نفايات الشمال و"مؤامرة الضرائب": مطمر الحواكير يُغضب البلديات

جنى الدهيبي

الثلاثاء 2019/08/27

بينما ينشغل البلد كاملًا بترقب مسارات حرب محتملة مع اسرائيل، لا يزال شمال لبنان غارقًا بأزمة نفاياته، من دون أن تجد الأقضية الأربعة (الضنية – المنية، زغرتا، الكورة وبشري) حلًا جذريًا لتراكم نفاياتها على الطرقات، رغم كلّ "إدعاءات" الحلول المقترحة. بعد دوامةٍ طويلة تعود جذورها لنحو أربعة أشهر، مع إغلاق مطمر عدوة في الضنية، الذي كان يستقبل نفايات هذه الأقضية، بدأت أزمة اقتراحات أراضي المطامر، من الفوار ثمّ كفريا ثم تربل قبل أن تصل أخيرًا إلى عقارٍ في الحواكير.

الأسبوع الماضي، وافق مجلس الوزراء على اقتراح وزارة البيئة لجهة استملاك أرض في منطقة الحواكير في منطقة الضنية، لمطمر نفايات أقضية الشمال، وكان ضمن بند اقتراح وزير البيئة فادي جريصاتي لخطّته تحت عنوان "خارطة الطريق 2019 – 2030 لقطاع الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة". حينها، كانت التوجهات تسلك مسار العودة إلى مطمر "عدوة"، بعد أن كان ارتدادات اقتراح مطمر تربل ضربةً قاضية للحكومة ومعها جريصاتي وكل القوى السياسية، التي انقلبت على نفسها من مؤيدٍ للاقتراح إلى منددٍ به اعتراضًا شديدًا. لكنّ المفاجأة، كانت باقتراح "الحواكير"، الذي بدا أشبه بطبخةٍ أُعدّتٍ لتكون سهلة الهضم. ومع ذلك، عبثًا فعلوا، وكل الأمور توحي أنّ ثمّة رجوع إلى النقطة الصفر، تزامنًا مع جلسة الحكومة اليوم الثلثاء 27 آب، التي تُعقد في السراي الكبير، وعلى جدول أعمالها أربعة بنود أبرزها مناقشة خطّة جريصاتي.

غضب شعبي وعتب بلدي
في الشارع، تستعد مجموعات من أهالي الضنية إلى تنفيذ اعتصام اعتراضي تزامنًا مع جلسة الحكومة، ورفضًا لأن تكون أرض الحواكير مطمرًا، بعد أن فقدوا ثقتهم بالحكومة ووزارة البيئة، لا سيما وأنّ رائحة "الضرائب" على النفايات تلوح في الأفق، وهو ما عزز نظرية المتاجرة بهم بدل السعي لإيجاد حلول بيئية وصحية سليمتين بالدرجة الأولى. هذا الغضب تفاقم مع تضاعف كميات النفايات المترامية عشوائيًا على الطرقات وفي الأودية والأحراج، والتي حولت بلدات الأقضية إلى أشبه بحاويات مفتوحة من دون أجل مسمى؟

في هذا الوقت، تتواصل حركة رؤساء البلديات والمخاتير، سعيًا لوضع خطّة مغايرة لمعالجة الأزمة، ورفضًا لأن تكون هناك كسارة مهجورة ستصبح مطمرًا، وهي على بُعد مئات الأمتار من مدرسة وكنيسة وأحياء سكنية. آخر التحركات على المستوى الرسمي، كانت بشكوى تقدم بها رؤساء بلديات المنية ومخاتير قراها إلى وزارة البيئة، وكانت "اعتراض ورفض إنشاء موقع لجمع وطمر النفايات في منطقة الحواكير العقارية لما فيه من ضرر على الصحة والعامة والبيئة". وفي الشكوى التي حملت تواقيعهم، عللوا أسباب الرفض إلى جانب الموقع الجغرافي للكسارة غير الملائم لأن يكون مطمرًا، هو أنّ الكسارة تقع فوق عدد كبير من الينابيع التي تغذي المنطقة، إضافة إلى التصدعات الناتجة عن التفجيرات التي كانت تستعمل لتفجير الصخور تسهّل تسرب النفايات  إلى مجاري المياه والمخزن الجوفي. كذلك، تقع هذه الكسارة وسط غابة حرجية كثيفة من أشجار الصنوبر والسنديان.

خطة "كارثية"؟
حتّى الآن، لم تتضح الخطّة التي ستتبعها الحكومة ووزارة البيئة في شأن حلّ أزمة نفايات أقضية الشمال، في ظلّ التخبط الحاصل، واستنفاد القدرة على اقتراح مطامر موصومة بالفشل، ومع تكاثر علامات الاستفهام على خطّة جريصاتي "الضرائبية".

وفي السياق، يشير رئيس اتحاد بلديات الضنية محمد سعدية، الذي يعتزّ بعمله في مجال البيئة محليًا ودوليًا، بالقدر الذي تستفزه فكرة أنّ هناك أربعة ملايين لبناني يصفون نفسهم بالخبراء البيئيين (!)، أنّ خطة جريصاتي أقل ما يقال عنها "كارثية". أولى الثغرات، وأكثر ما يبدو فادحًا بها، هو "أنّ الحكومة ووزارة البيئة يتعاطيان مع البلديات بمنطق الجُباة الذين يعملون لدى مؤسسة النفايات، وفي المقابل يقومون بتبرئة أنفسهم مما يفعلون ويقترفون".

يقول سعدية: "كلنا يدرك أن النفايات هي مصدر دخل كبير، من الكرتون والحديد والزجاج والمواد العضوية، وهي قابلة للتدوير. وفي جميع دول العالم يدفعون أثمانًا باهظة لأجلها، بينما الدولة والحكومة لا تدع البلديات تعمل وتضع يدها عليها وعلى الملف بأسره. بينما من يريد أن يضع يده على ملف النفايات ضمن خطة وطنية شاملة، يجب أن يدرك أنّ أهم دور فيها هو لفريق البلديات، وليس آخر فريق في المعادلة كأنهم يعملون جباة لديهم". ويسأل: "هل من المنطقي أن يلجأوا إلى فرض الضرائب على الناس من خلال نفاياتهم، بدل أن تكون مصدر دخل لهم؟ وأي قانون يستندون له في تعاطيهم معنا، فيما القوانين أصبحت يمكن أن ينصها مرسوم مُوقّع من وزير؟".

يدعو سعدية بالرجوع إلى أصل النصّ الدستوري، لأنّ "البلدية هي سلطة محلية لها استقلال مالي وإداري".  أمّا الدولة، فـ"تحاول إضعافها وربطها بالتبعية من دون أن نعرف أين تذهب الهبات.. وماذا تفعل الـ UNDP".

وعن الحواكير، يؤكد سعدية أنّ الموافقة على اقتراح مطمر تربل، "كان بعد أن نجحوا بإقناعنا أنه سيكون مطمرًا صحيًا قبل أن نكتشف العكس، وأنّ القصة كذبة كبيرة. وبدأت الصدمة لدى معرفة بدعة الباركينغ وأنه لا يوجد عوازل ولا خزانات لتصفية الرواسب".

يرفض سعدية التوقيع بصمًا على خطط تُفرض بشكل "ديكتاتوري وفرعوني، من دون وضعنا كبلديات في صلب الخطة استشارةً وقرارًا وتنفيذًا، بدل تبليغنا خياراتهم كغرباء لا شأن لهم".

شعبيًا وبلديًا، ثمّة أجواء توحي أنّ خيار مطمر الحواكير مات قبل أن يولد، وأنّ مواجهته ستجعله عصيًا على  التنفيذ. فماذا ستفعل الحكومة ووزير بيئتها؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024