص ألسبيرغ في المقال عينه، إلى رؤية مشتركة بين قضية وثائق البنتاغون وتسريبات سنودن وهي أن "السريّة تُفسد، تماماً كما تفُسد السلطة".

إذن، استحقت "نيويورك تايمز" الجائزة حينها، كونها نشرت ما يخدم المصلحة العامة وما شكّل القضية الأبرز في ذلك العام. واليوم لا يبدو لنا وجود حدث أكثر أهمية، وله أبعاد دراماتيكية وتأثيرات على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، كالذي نتج عن إطلاق تسريبات سنودن عبر الصحف للعلن، والذي فجّر نقاشاً دولياً حول رقابة الحكومات والخصوصية الفردية. بالتالي، تبدو الفرصة متاحة اليوم أمام لجنة تحكيم "بوليتزر" لمعاودة اتخاذ قرار جريء ومماثل لقرارها التاريخي في العام 1972.

ووفقاً لصحيفة "بوليتيكو" فإن اللجنة تدرس حالياً مسألة اختيار صحافيين من "الغارديان" بنسختها الأميركية، هم: غلين غرينوالد، لورا بويتراس، وإيوين ماكاسكيل، نظراً إلى أنهم أوّل من نشر أخباراً وتقارير حول جمع "وكالة الأمن القومي" لسجلات هاتف شركة "فيريزون" للاتصلات السلكية واللاسلكية. ومن صحيفة "واشنطن بوست"، تطرح اللجنة اسم، باترون غليمان، وتكرر اسم، لورا بويتراس، على اعتبار أنهما عملا سوياً على تغطية كل ما يتعلّق باستخدام "وكالة الأمن القومي" لبرنامج "بريزم" في بعض أعمالها التجسّسية.

المعطيات التي عرضتها "بوليتيكو" لا تحصر النقاش في الجهة أو الشخص المرشّح لنيل الجائزة، إنما تشكّل مادة تدفعنا إلى حمل هذا النقاش والذهاب به في مسارٍ مختلف، يضع أمامنا تساؤلات حول أخلاقية العمل الصحافي المستند إلى وثائق ومعلومات مسرّبة ومسروقة من جهات حكومية. فهل يكون منح هذه الأعمال الصحافية جوائز عالمية، هو بمثابة اعتراف رسمي بأنها لم تخلّ بقواعد أو أخلاقيات المهنة؟ أم هناك استثناءات؟ كما يُطرح السؤال عن علاقة الصحافي بالمصدر المسرّب للمعلومات السرية، وكيفية التعاطي مع الوثائق التي يحصل عليها منه. وإذا ما أدرنا زاوية النظر باتجاه آخر: هل يصبح من المعقول، في "عصر التسريبات" تحديداً، أن يتجاهل الصحافيون إظهار ما يخدم مصلحة المواطنين والعموم؟

منذ ظهور تسريبات جوليان آسانج وبرادلي مانينغ، وصولاً إلى إدوارد سنودن، تشهد الصحافة العالمية في السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في علاقتها بالمصدر والمعلومة. إذ أصبح شائعاً وجود تحقيقات وتقارير صحافية مستندة إلى وثائق مسربة أو مسروقة. وإذا ما عدنا إلى الجدل الذي أحاط بموقع "ويكيليكس" الالكتروني عند إطلاقه، يستوقفنا ما رآه كثيرون في هذا الموقع، فهو بالنسبة إليهم "يقوم بالدور نفسه الذي تقوم به الصحافة، وهو تسليط الضوء على كل المواد التي تفضّل الحكومات إبقاءها سرية".

وإذا ما صحّت معلومات صحيفة "بوليتيكو" حول الأسماء المرشحة لنيل جائزة "بوليتزر" هذا العام، والتي سيعلن عنها في 14 نيسان المقبل، فإنّ هذا الأمر سيضع الصحافة أمام مسارٍ جديد ينفتح على رؤية جديدة للعمل الصحافي. وقد يكون إطلاق مجلّة "ذا إنترسبت" في شباط/فبراير الماضي، عاملاً أولياً يعزز هذه الفرضية، نظراً إلى أن المجلة تحصر مهمتها في المدى القصير في "توفير منصة لإبلاغ الجمهور عن الوثائق المقدمة من قبل إدوارد سنودن"، فيما يتمثّل هدفها الاستراتيجي الأبعد في "إنتاج صحافة شجاعة ومناوئة عبر مجموعة واسعة من القضايا".


increase حجم الخط decrease