الأربعاء 2014/04/09

آخر تحديث: 03:27 (بيروت)

عائشة عبد الرحمن: كسرت التقاليد بصعودي إلى المنصّة

الأربعاء 2014/04/09
عائشة عبد الرحمن: كسرت التقاليد بصعودي إلى المنصّة
increase حجم الخط decrease
 لم تبدأ عائشة عبد الرحمن مسيرتها بالأدوار الثانوية. جاءت إلى الأدوار المؤثرة في تجربة المسرح الإماراتي مباشرة، من التغيّرات الاجتماعية الكبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة. ما سمح للمرأة أن تقف على منزلتها الفردية بقوة، احتضنتها شبكات حماية، أبرزت شرقيتها وقيمتها، استناداً إلى الأفعال لا إلى ردود الأفعال. 
 
ثلاثون سنة على خشبات المسارح، وهي تبحث عن طرق لعب الشخصيات، بميّزاتها متعدّدة الأوجه، بعيداً من النظرة الواحدة. "لم أتعلم التمثيل بالأكاديميات. تعلّمته عبر التفاعل والموهبة. ثم طوّرت ذلك، عوّضت عن غياب الاختصاص الأكاديمي بالمتابعة الموزاية، حيث شاركت بالعديد من الورش الهامة في العالم العربي. ورشات متقدّمة. لكي لا تبقى علاقتي بالمسرح مرتبطة، بالموهبة والشغف وحدهما". في حوارها مع "المدن"، تحدّد عبد الرحمن أبرز تلك الورشات: "الأبرز، "دورة تأسيس وتأهيل الفنان" في تونس عام ٢٠٠٢، تحت إشراف المخرج التونسي الكبير عز الدين قنون والمخرج الجزائري سفيان إعراب والممثلة التونسية ليلى طوبال. دورة هامة، من الإبداعات الكبيرة للأسماء الكبيرة هذه. دروس نظرية وتدريبات عملية مع الثلاثي المذكور ومع غيرهم من المخرجين الإماراتيين، أو من جاء إلى الإمارات بهدف الدفع بالتجربة المسرحية إلى التوغّل في خياراتها أكثر فأكثر". 
 
"حضور طاغٍ على خشبة المسرح"، هكذا وصف عز الدين قنون حضور عائشة عبد الرحمن. تلك ممثلة تفسّر النص بطرق ممتازة. يتّفق المخرجون بالإمارات على ذلك. تقرأ بعمق، لأنها تقرأ، لا بالطرق الأفقية ولا بالطرق العمودية. تحفر وهي تقرأ. عام ١٩٨٥، موعد أول ظهور لعائشة عبد الرحمن على خشبة المسرح في "الطوفة"، لمسرح الفجيرة. إبنة رأس الخيمة باشرت حضورها المسرحي في الفجيرة. بحث الدكتور حبيب غلوم، وهو ممثل ومخرج وباحث إماراتي عن ممثلة، لكي تؤدي دور فتاة لا تتجاوز الخامسة عشرة. وجدها في عائشة عبد الرحمن، بعد أن شاهدها في سهرة تلفزيونية بعنوان "سحابة صيف". قادها العمل التلفزيوني الأول لها،  إلى العمل المسرحي الأول في حياتها. اجتمعت في مسرحية "الطوفة"، بالدكتور غلوم نفسه وبأسماء لها وزن في تجربة الإمارات المسرحية. حسن رجب واسماعيل عبد الله وأحمد الأنصاري. أخرج العمل الفنان البحريني المعروف ابراهيم خلفان. للمسرحية منزلتها الخاصة في تجربة عبد الرحمن. 
 
"لم يوافق الأهل بسرعة على الخيار هذا من بين سائر الأشياء. ما استطاعوا مجاملة الأجواء المسرحية، بربط ذلك بالفترة التاريخية، الموقعة بحضوري على خشبة المسرح. لا عوائل فنية ولا تقاليد بصعود الفتاة إلى المنصّة. بداية متوترة، لم أنظر إليها كخطأ كما لم ينظر إليها الآخرون كخطأ. تحفّظوا فقط، لأن التجربة المسرحية بالعالم العربي، قدّمت المرأة بصور مختلفة. صور طيبة وصور من جوانبها غير المحترزة أمام الواقع الفاك ارتباطه بالمكونات الفنية المختلفة، بعيداً من قيم التلقي والاستمتاع بامتداداته الجمالية".
 
لا تزال عائشة عبد الرحمن، تردّ شحن حضورها وتجربتها بالقوة والمغزى، إلى حضورها في شبكة من الأسماء الهامة في التجربتين العربية والإماراتية، في أكثر من "سبع وعشرين مسرحية، وعشرات الأعمال الدرامية بالتلفزيون. ناجي الحاي، مريم سلطان، أحمد الجسمي، اسماعيل عبد الله، جمال مطر، جابر نغموش، ابراهيم سالم، سالم الحتاوي، محمد العامري، عبد الله صالح. لكل إبداعه المنفرد، ما حقق حضور مجالات القوى في التجربة الإماراتية. مركز انجذاب هؤلاء، تطوير التجربة، بالنظرات المتعددة". 
 
غير أن عبد الرحمن، وجدت ميزاتها وإمكانياتها بالوقوف إلى جانب فنانين معروفين بالعالم العربي، سوريون وكويتيون ومصريون وبحرانيون وإماراتيون. كلهم "ساهموا بإنضاج حضوري على الخشبات وفي الدرامات التلفزيونية، على مفاهيم الفن العصري المتجدد. وسائل تعبير الأسماء هذه، تتصف بالتحديد الشخصي في خاصيات الفضاءات العامة  في البلد هذا أو ذاك". 
 
تنوّع تجريبي في زمن طرح الأسئلة الصعبة من التراث إلى العولمة. استراتيجية حماية حضورها قامت على "التدقيق، لأن زيادة الغنى ليست بالعدد. إنها بالنوعية. لأن الكمية والنوعية تتناقضان، بعيداً من المزاعم والادّعاءات المفتقدة إلى المصداقية والوقائع الملموسة". بظل الحقائق هذه، تتعامل عائشة عبد الرحمن، واحدة من الممثلات القليلات البارزات مع تجربة المسرح الإماراتي. لم تنتظر ماستتمخّض عنه الأوضاع الاجتماعية لتقف على الخشبة. لم تجادل ولم تنتقد. أخذت القرار بمسؤولية بعيداً من التطمينات الموهومة. حضورها حضور إنمائي، لأنه خفف من حدة التساؤلات حول ضرورة وقوف المرأة على خشبة المسرح، بنبرة حوار حضاري بقيت في منأى عن مفاهيم القطيعة. وقوف في عاصفة، لم تلبث الممثلة الإماراتية، أن صاغت من عصفها حضورها، بحيث حصدت الكثير من الجوائز عن العديد من أدوارها. حاصدة جوائز، لأنها لا تفكر بمخاطر الأدوار، حين تفكر بطبقاتها التحتية وحقولها الاجتماعية والثقافية. تأخذ منها ما يعينها على كتابة علامات الشخصية البارزة وتترك العلامات الأخرى للإحساس، السمة الأبرز في تجربة الفنانة الخليجية. نقطة التحوّل الأساسية في حياتها "مسرحية شما. أول تجربة تجمعني بالمخرج المسرحي الإماراتي أحمد الأنصاري، على نصّ كتبه الفنان المتميز عمر غباش، أعده للمسرح المخرج المسرحي ناجي الحاي. لعبت وحيدة في فضاء عار، في "أيام الشارقة المسرحية" و"مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما". شخصية صعبة ومركّبة، مكّنتني من اكتشاف قدراتي بالاشتغال على الشخصية وأبعادها. تجربتي مع ناجي الحاي، تجربة مهمة جداً، لأنه يركز على الجانب النفسي للشخصيات. دوري في مسرحيته "حبة رمل" شكل مفترق طرق في حياتي المسرحية. إذ أن الحاي قدّم المسرحية المذكورة في الساحة الترابية في النادي الأهلي، كاسراً شروط العلبة الإيطالية. خروج على الواقعية، المتردّدة في أشكالها في الكثير من المسرحيات العربية".
 
طاقة تمثيلية كبرى، عائشة عبد الرحمن. لأنها "صاحبة رسالة، عليَّ إتمام رسالتي الإنسانية السامية. الشغل بالمسرح عشق وتأهيل إنساني مستمرّ، يتدفّق ما تدفّقت حياة الممثل على خشبة المسرح". واحدة من نادرات تمسك باختصاصها في التمثيل، بحيث لم تذهب إلى التأليف أو الإخراج أو الاشتغال بباقي اختصاصات المسرح، إذ اختارت ألا توزّع طاقتها على شيء سوى الأداء. على هذه الخلفية، كرّمها "مهرجان الشارقة" في دورته الأخيرة، كرائدة مسرحية. يوسف عايدابي، مستشار الحاكم سلطان بن محمد القاسمي للشؤون الخليجية، وصف تجربتها في تصريح إلى "المدن"، بالتجربة المهتمّة بقيم الإنسان وكيان المرأة كوجود مغاير، مؤصل ومؤسس.
 
 
 
increase حجم الخط decrease