الثلاثاء 2014/03/25

آخر تحديث: 02:02 (بيروت)

ثقافة العنصرية

الثلاثاء 2014/03/25
increase حجم الخط decrease
حسناً فعل مطلقو "الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية"، والتي نالت صفحتها في فايسبوك تشجيعاً كبيراً جداً بالمقارنة مع نقيضتها "الحركة النازية اللبنانية ضد الوجود السوري في لبنان". مع ذلك يؤمل من هذه الحملة ألا تنحدر إلى المستوى الذي وصلته "الحركة النازية" أو إلى المستوى العنصري الذي وصلت إليه تصريحات بعض السياسيين اللبنانيين، فنشر لافتات من قبيل "اللبناني العنصري عم يشوف حاله على النازح السوري، بالقليلة السوري عامل ثورة أنت شو عامل غير تحتك!"؛ عبارات من هذا القبيل لن تؤدي إلى توعية الجمهور المستهدف بقدر ما تثير حفيظته وربما تزيد في عنصريته وتطرفه.

التحلّي بالواقعية سيكون مفيداً أكثر على صعيد طرح قضية النازحين، بدلاً من الإعلاء من شأن ما هو سوري نكاية بأولئك الذين يحطون من شأنه. لقد اختبرنا في سوريا وضعاً مشابهاً غداة الهجرة الكثيفة للعراقيين فوصلت أرقامهم إلى ما يُقارب ثلاثة ملايين نازح قبل حوالى عشر سنوات. التعاطف الإنساني لم يمنع شيوع التذمّر في الأوساط السورية المتضررة، فإيجار العقارات ارتفع أو تضاعف مرات في أحياء عديدة من دمشق، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية فضلاً عن الازدحام المتفاقم. حينها راحت بعض الأعين تراقب الشريحة الثرية من اللاجئين القادرة على دفع إيجارات عالية، والموجودة بشكل شبه يومي في المطاعم الفخمة والملاهي السورية، وكان منظرها يؤثر على التعاطف مع قضية العراقيين ككل وعلى أولئك البؤساء منهم. حينها أيضاً كان المثقفون العراقيون لا يغادرون مقاهي الشام، بل صاروا أغلبية روادها، وكان من السهل على أي سوري اتهامهم بشتى أنواع الاتهامات في مقدمها الانفصال عن قضيتهم. أما ظاهرة العهر في أوساط اللاجئين، وإبرازها كأن العهر ظاهرة دخيلة، فلم تغب عن أحاديث السوريين الشفاهية، ولم تغب حتى عن العالم الافتراضي حيث راحت بعض المواقع تعرض خدماتها من النازحات بأسعار متهاودة.

الواقعية أيضاً لا تقتضي التعويل على الحس والاستجابة الإنسانيتين على أهميتهما، فالجميع يعلم مقدار الانقسام السياسي اللبناني إزاء الحدث السوري، والتعرض للنازحين ليس بريئاً دائماً من شبهة الانحياز إلى النظام السوري. في كل الأحوال، ينبغي عدم التغاضي مطلقاً عما يتحمله اللبناني جراء قتال حزب الله في سوريا. لبيان الكلفة الحقيقية علينا أن نسترجع التصريح الشهير لأحد قادة الحزب، الذي أعلن فيه أنه لولا تدخل الحزب لكانت دمشق قد سقطت بأيدي المعارضة. على صعيد مشكلة النزوح، من المنطقي قراءة التصريح السابق على أنه لولا تدخل الحزب لما شهد لبنان تدفقاً للاجئين، أقله بالأعداد الضخمة التي وصلت. على العكس كان يُفترض لو سمح الحزب بوقوع دمشق وغيرها تحت سيطرة المعارضة أن يعود النازحون إلى بلدهم، وعلى فرض وجود حالات هرب من شبيحة النظام فهي لن تكون بالكثافة التي نشهدها اليوم هرباً من ميليشيات الحزب وقوات النظام.

الرد الخجول الذي يأتي من خصوم الحزب لا يرقى سياسياً إلى المستوى المطلوب، فهو يحصر المسألة في جانبها الإنساني فقط، ويساهم تالياً في التغطية على المتسبب الرئيسي. بين هجوم حلفاء الحزب على اللاجئين، وحتى على البيئة الاجتماعية اللبنانية المتعاطفة معهم، وبين الرد القاصر لخصومهم يربح الأولون لأنهم يدغدغون مشاعر اللبنانيين المتضررين من الوجود السوري، والذين يعايشون يومياً ظاهر المشكلة وقد لا يكون من شأنهم التفكير في أسبابها وجذورها. من المؤسف أكثر أن أطرافاً لبنانية كانت قد ركّزت على ما تسبب به حزب الله من أزمة نزوح كبيرة للبنانيين عام 2006، باستهدافه جنوداً إسرائيليين والتسبب بحرب تموز، وهي أزمة أقل عدداً وكلفة من الأزمة الحالية، ويُفترض أن آثارها الاجتماعية كانت أخف وطأة بالمقارنة مع النزوح الكبير للسوريين.

لغة الأرقام تقول إن عدد النازحين إلى لبنان المسجلين رسمياً سيرتفع هذه السنة إلى مليون ونصف وفق وتيرة الحرب الحالية، وهذا مرشح للتصاعد إذا ما تصاعدت العمليات العسكرية. الحل الذي يقترحه حلفاء الحزب هو إغلاق الحدود وتمكين النظام من قتل أولئك بدل تحويلهم إلى نازحين، وهو حل قد يلقى رواجاً بما أن الحل العقلاني الذي يقضي بخروج الحزب من سوريا غير مطروح بقوة من قبل المجتمع والنخبة السياسية في لبنان، إذ لطالما رأت هذه الجهات نفسها أضعف من مواجهة الحزب على الصعيدين السياسي والشعبي.

اختصار المسألة بالزجل المعهود، أو بعبارات يكتبها عنصريون على الجدران ثم يقوم آخرون بشطبها، لن يكون مفيداً الآن أو مستقبلاً. القول بأن تدخل الحزب يجلب الإرهاب إلى لبنان هو بمثابة تأكيد مضمر على رواية الحزب وادعائه الحرب على الإرهاب. هذا القول يجرد الحزب فقط من ادعاءات النصر، لكنه لا يطعن في روايته من أساسها. مناشدة الدول والمنظمات الدولية أن تقوم بدورها في حل أزمة اللاجئين لا تعني سوى محاولة تصدير الأزمة، وفي جانب منها تنصل من مسؤولية قسم من اللبنانيين عنها، ولن يكون مرجحاً على أية حال أن تلقى استجابة باستثناء جلب بعض المعونات الإضافية.

لعلنا لا نبالغ أخيراً إن طالبنا باستغلال هذه المناسبة للتركيز على تجريم العنصرية قانونياً، وهو مطلب لا يخص لبنان وحده بل يجب تعميمه في المنطقة كلها لأن انتظار المبادرة والوعي الذاتيين لا يكفيان لمحو آثار ثقافة عامة غير بريئة أصلاً من شبهة العنصرية.
 
increase حجم الخط decrease